آيات من القرآن الكريم

قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶ

ثم رجع إلى قصة إبراهيم. حيث قال لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ. فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ وفي الآية مضمر ومعناه: فقذفوه في النار، فأنجاه الله من النار فلم تحرقه، وجعلها برداً وسلاماً إِنَّ فِي ذلِكَ أي فيما أنجاه الله من النار بعد ما قذفوه فيها لَآياتٍ يعني: لعبرات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني: يصدقون بتوحيد الله تعالى.
فقال لهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: إنما عبدتم مِّن دُونِ الله أَوْثاناً يعني: أصناماً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ على عبادة أصنامكم. قرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر، مَوَدَّةَ بنصب الهاء مع التنوين بَيْنِكُمْ بنصب النون.
يعني: اتخذتم أوثاناً آلهة مودة بينكم على عبادتها، صار نصباً لوقوع الفعل عليها. وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ بنصب الهاء بغير التنوين بَيْنِكُمْ بكسر النون على معنى الإضافة، وقرأ الباقون مَوَدَّةَ بالضم بَيْنِكُمْ بالكسر.
وروي عن الفراء أنه قال: إنما صار المودة رفعا بالصفة بقوله عز وجل: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وينقطع الكلام عند قوله: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً.
ثم بيّن ضرر مودتهم في الحياة الدنيا فقال تعالى: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ يعني: ليس مودتكم تلك الأصنام بشيء، لأن المودة بَيْنِكُمْ فِى الحياة الدنيا تنقطع، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ يعني: الأصنام من العابد، والشياطين ممن عبدها. ويقال: يعني، الأتباع والقادة، تتبرأ القادة من الأتباع وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً يعني: الأتباع يلعن القادة، والعابد يلعن المعبود وَمَأْواكُمُ النَّارُ يعني: مصيركم إلى النار وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ يعني:
مانعين من عذاب الله عز وجل.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٢٦ الى ٣٠]
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠)
قوله عز وجل: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ يعني: صدق لوطا إبراهيم عليهما السلام على الهجرة، ويقال: صدقه بالنبوة حين لم تحرقه النار وَقالَ إبراهيم إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي يعني: إلى رضاء ربي وطاعة ربي. ويقال: إلى أرض من أرض ربي، فهجر قومه الكافرين وخرج إلى الأرض المقدسة، ومعه سارة ثم قال: إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ في أمره. ويقال:

صفحة رقم 630

حكيم حكم أن من لم يقدر في بلدة على طاعة الله عز وجل فليخرج إلى بلدة أخرى.
قوله عز وجل: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ يعني: لمّا هاجر إلى طاعة الله عز وجل، أكرمه الله في الدنيا وأعطاه ذرية طيبة، وهو ولده إسحاق، وولد ولده يعقوب عليهم السلام، - ووهب له أربعة أولاد: إسحاق من سارة، وإسماعيل من هاجر، ومدين ومداين من غيرهما «١» - وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ يعني: من ذرية إبراهيم النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ يعني أكرم الله عز وجل ذريته بالنبوة، وأعطاهم الصحف. ويقال: أخرج من ذريته ألف نبي عليهم السلام وَالْكِتابَ يعني:
الزبور والتوراة والإنجيل والفرقان وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا يعني: أعطيناه في الدنيا الثناء الحسن وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ يعني: مع النبيين في الجنة.
قوله عز وجل: وَلُوطاً يعني: وأرسلنا لوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص، إِنَّكُمْ على معنى الخبر. وقرأ أبو عمرو ءائنكم بالمد على معنى الاستفهام، لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ يعني: المعصية مَا سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ.
ثم قال: أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ واتفقوا في هذا الحرف على لفظ الاستفهام، واختلفوا في الأول، فقرأ الذين سميناهم على وجه الإخبار عنهم إنكم تفعلون، وتكون على وجه التعيير.
وقرأ الباقون الأول على وجه الاستفهام، فيكون اللفظ لفظ الاستفهام، والمعنى فيه: التوبيخ والتقريع.
ثم قال: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ يعني: تعترضون الطريق لمن مرّ بكم بعملكم الخبيث.
ويقال: وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ. يعني: تأخذون أموالهم، كانوا يفعلون ذلك لكيلا يدخلوا في بلدهم، ويتناولوا من ثمارهم، ويقال: تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ يعني: النسل وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ يعني: تعملون في مجالسكم المنكر. وقال بعضهم: يعني به اللواطة كانوا يفعلون ذلك في المجالس بالعلانية. ويقال: أراد به المعاصي، وهي: الرمي بالبندق والصّفير، والحذف، ومضغ العلك، وحل إزار القباء، واللعب بالحمام، وشرب الخمر، وضرب العود والمزامير، وغير ذلك من المعاصي. وروت أم هانئ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في قوله: وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ قال: «كَانُوا يَحْذِفُونَ أهْلَ الطَّرِيقِ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ» فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ بالعذاب، وإن العذاب نازل بنا قالَ رَبِّ انْصُرْنِي يعني: أعني عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ يعني: المشركين.

(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ».

صفحة رقم 631
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية