
ولما كان - كما مضى - السياق للابتلاء، خص بالبسط في القص
صفحة رقم 427
من لم يكن له ناصر من قومه، أو كان غريباً منها، ولذلك أتبع الخليل عليه الصلاة والسلام ابن أخيه الذي أرسله الله إلى أهل سدوم: ناس لا قرابة له فيهم ولا عشيرة، فقال: ﴿ولوطاً﴾ أي أرسلناه، وأشار إلى إسراعه في الامتثال بقوله: ﴿إذ﴾ أي وأرسلناه حين ﴿قال لقومه﴾ أهل سدوم الذين سكن فيهم وصاهرهم وانقطع إليهم فصاروا قومه، حين فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما الصلاة والسلام، منكراً ما رأى من حالهم، وقبيح فعالهم، مؤكداً له إشارة إلى أنه - مع كونه يرونه من أعرف المعارف - جدير بأن ينكر: ﴿إنكم لتأتون الفاحشة﴾ أي المجاوزة للحد في القبح، فكأنها لذلك لا فاحشة غيرها. ثم علل كونها فاحشة استئنافاً بقوله: ﴿ما سبقكم﴾ أو هي حال مبينة لعظيم جرأتهم على المنكر، أي غير مسبوقين ﴿بها﴾ وأعرق في النفي بقوله: ﴿من أحد﴾ وزاد بقوله: ﴿من العالمين*﴾ أي كلهم فضلاً عن خصوص الناس؛ ثم كرر الإنكار تأكيداً لتجاوز قبحها الذي ينكرونه فقال: ﴿أئنكم لتأتون الرجال﴾ إتيان الشهوة، وعطف عليها ما ضموه إليها من المناكر، بياناً لاستحقاق الذم من وجوه، فأوجب حالهم ظن أنهم وصلوا من الخبث إلى حد لا مطمع في الرجوع عنه مع
صفحة رقم 428
أي أيها المحسن إليّ ﴿انصرني على القوم﴾ أي الذين فيهم من القوة ما لا طاقة لي بهم معه ﴿المفسدين*﴾ بإتيان ما تعلم من القبائح.
ولما كان التقدير: فاستجبنا له فأرسلنا رسلنا بشرى لعمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولإهلاك قوم لوط عليه الصلاة والسلام، تحقيقاً لانتقامنا من المجرمين، وإنعامنا على الصالحين، ولابتلائنا لمن نريد من عبادنا حيث جعلنا النذارة مقارنة للبشارة، عطف عليه قوله: ﴿ولما جاءت﴾ وأسقط «أن» لأنه لم يتصل المقول بأول المجيء بل كان قبله السلام والإضافة؛ وعظم الرسل بقولهك ﴿رسلنا﴾ أي من الملائكة تعظيماً لهم في أنفسهم ولما جاؤوا به ﴿إبراهيم بالبشرى﴾ أي بإسحاق ولداً له، ويعقوب ولداً لإسحاق عليهما الصلاة والسلام.
ولما كان المقام للابتلاء والامتحان، أجمل البشرى، وفصل النذري، فقال: ﴿قالوا﴾ أي الرسل عليهم الصلاة والسلام لإبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد أن بشروه وتوجهوا نحو سدوم، جواباً لسؤاله عن خطبهم، تحقيقاً لأن أهل السيئات مأخوذون، وأكدوا لعلمهم أن الخليل عليه الصلاة والسلام يود أن يهديهم الله على يد ابن أخيه ولا يهلكهم، فقالوا: ﴿إنا مهلكو﴾ وأضافوا تحقيقاً لأن الأمر قد حق وفرغ منه فقالوا: ﴿أهل هذه القرية﴾ ثم عللوا ذلك بقولهم: ﴿إن أهلها﴾ مظهرين غير مضمرين إفهاماً لأن المراد أهلها الأضلاء في ذلك، إخراجاً للوط عليه السلام: ﴿كانوا ظالمين*﴾ أي عريقين في هذا الوصف، فلا حيلة في رجوعهم عنه.
ولما كان السامع بحيث يتشوف إلى معرفة ما كان بعد ذلك، كان كأنه قيل: لم يقنع الخليل عليه السلام لخطر المقام بهذا التلويح، بل ﴿قال﴾ مؤكداً تنبيهاً على جلالة ابن أخيه، وإعلاماً بشدة اهتمامه به، وأنه ليس ممن يستحق الهلاك، ليعلم ما يقولون في حقه، لأن الحال جد، فهو جدير بالاختصار: ﴿إن﴾ وأفهم بقوله: ﴿فيها لوطاً﴾ دون، منهم، أنه نزيل تدرجاً إلى التصريح بالسؤال فيه، وسؤالاً في الدفع عنهم بكونه فيهم، لأنه بعيد عما عللوا به الإهلاك من الظلم، ﴿قالوا﴾ أي الرسل لإبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿نحن أعلم﴾ أي منك ﴿بمن فيها﴾ أي من لوط وغيره.
ولما كان كلامهم محتملاً للأنجاء والإرداء، صرحوا بقولهم على سبيل التأكيد، لأن إنجاءه من بينهم جدير بالاستبعاد: ﴿لننجينه﴾ أي إنجاءاً عظيماً ﴿وأهله﴾ ولما أفهم هذا امرأته استثنوها ليكون ذلك أنص على إنجاء غيرها من جميع أهله فقالوا: ﴿إلا امرأته﴾ فكأنه قيل: فما حالها؟ فقيل: ﴿كانت﴾ أي جبلة وطبعاً ﴿من الغابرين*﴾ أي الباقين في الأرض المدمرة والجماعة الفجرة، ليعم وجهها معهم الغبرة.