آيات من القرآن الكريم

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

وقرأ إبراهيم النخعي وأبو حنيفة رحمهما الله. وإبراهيم، بالرفع على معنى: ومن المرسلين إبراهيم إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعنى: إن كان فيكم علم بما هو خير لكم مما هو شر لكم. أو إن نظرتم بعين الدراية المبصرة دون عين الجهل العمياء: علمتم أنه خير لكم: وقرئ: تخلقون من خلق بمعنى التكثير في خلق. وتخلقون، من تخلق بمعنى تكذب وتخرص. وقرئ: إفكا، فيه وجهان:
أن يكون مصدرا، نحو: كذب ولعب. والإفك: مخفف منه، كالكذب واللعب من أصلهما، وأن يكون صفة على فعل، أى خلقا إفكا، أى ذا إفك وباطل. واختلاقهم الإفك: تسميتهم الأوثان آلهة وشركاء لله أو شفعاء إليه. أو سمى الأصنام: إفكا، وعملهم لها ونحتهم: خلقا للإفك. فإن قلت: لم نكر الرزق ثم عرفه؟ قلت: لأنه أراد لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كله. فإنه هو الرزاق وحده لا يرزق غيره إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وقرئ: بفتح التاء، فاستعدوا للقائه بعبادته والشكر له على أنعمه، وإن تكذبونني فلا تضروننى بتكذيبكم، فإنّ الرسل قبلي قد كذبتهم أممهم، وما ضرّوهم وإنما ضروا أنفسهم، حيث حلّ بهم ما حل بسبب تكذيب الرسل: وأما الرسول فقد تم أمره حين بلغ البلاغ المبين الذي زال معه الشكّ، وهو اقترانه بآيات الله ومعجزاته. أو: وإن كنت مكذبا فيما بينكم فلي في سائر الأنبياء أسوة وسلوة حيث كذبوا، وعلى الرسول أن يبلغ وما عليه أن يصدق ولا يكذب، وهذه الآية والآيات التي بعدها إلى قوله فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ محتملة أن تكون من جملة قول إبراهيم صلوات الله عليه لقومه، وأن تكون آيات وقعت معترضة في شأن رسول الله ﷺ وشأن قريش بين أوّل قصة إبراهيم وآخرها. فإن قلت: إذا كانت من قول إبراهيم فما المراد بالأمم قبله؟ قلت: قوم شيث وإدريس ونوح وغيرهم، وكفى بقوم نوح أمّة في معنى أمم جمة مكذبة، ولقد عاش إدريس ألف سنة في قومه إلى أن رفع إلى السماء. وآمن به ألف إنسان منهم على عدد سنيه، وأعقابهم على التكذيب.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ١٩ الى ٢٢]
أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١٩) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٢٢)

صفحة رقم 447

فإن قلت: فما تصنع بقوله قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ؟ قلت: هي حكاية كلام حكاه إبراهيم عليه السلام لقومه، كما يحكى رسولنا ﷺ كلام الله على هذا المنهاج في أكثر القرآن فإن قلت: فإذا كانت خطابا لقريش فما وجه توسطهما بين طرفى قصة إبراهيم والجملة؟ أو الجمل الاعتراضية لا بد لها من اتصال بما وقعت معترضة فيه؟ ألا تراك لا تقول: مكة- وزيد أبوه قائم- خير بلاد الله؟ قلت: إيراد قصة إبراهيم ليس إلا إرادة للتنفيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تكون مسلاة له ومتفرجا بأنّ أباه إبراهيم خليل الله كان ممنوّا بنحو ما مني «١» به من شرك قومه وعبادتهم الأوثان، فاعترض بقوله: وإن تكذبوا، على معنى إنكم يا معشر قريش إن تكذبوا محمدا فقد كذب إبراهيم قومه وكل أمة نبيها، لأن قوله فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ لا بد من تناوله لأمّة إبراهيم، وهو كما ترى اعتراض واقع «٢» متصل، ثم سائر الآيات الواطئة عقبها من أذيالها وتوابعها، لكونها ناطقة بالتوحيد ودلائله، وهدم الشرك وتوهين قواعده، وصفة قدرة الله وسلطانه، ووضوح حجته وبرهانه. قرئ يَرَوْا بالياء والتاء. ويبدئ ويبدأ. وقوله ثُمَّ يُعِيدُهُ ليس بمعطوف على يبدئ، وليست الرؤية واقعة عليه، وإنما هو إخبار على حياله بالإعادة بعد الموت، كما وقع النظر في قوله تعالى: فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ على البدء دون الإنشاء، ونحوه قولك: ما زلت أوثر فلانا وأستخلفه على من أخلفه «٣». فإن قلت: هو معطوف بحرف العطف، فلا بد له من معطوف عليه، فما هو؟ قلت: هو جملة قوله أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ وكذلك: وأستخلفه، معطوف على جملة قوله: ما زلت أوثر فلانا ذلِكَ يرجع إلى ما يرجع إليه هو في قوله وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ من معنى يعيد. دل بقوله النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ على أنهما نشأتان، وأن كل واحدة منهما إنشاء، أى: ابتداء واختراع، وإخراج من العدم إلى الوجود، لا تفاوت بينهما إلا أن الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله، والأولى ليست كذلك. وقرئ: النشأة والنشاءة، كالرأفة والرآفة. فإن قلت: ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ بعد إضماره في قوله: كيف بدأ الخلق؟

(١). قوله «كان ممنوا بنحو ماضى؟؟؟ به» أى: مبتلى. في الصحاح: منوته ومنيته، إذا ابتليته. (ع)
(٢). قوله «وهو كما ترى اعتراض واقع» لعله: واقع موقعه. (ع)
(٣). قال محمود: «يعيده ليس معطوفا على يبدئ، وإنما هو إخبار على حياله، كما وقع كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ كقولك ما زلت أوثر فلانا وأستخلفه بعدي» قال أحمد، وقد تقدم له عند قوله تعالى أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أنه معطوف، وصحح العطف- وإن كانوا ينكرون الاعادة- لأن الاعتراف بها لازم لهم، وقد أبى هاهنا جعله معطوفا، فالفرق والله أعلم أنه هاهنا لو عطف الاعادة على البداءة لدخلت في الرؤية الماضية، وهي لم تقع بعد، ولا كذلك في آية النمل، ولقائل أن يقول: هي وإن لم تقع، إلا أنها باخبار الله تعالى بوقوعها كالواقعة المرئية، فعوملت معاملة ما رئي وشوهد إلا أن جعله خبرا ثانيا أوضح، والله أعلم.

صفحة رقم 448
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية