﴿إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين﴾ قوله تعالى: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ قال ابن عباس: كان ابن عمه، قاله قتادة: ابن عم موسى أخي أبيه وكان قطع البحر مع بني إسرائيل وكان يسمى: المنور، من حسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري. ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: بغيه عليهم أنه كفر بالله، قاله الضحاك. الثاني: أنه زاد في طول ثيابه شبراً، قاله شهر بن حوشب. الثالث: أنه علا عليهم بكثرة ماله وولده، قاله قتادة. الرابع: أنه صنع بغياً، حين أمر الله موسى برجم الزاني فعمد قارون إلى امرأة بغي فأعطاها مالاً وحملها على أن ادعت عليه أنه زنى بها وقال: فأنت قد زنيت. وحضرت البغي فادّعت ذلك عليه فعظم على موسى ما قالت وأحلفها بالله الذي فلق
صفحة رقم 264
البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلاّ صدقت فقالت: أشهد أنك بريء وأن قارون أعطاني مالاً وحملني على أن قلت وأنت الصادق وقارون الكاذب فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس، قال السدي: وكان اسم البغي شجرتا وبذلك لها قارون ألفي درهم. الخامس: أنه كان غلاماً لفرعون فتعدى على بني إسرائيل وظلمهم، قاله يحيى بن سلام. السادس: أنه نسب ما آتاه الله من الكنوز إلى نفسه بعلمه وحيلته، قاله ابن بحر. ﴿وَءَآتَيْنَهُ مِنَ الْكُنُوزِ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أصاب كنزاً من كنوز يوسف عليه السلام، قاله عطاء. الثاني: أنه كان يعمل الكيمياء، قاله الوليد.
صفحة رقم 265
﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: خزائنه، قاله السدي وأبو رزين. الثاني: أوعيته، قاله الضحاك. الثالث: مفاتيح خزائنه وكانت من جلود يحملها أربعون بغلاً. الرابع: أن مفاتيح الكنوز إحاطة علمه بها، حكاه ابن بحر لقول الله ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٥٩]. ﴿لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لتثقل العصبة، قاله ابن عباس وأبو صالح والسدي. الثاني: لتميل بالعصبة، قاله الربيع بن أنس مأخوذ من النأي وهو البعد قال الشاعر:
| (ينأوْن عنا وما تنأى مودتهم | والقلب فيهم رهين حيثما كانوا) |
| (إنّا وجدنا خلفَاً بئس الخلف | عبداً إذا ما ناء بالحمل خضف) |
﴿إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه قول المؤمنين منهم، قاله السدي. الثاني: قول موسى، قاله يحيى بن سلام. ﴿لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لا تبغ إن الله لا يحب الباغين، قاله مجاهد. الثاني: لا تبخل إن الله لا يحب الباخلين، قاله ابن بحر. الثالث: لا تبطر إن الله لا يحب البطرين، قاله السدي، وقال الشاعر:
| (ولست بمفراحٍ إذا الدهر سَرَّني | ولا جازعٍ من صرفه المتغلب) |
أحدهما: لا عمل فيها بالمعاصي. الثاني: لا تقطع. ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا يحب أعمال المفسدين، قاله ابن عباس. الثاني: لا يقرب المفسدين، قاله ابن قتيبة.
صفحة رقم 268