آيات من القرآن الكريم

۞ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ

وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨)
شرح الكلمات:
إن قارون كان من قوم موسى: أي ابن عم موسى عليه السلام.
فبغى عليهم: أي ظلمهم واستطال عليهم.
ما إن مفاتيحه لتنوء بالعصبة: أي أعطاه الله من المال ما يثقل عن الجماعة حمل مفاتح خزائنه.
لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين: أي لا تفرح فرح البطر والأشر.
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة: أي اطلب في المال الذي أوتيته الدار الآخرة بفعل الخيرات.
على علم عندي: أي لعلم الله تعالى بأني أهل لذلك.
وأكثر جمعا: أي للمال.
ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون: أي لعلم الله تعالى بهم فيدخلون النار بدون حساب.
معنى الآيات:
هذا بداية (١) قصص قارون الباغي، وهو قارون ابن يصهر بن قاهَثْ بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. فهو ابن عم موسى بن عمران وابن خالته أيضاً وكان يلقب المنور لحسن صورته، ونافق كما نافق السامري المطرود. قال تعالى في ذكر خبره ﴿إِنَّ قَارُونَ (٢) كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى﴾ أي إسرائيلي ابن عم موسى بن عمران الرسول. ﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ أي على بني إسرائيل أي ظلمهم وطغى عليهم، ولعل فرعون كان قد أسند إليه إمارة على بني إسرائيل فأطغته وملك أموالاً كثيرة ففرته وألهته. وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ (٣) بِالْعُصْبَةِ (٤) أُولِي الْقُوَّةِ﴾. وهذا الخبر الإلهي دليل على ما كان للطاغية

١ - هذا استئناف ابتدائي لذكر قصة لها مغزاها ونتائجها من الموعظة والذكرى.
٢ - ومغزى هذا القصص أولا: تقرير النبوة المحمدية إذ مثل هذا لا يقصه غير من يوحى إليه بحال. ثانيا: تضمن القصص الرد على المعجبين بالمال ومتاع الحياة الدنيا وبيان نهايتهم المؤلمة، وثالثا: عرض مشابه لموقف أصحاب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أغنياء مكة وهم يتطاولون عليهم بالمال والجاه. كما كان قارون مع ضعفة بني إسرائيل وفي ذلك عظة للمؤمنين وذكرى للكافرين.
٣ - (ما عن مفاتحه) الأكثرون على أن (ما) موصول، وصلتها جملة: (إن مفاتيحه) وأنكر بعض أن تبتدئ الصلة بحرف إنّ فقالوا: (ما) موصوفة وما بعدها في محل الصفة، والمفاتيح: جمع مفتاح بكسر الميم: اسم آلة الفتح.
٤ - (تنوء) من ناء بالشيء ينوء ثقل عليه، والباء: في (بالعصبة) للمصاحبة، وليست للسببية، إذ هي كما في قول امرؤ القيس:
وأردف أعجازا وناء بكلكل.
والعصبة الجماعة من الخمسة إلى العشرة فأكثر.

صفحة رقم 98

قارون من أموال بحيث أن المفاتح تثقل كاهل العصبة أي الجماعة من الرجال لو حملوها كلها وذلك لثقلها. وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ﴾ أي من بني إسرائيل واعظين له مذكرين ﴿لا تَفْرَحْ﴾ أي بأموالك فرح الأشر البطر. ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ أي الأشرين البطرين الذين يختالون ويتفاخرون ويتكبرون. ﴿وَابْتَغِ﴾ اطلب ﴿فِيمَا آتَاكَ اللهُ﴾ من أموال ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ بأن تصدَّقْ منها وأنفقْ في سبيل الله كبناء مسجد أو مدرسة أو ميتم أو ملجأ إلى غير ذلك من أوجه البر والإحسان. ﴿وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ (١) مِنَ الدُّنْيَا﴾ فكل واشرب والبس واركب واسكن ولكن في غير إسراف ولا مخيلة، ﴿وَأَحْسِنْ﴾ عبادة الله تعالى وطاعته وأحسن إلى عباده بالقول والعمل ﴿كَمَا أَحْسَنَ﴾ أي الله تعالى إليك ﴿وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي (٢) الْأَرْضِ﴾ بترك الفرائض وارتكاب المحرمات. ﴿إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ ومن لم يحبه الله أبغضه ومن أبغضه عذبه في الدنيا والآخرة فبعد هذه الموعظة من قومه الصالحين أهل العلم والبصيرة ردّ هذا الطاغية قارون بما أخبر به تعالى عنه في قوله في الآية (٧٨) ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ أي لا تهددوني ولا تخوفوني بسلب مالي عني إن أنا لم أحْسن فإن هذا المال قد ﴿أُوتِيتُهُ﴾ أي آتانيه الله على علم منه (٣) بأني أهل له ولذا أعطاني وزاد عطائي وأكثره قال تعالى في الردّ عليه في زعمه هذا ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ﴾ أي أيقول ما يقول من الزعم الكاذب ولم ﴿يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً﴾، كعاد وثمود وقوم إبراهيم فلو كان كثرة المال دليلا على حب الله ورضاه عن أهله، ما أهلك عاداً وثمود وقوم نوح من قبل وكانوا أشد قوة وأكثر مالا ورجالاً وقوله تعالى: ﴿وَلا يُسْأَلُ (٤) عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ أي إذا أكثر العبد من الإجرام بالشرك والمعاصي حق عليه كلمة العذاب وآن أوان عذابه لا يسأل عن ذنوبه بل يؤخذ فجأة كما أن هؤلاء المجرمين سيدخلون النار بغير حساب فلا يسألون ولا يحاسبون. قال تعالى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ (٥) فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ أي ويرمون في جهنم ويقال لهم: ﴿هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ (٦).

١ - أشار ابن عمر إلى هذا القول في قوله: احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. ومن تأولها بالعمل للآخرة فقط شاهده قول الشاعر:
مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط
٢ - الفساد في الأرض يكون بفعل المعاصي الجامعة لترك الفرائض وإتيان الكبائر.
٣ - وقال ابن زيد: لعلم الله تعالى بفضلي ورضاه عني أي: إني أوتيتها باستحقاقي.
٤ - أي: لا يسأل سؤال استعتاب ليتوب أما سؤال التقريع والتوبيخ فلا مانع منه، وذلك كقوله تعالى: (ولا يستعتبون) وقوله (وما هم بمعتبين).
٥ - (سيماهم) إنهم سود الوجوه زرق العيون.
٦ - المجرمون: هم الذين أجرموا على أنفسهم أي: خبّثوها بكثرة ما يرتكبون من الجرائم كالكفر والظلم وكبائر الذنوب، كالقتل ظلماً وأكل الربا وتعاطي الخمور والزنى.

صفحة رقم 99

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- المال والمنصب العالي عرضة لإفساد المرء إلا من رحم الله عز وجل وقليل ما هم.
٢- حرمة الفرح بالمال والإمارة إذا كان الفرح فرح بطر وفخر واعتزاز وكبر وخيلاء.
٣- من فضل الله على الأمة أن يوجد فيها عالمون ينصحون ويرشدون ويوجهون.
٤- من الحزم للمرء أن يطلب من المال والجاه والمنصب أعلى الدرجات في الجنة.
٥- حلّية الأكل من الطيب والشرب من الطيب واللبس والركوب والسكن من غير إسراف ولا خيلاء ولا كبر.
٦- العافية والمال وعز السلطان يصاب صاحبها بالاغترار إلا من رحم الله.
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩)
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢)

صفحة رقم 100
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية