آيات من القرآن الكريم

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ

إيجاده تعالى بتقليب الليل والنهار، وأنه لو مد أحدهما سَرْمَداً لما وجد من يأتي بالآخر، و «السرمد» من الأشياء الدائم الذي لا ينقطع، وقرأت فرقة هي الجمهور «بضياء» بالياء، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل «بضئاء» بهمزتين وضعفه أبو علي، ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله وَلَعَلَّكُمْ أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولا بد.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)
التقدير «واذكر يوم يناديهم» وكرر هذا المعنى إبلاغا وتحذيرا وهذا النداء هو عند ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين ومن خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار فَيَقُولُ الله تعالى لهم: أَيْنَ شُرَكائِيَ على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب «الشهيد» النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولا من الأمم وخيارا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، و «الشهيد» على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة هاتُوا بُرْهانَكُمْ على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون أَنَّ الْحَقَّ متوجه لِلَّهِ عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)

صفحة رقم 297

قارُونَ اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف واختلف الناس في قرابة قارُونَ من مُوسى عليه السلام فقال ابن إسحاق هو عمه، وقال ابن جريج وإبراهيم النخعي هو ابن عمه لحّا، وهذا أشهر، وقيل هو ابن خالته، وهو بإجماع رجل من بني إسرائيل كان ممن آمن بموسى وحفظ التوراة وكان من أقرأ الناس لها، وكان عند موسى من عباد المؤمنين ثم إنه لحقه الزهو والإعجاب فبغى على قومه بأنواع من البغي من ذلك كفره بموسى واستخفافه به ومطالبته له فيما قال ابن عباس بأنه عمد إلى امرأة مومسة ذات جمال وقال لها أنا أحسن إليك وأخلطك بأهلي على أن تجيئي في ملإ بني إسرائيل عندي فتقولي يا قارون اكفني أمر موسى فإنه يعترضني في نفسي، فجاءت المرأة فلما وقفت على الملإ أحدث الله تعالى لها توبة، فقالت يا بني إسرائيل إن قارون قال لي كذا وكذا، ففضحته في جميع القصة، وبرأ الله تعالى موسى من مطالبته، وقيل بل قالت المرأة ذلك عن موسى فلما بلغه الخبر وقف المرأة بمحضر ملإ من بني إسرائيل فقالت يا نبي الله كذبت عليك وإنما دعاني قارون إلى هذه المقالة وكان من بغيه أنه زاد في ثيابه شبرا على ثياب الناس، قاله شهر بن حوشب، إلى غير ذلك مما يصدر عمن فسد اعتقاده، وكان من أعظم الناس مالا وسميت أمواله «كنوزا» إذ كان ممتنعا من أداء الزكاة وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته، و «المفاتح» ظاهرها أنها التي يفتح بها ويحتمل أن يريد بها الخزائن والأوعية الكبار، قاله الضحاك لأن المفتح في كلام العرب الخزانة.
قال القاضي أبو محمد: وأكثر المفسرون في شأن قارُونَ فروي عن خيثمة أنه قال: نجد في الإنجيل مكتوبا أن مفاتيح قارون كانت من جلود الإبل وكان المفتاح من نصف شبر وكانت وقر ستين بعيرا أو بغلا لكل مفتاح كنز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي غير هذا مما يقرب منه ذلك كله ضعيف والنظر يشهد بفساد هذا ومن كان الذي يميز بعضها عن بعض وما الداعي إلى هذا وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر وعلى حصره بسهولة وكان يلزم على هذا المعنى أن تكون «مفاتيح» بياء وهي قراءة الأعمش والذي يشبه إنما هو أن تكون «المفاتيح» من الحديد ونحوه وعلى هذا «تنوء بِالْعُصْبَةِ» إذا كانت كثيرة لكثرة مخازنه وافتراقها من المواضع أو تكون «المفاتيح» الخزائن، قال أبو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا وأما قوله «تنوء» فمعناه تنهض بتحامل واشتداد ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]

ينؤن ولم يكسبن إلا قنازعا من الريش تنواء النعاج الهزائل
ومنه قول الآخر يصف راميا: [الرجز]
حتى إذا ما اعتدلت مفاصله وناء في شق الشمال كاهله
والوجه أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح المثقلة لها وكذلك قال كثير من المتأولين المراد هذا لكنه

صفحة رقم 298

قلب كما تفعل العرب كثيرا، فمن ذلك قول الشاعر: [الوافر]

فديت بنفسه نفسي ومالي وما آلوك إلا ما أطيق
ومن ذلك قول الآخر [خداش بن زهير] :[الطويل]
وتركب خيل لا هوادة بينها وتشفي الرماح بالضياطرة الحمر
وهذا البيت لا حجة فيه إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر:
فما كنت في الحرب العوان مغمزا إذا شب حر وقودها أجدالها
وقال سيبويه والخليل التقدير «لتنيء العصبة» فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر كما تقول ناء الحمل وأنأته ونؤت به، بمعنى جعلته ينوء والعرب تقول ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يسند «تنوء» إلى المفاتح مجازا لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في «العصبة» كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملا، وقيل أحد عشر حملا على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة «لينوء» بالياء ووجهها أبو الفتح على أنه يقرأ «مفاتحه» جمعا وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ «ما إن مفتاحه» على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ، متعلق بقوله فَبَغى، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، و «الفرح» هو الذي تخلق دائما بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى ويقدم لآخرته، وقوله تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور: معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملا صالحا في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه ولا تضيع أيضا حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن: معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ونحو هذا قول الشاعر: [الطويل]

صفحة رقم 299
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط