
الأوقات ظروف لما يحصل فيها من الأفعال والأحوال فالظروف من الزمان متجانسة، وإنما الاختلاف راجع إلى أعيان ما يحصل فيها فليالى أهل الوصال سادات الليالى، وليالى أهل الفراق أسوأ الليالى فأهل القرب لياليهم قصار وكذلك أيامهم، وأرباب الفراق لياليهم طوال وكذلك جميع أوقاتهم في ليلهم ونهارهم، يقول قائلهم:
والليالى إذا نأيت طوال | وأراها إذا دنوت قصار |
والليل أطول وقت حين أفقدها | والليل أقصر وقت حين ألقاها |
يطول اليوم لا ألقاك فيه | وحول نلتقى فيه- قصير |
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)
كلا.. لا حجّة لهم، ولا جواب يعذرهم، ولا شفيع يرحمهم، ولا ناصر يعينهم.
اشتهرت ضلالتهم، واتضحت للكافة جهالتهم فدام بهم عذاب الأبد، وحاق بهم وبال السّرمد.
قوله جل ذكره:
[سورة القصص (٢٨) : آية ٧٦]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦)
جاء في القصص أنه كان ابن عمّ موسى، وكان من أعبد بنى إسرائيل، وكان قد اعتزل الناس، وانفرد في صومعته يتعبّد، فتصوّر له إبليس في صورة بشر، وأخذ في الظاهر يتعبّد معه في صومعته حتى تعجّب قارون من كثرة عبادته، فقال له يوما: لسنا في شىء عيوننا صفحة رقم 79

على أيدى الناس حتى يدفعوا إلينا شيئا هو ضرورتنا، ولا بدّ لنا من أخذه، فقال له قارون:
وكيف يجب أن نفعله؟
فقال له: أن ندخل في الأسبوع يوما السوق، ونكتسب، وننفق ذلك القدر في الأسبوع، فأجابه إليه. فكانا يحضران السوق في الأسبوع يوما، ثم قال له: لست أنا وأنت فى شىء، فقال: وما الذي يجب أن نعمله؟
فقال له: نكتسب في الأسبوع يوما لأنفسنا، ويوما نكتسب ونتصدّق به، فأجابه إليه.
ثم قال له يوما آخر: لسنا في شىء، فقال: وما ذاك؟
قال: إن مرضنا أو وقع لنا شغل لا نملك قوت يوم، فقال: وما نفعل؟
قال: نكتسب في الأسبوع ثلاثة أيام يوما للنفقة ويوما للصدقة ويوما للادخار، فأجابه إليه.. فلمّا علم أن حبّ الدنيا استمكن من قلبه ودّعه، وقال:
إنّى مفارقك.. فدم على ما أنت عليه، فصار من أمره وماله ما صار، وحمله حبّ الدنيا على جمعها، وحمله جمعها على حبّها، وحمله حبّها على البنى عليهم، وصارت كثرة ماله سبب هلاكه، وكم وعظ بترك الفرح بوجود الدنيا، وبترك الاستمتاع بها! وكان لا يأبى إلّا ضلالا.
ويقال خسف الله به الأرض بدعاء موسى عليه السلام، فقد كان موسى يقول:
يا أرض خذيه.. وبينما كانت الأرض تخسف به كان يستعين بموسى بحقّ القرابة، ولكن موسى كان يقول: يا أرض خذيه.
وفيما أوحى الله إلى موسى: لقد ناداك بحقّ القرابة وأنت تقول: يا أرض خذيه! وأنا أقول: يا عبد، نادنى فأنا أقرب منه إليك، ولكنه لم يقل.
وفي القصة أنه كان يخسف به كل يوم بزيادة معلومة، فلمّا حبس الله يونس في بطن الحوت أمر الحوت أن يطوف به في البحار لئلا يضيق قلب يونس، حتى انتهى إلى قارون، فسأله قارون عن موسى وحاله، فأوحى الله إلى الملك: