وهل يعقل التسوية بين الموعود وعدا حسنا وهو الجنة وما فيها من الثواب والممتع بمتاع الدنيا، أي الذي أعطي منها بعض ما أراد، ثم يوم القيامة كان من المحضرين في النار. قال القشيري: والصحيح أنها نزلت في المؤمن والكافر على التعميم. وقال الثعلبي: وبالجملة، فإنها نزلت في كل كافر متّع في الدنيا بالعافية والغنى، وله في الآخرة النار، وفي كل مؤمن صبر على بلاء الدنيا ثقة بوعد الله، وله في الآخرة الجنة.
والخلاصة: تترجح منافع الآخرة على منافع الدنيا بأمرين: الدوام والبقاء، وعدم العقاب، أما منافع الدنيا فهي إلى انقطاع وفناء، ويحصل بعدها العقاب الدائم إذا لم تقترن بطاعة الله.
٥- دل قوله سبحانه: أَفَلا تَعْقِلُونَ على أن من لا يرجح منافع الآخرة على منافع الدنيا، كان خارجا عن حد العقل السليم.
واستدل الشافعي رحمه الله بهذا القول على أن من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس، صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله تعالى لأن أعقل الناس من أعطى القليل، وأخذ الكثير، وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى.
تقريع المشركين يوم القيامة بأسئلة ثلاثة
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٧]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦)
فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧)
الإعراب::
كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ حذف مفعولا الفعل: تَزْعُمُونَ، أي تزعمونهم شركائي.
هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا هؤُلاءِ مبتدأ، والَّذِينَ أَغْوَيْنا خبر المبتدأ الثاني، أي:
هؤلاء هم الذين أغوينا.
ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ كَما: إما نافية، وإما مصدرية، أي تبرأنا إليك من عبادتهم إيانا، والوجه الأول أوجه.
البلاغة:
أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟ استفهام على سبيل التهكم والسخرية.
أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تشبيه مرسل.
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ فيه استعارة تصريحية تبعية، وقلب، وتضمين، أستعير العمى لعدم الاهتداء، فهم لا يهتدون للأنباء، ثم قلب للمبالغة فجعل الأنباء لا تهتدي إليهم، وأصله: فعموا عن الأنباء، وضمّن معنى الخفاء فعدي ب (على).
المفردات اللغوية:
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ منصوب بفعل محذوف: اذكر، أو معطوف على: يوم القيامة في الآية السابقة (٦١). كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي الذين كنتم تزعمونهم شركائي، فحذف المفعولان لدلالة الكلام عليهما. حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وجب وثبت مقتضى القول وحصل مؤداه، وهو قوله تعالى:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة ٣٢/ ١٣] وغيره من آيات الوعيد، أي ثبت القول عليهم بدخول النار، وهم رؤساء الضلالة.
هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا قال صاحب الكشاف: هؤُلاءِ مبتدأ، والَّذِينَ أَغْوَيْنا أي أضللنا: صفة المبتدأ، وأَغْوَيْناهُمْ الخبر، وكاف كَما صفة مصدر محذوف تقديره: أغويناهم، فغووا غيا، مثل ما غوينا، يعنون أنا لم نغو إلا باختيارنا، ولم نكرههم على الغي لأن إغواءنا لهم لم يكن إلا وسوسة وتسويلا، لا قسرا وإلجاء، فلا فرق إذن بين
غينا وغيهم، وإن كان تسويلنا داعيا لهم إلى الكفر، والغواية: الضلال. تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ منهم أي من عبادتهم إيانا. ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ كَما نافية، أي ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم.
ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي الأصنام الذين تزعمون أنهم شركاء الله. فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي فلم يجيبوا دعاءهم، لعجزهم عن الإجابة والنصرة. وَرَأَوُا الْعَذابَ أبصروه هم. لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ في الدنيا، لما رأوه في الآخرة.
فَعَمِيَتْ خفيت. الْأَنْباءُ الأخبار والحجج التي تنجيهم. يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة، لم يجدوا خبرا لهم فيه نجاة، أي فصارت الأنباء كالعمى عليهم لا تهتدي إليهم، وأصله:
فعموا عن الأنباء، لكنه عكس مبالغة ودلالة على أن ما يحضر الذهن إنما يأتي من خارج. فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ لا يسأل بعضهم بعضا عن الجواب لفرط الدهشة.
فَأَمَّا مَنْ تابَ من الشرك. وَآمَنَ صدق بتوحيد الله. وَعَمِلَ صالِحاً أدى الفرائض، وجمع بين الإيمان والعمل الصالح. مِنَ الْمُفْلِحِينَ الناجحين عند الله، وعسى: تحقيق على عادة الكرام، أو ترج من التائب بمعنى فليتوقع أن يفلح.
المناسبة:
بعد بيان كون التمتع في الدنيا بزخارفها دون طاعة الله وشكره على نعمه سببا في عذاب الكافر يوم القيامة، أبان الله تعالى حالة الإهانة والتقريع للمشركين أو الكافرين حين يسألهم الله تعالى يوم القيامة ثلاثة أسئلة يحارون في الجواب عنها، وهي السؤال عن آلهتهم التي عبدوها في الدنيا، وعن دعوتهم لها، وعما أجابوا به الرسل الذين دعوهم إلى الإيمان بربهم.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عما يوبخ به الكفار المشركين يوم القيامة بحيث يناديهم ويسألهم عن ثلاثة أشياء:
الأول- السؤال عن نصرة الآلهة المزعومة: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي واذكر أيها الرسول يوم ينادي الحق تعالى
هؤلاء المشركين، فيقول لهم: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدنيا من الملائكة والجن والكواكب والأصنام والأنداد والأشخاص، وتزعمون أنهم شركائي، هل يشفعون لكم، وهل ينصرونكم أو ينتصرون؟ والمقصود من السؤال الإهانة والتحقير، والتقريع والتنديد، فلا جواب لديهم لأنهم عرفوا يوم القيامة بطلان ما كانوا عليه، وأدركوا صحة التوحيد والنبوة بالضرورة.
ونظير الآية: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام ٦/ ٩٤].
ثم ذكر جواب أئمة الضلال ودعاة الكفر، فقال:
قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا، تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ أي قال رؤساء الضلال والدعاة إلى الكفر الذين ثبت عليهم مقتضى القول وتحقق فيهم مؤداه ولزمهم الوعيد، بقوله تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [السجدة ٣٢/ ١٣] : ربنا هؤلاء الأتباع الذين آثروا الكفر على الإيمان كان غيهم باختيارهم، كما أن غينا باختيارنا، فإن إغواءنا وإضلالنا لهم ما ألجأهم إلى الغواية والضلال قسرا وإكراها، بل كانوا مختارين حين أقدموا على تلك العقائد والأعمال. والمراد أن تبعة غيهم عليهم لا علينا.
ونحن نتبرأ إليك منهم، ومن عقائدهم وأعمالهم، ومما اختاروه من الكفر والعصيان، وهم في الحقيقة ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم، ويطيعون شياطينهم، فالمعبودون شهدوا أنهم أغووا الأتباع فاتبعوهم، ثم تبرؤوا من عبادتهم.
وذلك كما قال تعالى في آية أخرى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ
عِزًّا، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ، وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا
[مريم ١٩/ ٨١- ٨٢] وقال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ. وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً، وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ [الأحقاف ٤٦/ ٥- ٦] وقال عز وجل: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، وَرَأَوُا الْعَذابَ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ [البقرة ٢/ ١٦٦].
السؤال الثاني- السؤال عن جواب الآلهة لدفع العذاب: وَقِيلَ: ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ، فَدَعَوْهُمْ، فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَرَأَوُا الْعَذابَ، لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ أي وقيل للمشركين بالله: ادعوا شركاءكم آلهتكم ليخلصوكم مما أنتم فيه كما كنتم ترجون في الدار الدنيا، فدعوهم لفرط الحيرة والدهشة، فلم يجيبوهم عجزا منهم عن الجواب، وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة، وودّوا حين عاينوا العذاب عن الجواب، وتيقنوا أنهم صائرون إلى النار لا محالة، وودّوا حين عاينوا العذاب المحدق بهم لو أنهم كانوا من المهتدين المؤمنين في الدنيا. وعلى هذا جواب لَوْ محذوف، أي ودوا حين رأوا العذاب لو كانوا في الدنيا يهتدون.
ونظير الآية: وَيَوْمَ يَقُولُ: نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ، فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ، وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً. وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها، وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً [الكهف ١٨/ ٥٢- ٥٣].
والقصد من هذا السؤال التوبيخ والتقريع وكشفهم أمام الناس، بدعائهم من لا نفع له ولا فائدة ترتجى منه، فهم لو دعوهم لم يوجد منهم إجابة في النصرة، وأن العذاب مقرر لهم ثابت عليهم. وفي ذلك ردع وزجر عن الشرك وخرافاته في الدنيا.
السؤال الثالث- السؤال عن التوحيد وإجابة الأنبياء: وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ: ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟ أي واذكر يوم ينادي الله تعالى المشركين لمعرفة جوابهم للمرسلين إليهم، وكيف كان حالهم معهم، وعن التوحيد الذي دعوا
إليه، وهذا كما يسأل العبد في قبره: من ربّك، ومن نبيك، وما دينك؟ فأما المؤمن فيشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأما الكافر فيقول: هاه هاه لا أدري، فلا جواب له يوم القيامة غير السكوت. وفي هذا إثبات النبوات، وإعلان التوحيد، والبراءة عن الآلهة المزعومة من أصنام وغيرها.
فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ، فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ أي فخفيت عليهم الحجج، وعموا عن أوجه الدفاع عن أنفسهم يوم القيامة، ولم يجدوا بدا من السكوت، ولا يسأل بعضهم بعضا كما يسأل الناس في المشكلات، لما اعتراهم من الدهشة والذهول، ولتساوي الناس جميعا في عمى الأنباء عنهم والعجز عن الجواب، حتى الأنبياء، كما قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ، فَيَقُولُ: ماذا أُجِبْتُمْ، قالُوا: لا عِلْمَ لَنا، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة ٥/ ١٠٩] فما ظنك بهؤلاء الضلال؟! وسميت حججهم أنباء (أخبارا) لأنها أخبار يخبرونها.
وبعد بيان الصورة القاتمة لحال هؤلاء المشركين وتوبيخهم، ذكر الله تعالى حال التائبين ترغيبا في التوبة والبراءة عن الكفر، فقال:
فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً، فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ أي فأما الذين تابوا من المشركين، وصدقوا بالله وتوحيده، وأخلصوا العبادة له، وآمنوا بنبيه محمد صلّى الله عليه وسلم، وعملوا الأعمال الصالحة في الدنيا من فرائض وغيرها، فهم ناجون فائزون برضوان الله ونعيمه في الجنة يوم القيامة. وعسى من الله على سبيل التحقق، فإن هذا واقع بفضل الله ومنته لا محالة، وأما من العبد فتوقع وترج أن يفلح ويفوز بما طلب.
فقه الحياة أو الأحكام:
تضمنت الآيات تنبيها وإنذارا مسبقا، وتوبيخا، وزجرا عن الكفر، كي يتدارك الإنسان أمره في الدنيا، كيلا يفاجأ بالمصير المشؤوم يوم القيامة.
وفيها تفنيد لمزاعم الكفار في شفاعة الآلهة المختلقة، ونصرتها لعابديها في عالم الحساب في الآخرة.
ففي التساؤل الأول تتبدد الآمال، وتزول الرجاءات، وتنقطع الأطماع، فلا يجد العابدون فائدة في نصرة الشركاء وشفاعتهم لهم، ويتبرأ بعضهم من بعض، فالشياطين يتبرءون ممن أطاعهم، والرؤساء يتبرءون ممن قبل منهم، وتقع الكارثة، ويبهت المجرمون الكافرون، كما قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف ٤٣/ ٦٧].
وفي التساؤل الثاني تشتد الحيرة وتسيطر الدهشة، فيستغيث الكفار بآلهتهم التي عبدوها في الدنيا لتنصرهم وتدفع عنهم عذاب يوم القيامة، فلا يجدون جوابا لاستغاثتهم، ولا صدى لدعائهم، ولا ينتفعون أصلا بهم، وودّوا حين رأوا العذاب محدقا بهم لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا إلى الإيمان بالله تعالى والعمل بكتابه وبما جاء به رسوله.
وفي التساؤل الثالث وهو الأمر الحاسم يطلب منهم الجواب عما أجابوا به رسل الله وأنبياءه الكرام لما بلغوهم رسالات ربهم، ولكنهم يسكتون بسبب الحيرة والهول واستيلاء الدهشة عن الجواب، وتخفى عليهم الحجج، فلا يجدون حجة لهم يوم القيامة، ولا يتمكنون من سؤال بعضهم بعضا عن الحجج لأن الله تعالى أدحض حججهم، وأخرس ألسنتهم، إذ كل ما يقولونه باطل محض لا خير فيه.
وفي هذا إثبات التوحيد والنبوة.
وأمام هذه الصورة الكئيبة والحالة المفجعة، فتح الله أمام أولئك المشركين والكفار باب الأمل بالفوز والفلاح وإحراز السعادة، وهو باب التوبة، وطريق أهل الحق والإيمان، وحكم سبحانه أنه بالرغم من سوء حال المشركين الماضية في الدنيا لو تابوا من الشرك، وصدقوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر،