آيات من القرآن الكريم

وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (٥٩)
شرح الكلمات:
إنك لاتهدي من أحببت: أي هدايته كأبي طالب بأن يسلم ويحسن إسلامه.
وقالوا: أي مشركوا قريش.
إن نتبع الهدى معك: أي إن نتبعك على ما جئت به وندعوا إليه وهو الإسلام.
نتخطف من أرضنا: أي تتجرأ علينا قبائل العرب ويأخذوننا.
يجبى إليه ثمرات كل شيء: أي يحمل ويساق إليه ثمارت كل شيء من كل ناحية.
رزقا من لدنا: أي رزقاً لكم من عندنا يا أهل الحرم بمكة.
بطرت معيشتها: أي كفرت نعمة الله عليها فأسرفت في الذنوب وطغت في المعاصي.
يبعث في أمها رسولا: أي في أعظم مدنها. وهي العاصمة.
إلا وأهلها ظالمون: بالتكذيب للرسول والإصرار على الشرك والمعاصي.
معنى الآيات:
قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لا... بِالْمُهْتَدِينَ﴾ هذه الآية نزلت في شأن (١) أبي طالب عم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في إسلامه لما له من سالفة في الوقوف إلى جنب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحيمه ويدافع عنه فلما حضرته الوفاة زاره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرض عليه الشهادتين فكان يقول له: ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة وكان حوله عواده من كفار قريش، ومشايخها فكانوا ينهونه عن ذلك حتى قالوا له: أترغب عن دين آبائك؟ أترغب عن ملة عبد المطلب أبيك حتى قال هو على ملة عبد المطلب ومات. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأستغفرن لك مالم أُنْهَ عن ذلك فنهاه الله فلم يستغفر له بعد ونزلت هذه الآية كالعزاء له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ هدايته يا نبينا ﴿وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ هدايته لعلمه أنه يطلب الهداية ولا يرغب عنها كما رغب عنها أبو طالب وأبو لهب وغيرهما،

١- روى البخاري سبب نزول هذه الآية وأنها نزلت في أبي طالب عم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

صفحة رقم 85

﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أي بالذين سبق في علمه تعالى أنهم يهتدون.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ هذا اعتذار اعتذر به بعض رجالات (١) قريش فقالوا نحن نعرف أن ما جئت به حق ولكننا نخشى إن آمنا بك واتبعناك يتألب علينا العرب ويرموننا عن قوس واحد ونصبح نتخطف من قبل المغيرين كما هو حاصل لغيرنا، وبذلك نحرم هذا الأمن والرخاء وتسوء أحوالنا، لهذا نعتذر عن متابعتك فيما جئت به وأنت تدعوا إليه من الكفر بآلهتنا وهدمها والتخلي عنها. فقال تعالى في الرد على هذا الاعتذار الساقط البارد ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ (٢) لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى (٣) إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا﴾ أي لم يوطئ لهم أرض بلد حرمناه فلا يسفك فيه دم، ولا يصاد فيه صيد، ولا يؤخذ فيه أحد بجريرة، أليس هذا كافياً في أن يعلموا أن الذي جعل لهم حرما آمنا قادر على أن يؤمنهم إذا آمنوا وأسلموا، ومن باب أولى. ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤) ﴾ فهذه علة إصرارهم على الشرك والكفر. إنها الجهل بالله تعالى وعظمته وعلمه وحكمته. ومعنى يجبى أو تجبى إليه ثمرات كل شيء أي يحمل إليه ويساق من أنحاء البلاد ثمرات كل شيء من أنواع الأرزاق وكان ذلك رزقا منه تعالى لأهل الحرم. أفلا يشكرون.
وقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ أي وكثيرا من أهل القرى أهلكناهم ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا (٥) ﴾ لما بطروا عيشهم فلم يشكروا نعمة الله عليهم فأسرفوا في الظلم والمعاصي فأهلكناهم ﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ﴾ أي ديارهم ﴿لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً﴾ (٦) كديار عاد وثمود والمؤتفكات. ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ لها، فلم نورثها غيرهم وتركناها خاوية خالية لم تسكن. أما يذكرون هذا فيعلموا بذلك قدرتنا فيتقوا فينا ويتوكلوا علينا ويؤمنوا ويوحدوا ويستقيموا على منهج الحق الذي جئت يا رسولنا به.
وقوله: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ﴾ يا أيها الرسول ﴿مُهْلِكَ الْقُرَى﴾ أي أهل المدن والحواضر ﴿حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً﴾ كما بعثك في أم القرى مكة ﴿يَتْلُو (٧) عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ أي لم يكن

١- من القائلين هذا القول من قريش الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف القرشي وكان ها القول من تعللاتهم فأجاب تعالى عما اعتل به هؤلاء فقال: (أو لم نمكن لهم حرما آمناً..) الخ.
٢- الاستفهام للإنكار عليهم أن يكون الله تعالى لم يمّكن لهم حرماً آمناً.
٣- قرأ نافع تجبى بالتاء، وقرأ حفص بالياء، والجبي: الجمع، والجلب، ومنه جباية الزكاة أي جمع أموالها، وجابية الحوض ما يجمع فيها الماء من البئر.
٤- هذا الاستدراك لذكر علة تجاهلهم حماية الله تعالى لهم بتمكين الحرم لهم فهم فيه آمنون مطعمون ألا وهي الجهل فهو علتهم الحاملة لهم على الإصرار على الشرك.
٥- بطرت: جهلت شكر معيشتها.
٦ - (إلا قليلا) أي: كالمسافرين الذين يمرون بها وينزلون بها ساعا ويغادرون.
٧- الجملة في محل نصب صفة لـ (رسولا).

صفحة رقم 86

من سنة الله تعالى هذا بل لا يهلك أمة حتى يبعث في أم بلادها رسولاً يتلو عليهم آيات الله المبينة للحق من الباطل والخير من الشر وجزاء ذلك وقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا (١) ظَالِمُونَ﴾ أي ولم يكن من سنة الله تعالى في عباده أن يهلك القرى إلا بعد ظلم أهلها.
فللإهلاك شرطان:
الأول: أن يبعث الرسول يتلو آياته فيكذب ويكفر به وبما جاء به.
الثاني: أن يظلم أهل القرى ويعتدوا وذلك بإظهار الباطل والمنكر وإشاعة الشر والفساد في البلاد وهذا من عدل الله تعالى ورحمته بعباده إنه لأرحم بهم من أنفسهم، وكيف ومن أسمائه وصفاته الرحمن الرحيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تقرير مبدأ لا هادي إلا الله. الهداية المنفية هي إنارة قلب العبد وتوفيق العبد للإيمان وعمل الصالحات، وترك الشرك والمعاصي. والهداية المثبة، يقول الله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم. تلك هداية الدعوة والوعظ والإرشاد، ومنه ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ أي يدعوهم إلى الهدى.
٢- مظاهر قدرة الله وعلمه ورحمته وحكمته فيما ألقاه في قلوب العرب المشركين الجاهليين من تعظيم الحرم وأهله ليهيء بذلك لسكان حرمه أمنا وعيشاً كما قال تعالى ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ قريش (٢-٤).
٣- من رحمة الله وعدله أن لا يهلك أمة من الأمم إلا إذا توفر لهلاكها شرطان:
١- أن يبعث فيهم رسولا يتلو عليهم آيات الله تحمل الهدى والنور.
٢- أن يظلم أهلها بالتكذيب للرسول والكفر بما جاء به والإصرار على الكفر والمعاصي.
٤- التاريخ يعيد نفسه كما يقولون فما اعتذر به المشركون عن قبول الإسلام بحجة تألب العرب عليهم وتعطيل تجارتهم يعتذر به اليوم كثير من المسؤولين فعطلوا الحدود وجاروا الغرب في فصل الدين عن الدولة وأباحوا كبائر الاثم كالربا وشرب الخمور وترك الصلاة حتى لا يقال عنهم إنهم رجعيون متزمتون فيمنعوهم المعونات ويحاصرونهم اقتصاديا.

١- أي: إلا بعد أن ظلموا بالشرك والمعاصي بارتكاب عظائم الذنوب وكبائر الآثام، وذلك لتنزه الرب تبارك وتعالى عن الظلم.

صفحة رقم 87
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية