آيات من القرآن الكريم

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ

[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٣]

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)
النوع الرَّابِعُ- مَا يَتَعَلَّقُ أَيْضًا بِاحْتِيَاجِ الْخَلْقِ ولكنه حاجة خاصة في وقت خاص اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى نَبَّهَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ وَالْمُرَادُ يَهْدِيكُمْ بِالنُّجُومِ فِي السَّمَاءِ وَالْعَلَامَاتِ فِي الْأَرْضِ إِذَا جَنَّ اللَّيْلُ عَلَيْكُمْ مُسَافِرِينَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ ثُمَّ تَسُوقُهُ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُحَرِّكُ الرِّيَاحَ، فَإِنَّ الْفَلَاسِفَةَ قَالَتْ الرِّيَاحُ إِنَّمَا تَتَوَلَّدُ عَنِ الدُّخَانِ وَلَيْسَ الدُّخَانُ كُلُّهُ هُوَ الْجِسْمَ الْأَسْوَدَ الْمُرْتَفِعَ مِمَّا احْتَرَقَ بِالنَّارِ، بَلْ كُلُّ جِسْمٍ أَرْضِيٍّ يَرْتَفِعُ بِتَصْعِيدِ الْحَرَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْحَرَارَةُ حَرَارَةَ النَّارِ أَوْ حَرَارَةَ الشَّمْسِ فَهُوَ دُخَانٌ قَالُوا وَتَوَلُّدُ الرِّيَاحِ مِنَ الْأَدْخِنَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْثَرِيٌّ، وَالْآخَرُ أَقَلِّيٌّ، أَمَّا الْأَكْثَرِيُّ فَهُوَ أَنَّهُ إِذَا صَعِدَتْ أَدْخِنَةٌ كَثِيرَةٌ إِلَى فَوْقَ فَعِنْدَ وُصُولِهَا إِلَى الطَّبَقَةِ الْبَارِدَةِ إِمَّا أَنْ يَنْكَسِرَ حَرُّهَا بِبَرْدِ ذَلِكَ الْهَوَاءِ أَوْ لَا يَنْكَسِرُ فَإِنِ انْكَسَرَ فَلَا مَحَالَةَ يَثْقُلُ وَيَنْزِلُ فَيَحْصُلُ مِنْ نُزُولِهَا تَمَوُّجُ الْهَوَاءِ فَتَحْدُثُ الرِّيحُ، وَإِنْ لَمْ يَنْكَسِرْ حَرُّهَا بِبَرْدِ ذَلِكَ الْهَوَاءِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَتَصَاعَدَ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى كُرَةِ النَّارِ الْمُتَحَرِّكَةِ بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الصُّعُودِ بِسَبَبِ حَرَكَةِ النَّارِ فَتَرْجِعُ تِلْكَ الْأَدْخِنَةُ وَتَصِيرُ رِيحًا، لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ انْدِفَاعُ هَذِهِ الْأَدْخِنَةِ بِسَبَبِ حَرَكَةِ الْهَوَاءِ الْعَالِي لَمَا كَانَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى أَسْفَلَ بَلْ إِلَى جِهَةِ حَرَكَةِ الْهَوَاءِ الْعَالِي لِأَنَّا نَقُولُ الْجَوَابَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُبَّمَا أَوْجَبَتْ هَيْئَةُ صُعُودِ تِلْكَ الْأَدْخِنَةِ وَهَيْئَةُ لُحُوقِ الْمَادَّةِ بِهَا أَنْ يَتَحَرَّكَ إِلَى خِلَافِ جِهَةِ الْمُتَحَرِّكِ/ الْمَانِعِ، كَالسَّهْمِ يُصِيبُ جِسْمًا مُتَحَرِّكًا فَيَعْطِفُهُ تَارَةً إِلَى جِهَتِهِ إِنْ كَانَ الْحَابِسُ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى صَرْفِ الْمُتَحَرِّكِ عَنْ مُتَوَجَّهِهِ يَقْدِرُ أَيْضًا عَلَى صَرْفِهِ إِلَى جِهَةِ حَرَكَةِ نَفْسِهِ وَتَارَةً إِلَى خِلَافِ تِلْكَ الْجِهَةِ إِذَا كَانَ الْمُفَارِقُ يَقْدِرُ عَلَى الْحَبْسِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّرْفِ الثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ صُعُودُ بَعْضُ الْأَدْخِنَةِ مِنْ تَحْتٍ مَانِعًا لِلْأَدْخِنَةِ النَّازِلَةِ مِنْ فَوْقٍ إِلَى أَنْ يَتَسَفَّلَ ذَلِكَ فَلِأَجْلِ هَذَا السَّبَبِ يَتَحَرَّكُ إِلَى سَائِرِ الْجَوَانِبِ، وَاعْلَمْ أن لأهل الإسلام هاهنا مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ يُقِيمَ الدَّلَالَةَ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَجْزَاءَ الدُّخَانِيَّةَ أَرْضِيَّةٌ فَهِيَ أَثْقَلُ مِنَ الْأَجْزَاءِ الْبُخَارِيَّةِ الْمَائِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ الْبُخَارَ لَمَّا يَبْرُدْ يَنْزِلْ عَلَى الْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ مَطَرًا فَالدُّخَانُ لَمَّا بَرَدَ فَلِمَاذَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى الْخَطِّ الْمُسْتَقِيمِ بَلْ ذَهَبَ يُمْنَةً وَيُسْرَةً؟ الثَّانِي: أَنَّ حَرَكَةَ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ إِلَى أَسْفَلَ طَبِيعِيَّةٌ وَحَرَكَتَهَا يُمْنَةً وَيُسْرَةً عَرَضِيَّةٌ وَالطَّبِيعِيَّةُ أَقْوَى مِنَ الْعَرَضِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَقْوَى فَلَا أَقَلَّ مِنَ الْمُسَاوَاةِ، ثُمَّ إِنَّ الرِّيحَ عِنْدَ حَرَكَتِهَا يُمْنَةً وَيُسْرَةً رُبَّمَا تَقْوَى عَلَى قَلْعِ الْأَشْجَارِ وَرَمْيِ الْجِدَارِ بل الجبال، فتلك الأجزاء الدخانية عند ما تَحَرَّكَتْ حَرَكَتُهَا الطَّبِيعِيَّةُ الَّتِي لَهَا وَهِيَ الْحَرَكَةُ إِلَى السُّفْلِ وَجَبَ أَنْ تَهْدِمَ السَّقْفَ، وَلَكِنَّا نَرَى الْغُبَارَ الْكَثِيرَ يَنْزِلُ مِنَ الْهَوَاءِ وَيَسْقُطُ عَلَى السَّقْفِ وَلَا يُحَسُّ بِنُزُولِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَهْدِمَهُ فَثَبَتَ فَسَادُ مَا ذَكَرُوهُ الْمَقَامُ الثَّانِي: هَبْ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا ذَكَرُوهُ وَلَكِنَّ الْأَسْبَابَ الْفَاعِلِيَّةَ وَالْقَابِلِيَّةَ لَهَا مَخْلُوقَةٌ للَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِنَّهُ لَوْلَا الشَّمْسُ وَتَأْثِيرُهَا فِي تَصْعِيدِ الْأَبْخِرَةِ وَالْأَدْخِنَةِ وَلَوْلَا طَبَقَاتُ الْهَوَاءِ، وَإِلَّا «١» لَمَا حَدَثَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ وَضَعَ أَسْبَابًا فَأَدَّتْهُ إِلَى مَنَافِعَ عَجِيبَةٍ وَحِكَمٍ بَالِغَةٍ
(١) إلا هذه لا معنى لها ولا محل لوقوعها بين لولا وجوابها، وهي زائدة قطعا من الناسخ أو مصحح الطبعة الأولى الأميرية.

صفحة رقم 566
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية