
رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣) أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦٤)
شرح الكلمات:
اصطفى: أي اختارهم لحمل رسالته وإبلاغ دعوته.
آلله خير: أي لمن يعبده.
حدائق ذات بهجة: أي بساتين ذات منظر حسن لخضرتها وأزهارها.
يعدلون: أي بربهم غيره من الأصنام والأوثان.
جعل الأرض قراراً: أي قارة ثابتة لا تتحرك ولا تضطرب بسكانها.
وجعل خلالها أنهاراً: أي جعل الأنهار العذبة تتخللها للشرب والسقي.
وجعل لها رواسي: أي جبالاً أرساها بها حتى لا تتحرك ولا تميل.
بين البحرين حاجزا: أي فاصلاً لا يختلط أحدهما بالآخر.
ويكشف السوء: أي الضر، المرض وغيره.
قليلا ما تذكرون: أي ما تتعظون إلا قليلا.
بُشراً بين يدي رحمته: أي مبشرة بين يدي المطر إذ الرياح تتقدم ثم باقي المطر.
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده: أي يبدؤه في الأرحام، ثم يعيده يوم القيامة.
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين: أي حجتكم إن كنتم صادقين أن مع الله إلها آخر فعل ما ذكر.
معنى الآيات:
لما أخبر الله تعالى رسوله بإهلاك المجرمين ونجاة المؤمنين أمر تعالى رسوله أن يحمده على ذلك تعليماً له ولأمته إذا تجددت لهم نعمة أن يحمدوا الله تعالى عليها ليكون ذلك من شكرها قال تعالى ﴿قُلِ الْحَمْدُ (١) لِلَّهِ﴾ أي الوصف بالجميل لله استحقاقا.

﴿وَسَلامٌ (١) عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (٢) ﴾ الله لرسالته وإبلاغ دعوته إلى عباده ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا على ذلك في الحياتين.
وقوله تعالى: ﴿آللَّهُ (٣) خَيْرٌ أَمَّا (٤) يُشْرِكُونَ﴾ أي آالله الخالق الرازق المدبر القوي المنتقم من أعدائه المكرم لأوليائه؛ عبادته خير لمن يعبده بها أم عبادة من يشركون. فقوله ﴿أَمَّنْ (٥) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ أي لحاجتكم إليه غسلا وشربا وسقيا ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ﴾ أي بساتين محدقة بالجدران والحواجز ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ أي حسن وجمال، ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ أي لم يكن في استطاعتكم أن تنبتوا شجرها ﴿أَإِلَهٌ (٦) مَعَ اللهِ﴾ لا والله ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ أي يشركون بربهم أصناما ويسوّونها به في العبادات. وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً (٧) ﴾ أي قارة ثابتة لا تتحرك بسكانها ولا تضطرب بهم فيهلكوا. ﴿وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً﴾ أي فيما بينها. ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ أي جبالاً تثبتها، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ﴾ العذب والملح ﴿حَاجِزاً﴾ (٨) حتى لا يختلط الملح بالعذب فيفسده.
﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ؟﴾ والجواب: لا والله ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ ولو علموا لما أشركوا
٢- قال بعضهم: الذين اصطفوا هم أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: هم الصحابة ورد هذا بما هو الحق وهو (أن الذين اصطفوا) هم: رسل الله عليهم السلام وفي الآية تعليم أدب رفيع وهو أن من افتتح كلامه مذكرا أو واعظا أو معلما دارسا يفتتح كلامه بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٣- (آالله) الاستفهام تقريري وهو إلجاء المخاطب إلى الإقرار، وخير هنا: ليست بمعنى أفضل، إذ لا خير البتة في آلهة المشركين وإنما من باب إيهام الخصم بأنه يعترف له بما يعتقده من خير في إلهه، حتى يصغي ويسمع ويتأمل عَلّه يهتدي أو هو مثل قول الشاعر:
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
٤- (أمّا) أصلها: أم المعادلة للهمزة وما: الموصولية أدغمت فيها أم فصارت أمّا والعائد محذوف تقديره: تشركونها، أي آلهتهم بالله تعالى.
٥- (أم) المنقطعة بمعنى بل للإضراب الانتقالي من الاستفهام التهكمي للاستفهام التقريري أي: الذي خلق السموات وما عطف عليها خير وأحق بالعبادة.
٦- هذا استئناف كالنتيجة للكلام قبلها لأن إثبات الخلق والرزق لله تعالى بدليل لا يسعهم إلا الإقرار به ينتج أنه لا إله معه، والاستفهام إنكاري أي: إنكار وجود إله مع الله الخالق الرازق والجواب: لا إله مع الله.
٧- القرار: مصدر قرّ يقرّ قرارا الشيء: إذا سكن وثبت، وصفت الأرض بالقرار مبالغة في سكونها وثباتها حيث لا تتحرك ولا تضطرب بأهلها على مدى الحياة في حين أنها سابحة في الفضاء متحركة في كل لحظة فسبحان الله العلي القدير العزيز الحكيم.
٨- إنّ هذا الحاجز ليس جسما غير الماء إنما هو تفاوت الثقل النسبي لاختلاف أجزاء الماء المركب منها الماء المالح والماء العذب، فالحاجز حاجز من طعميهما وليس جسماً آخر فاصلا بينهما.

بالله مخلوقاته. وقوله تعالى ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ (١) إِذَا دَعَاهُ﴾ أي ليكشف ضره ﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ أي يبعده والسوء هو ما يسوء المرء من مرض وجوع وعطش وقحط وجدب. ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ جعل جيلاً يخلف جيلاً وهكذا الموجود خلف لمن سلف وسيكون سلفاً لمن خلف ﴿أَإِلَهٌ (٢) مَعَ اللهِ﴾ والجواب لا إله مع الله ﴿قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ﴾ أي ما تتعظون إلا قليلا بما تسمعون وترون من آيات الله.
وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ في الليل بالنجوم وفي النهار بالعلامات الدالة والهادية إلى مقاصدكم ﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي من يثير الرياح ويرسلها تتقدم المطر وتبشر به؟ لا أحد غير الله إذاً.. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ﴾. والجواب: لا، لا.. الله وحده الإله الحق وما عداه فباطل.
وقوله تعالى: ﴿تَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ نزه تعالى نفسه عن شرك المشركين أصناما لا تبدئ ولا تعيد ولا تخلق ولا ترزق ولا تعطي ولا تمنع. وقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ﴾ أي نطفاً في الأرحام، ثم بعد حياته يميته، ثم يعيده وهو معنى ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾.
﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ﴾ بالمطر ﴿وَالْأَرْضِ﴾ بالنبات. والجواب: الله إذاً ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ﴾ والجواب: لا، لا وإن قلتم هناك آلهة مع الله ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أي حججكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن غير الله يفعل شيئاً مما ذكرفي هذا السياق الكريم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وجوب حمد الله وشكره عند تجدد الشكر، والحمد لله رأس الشكر.
٢- مشروعية السلام عند ذكر الأنبياء عليهم السلام فمن ذكر أحدهم قال عليه السلام.
٣- التنديد بالشرك والمشركين.
٤- تقرير التوحيد بأدلتة الباهرة العديدة.
٥- تقرير البعث الآخر وإثباتها بالاستنباط من الأدلة المذكورة.
٦- لا يثبت الأحكام إلا بالأدلة النقلية والعقلية.
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ
٢- الاستفهام توبيخي إنكاري أي: إنكار أن يكون مع الله إله آخر لما قام على ذلك من الأدلة والحجج المذكورة، وإله مرفوع بما تعلق به الظرف أو بإضمار يفعل ذلك أي: أإله مع الله يفعل ذلك.