آيات من القرآن الكريم

أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﰿ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ

والفاعل والمفعول: مضطر. والمضطر الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر إلى اللجإ والتضرع إلى الله. وعن ابن عباس رضى الله عنهما: هو المجهود. وعن السدّى: الذي لا حول له ولا قوة. وقيل: المذنب إذا استغفر. فإن قلت: قد عم المضطرين بقوله يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وكم من مضطرّ يدعوه فلا يجاب»
؟ قلت، الإجابة موقوفة على أن يكون المدعوّ به مصلحة، ولهذا لا يحسن دعاء العبد إلا شارطا فيه المصلحة. وأما المضطر فمتناول للجنس مطلقا، يصلح لكله ولبعضه، فلا طريق إلى الجزم على أحدهما إلا بدليل، وقد قام الدليل على البعض وهو الذي أجابته مصلحة، فبطل التناول على العموم خُلَفاءَ الْأَرْضِ خلفاء فيها، وذلك توارثهم سكناها والتصرف فيها قرنا بعد قرن. أو أراد بالخلافة الملك والتسلط. وقرئ: يذكرون، بالياء مع الإدغام. وبالتاء مع الإدغام والحذف. وما مزيدة، أى: يذكرون تذكرا قليلا. والمعنى: نفى التذكر، والقلة تستعمل في معنى النفي.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٣]
أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)
يَهْدِيكُمْ بالنجوم في السماء، والعلامات في الأرض: إذا جنّ الليل عليكم مسافرين في البر والبحر.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٤]
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤)
فإن قلت: كيف قيل لهم أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهم منكرون للإعادة؟ قلت:
قد أزيحت علتهم بالتمكين من المعرفة والإقرار، فلم يبق لهم عذر في الإنكار مِنَ السَّماءِ الماء وَمن الْأَرْضِ النبات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أنّ مع الله إلها، فأين دليلكم عليه؟
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٥]
قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥)

(١). قال محمود «إن قلت فكم من مضطر لإيجاب؟ قلت: الاجابة موقوفة على كون المدعو به مصلحة، ولهذا لا يحسن دعاء العبد إلا شارطا فيه المصلحة» قال أحمد: الصواب أن الاجابة مقرونة بالمشيئة لا بالمصلحة، وإنما تقف الاجابة على المصلحة عند القدرية، لايجابهم على الله تعالى رعاية المصالح، فقول الزمخشري: لا يحسن الدعاء من العبد إلا شارطا فيه المصلحة: فاسد فان المشيئة شرط في إجابة الدعاء اتفاقا، ومع ذلك نهى النبي ﷺ أن يقول الداعي: اللهم اغفر لي إن شئت.

صفحة رقم 377

فإن قلت: لم رفع اسم الله، والله يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض؟ قلت:
جاء على لغة بنى تميم، حيث يقولون: ما في الدار أحد إلا حمار، يريدون: ما فيها إلا حمار، كأنّ أحدا لم يذكر. ومنه قوله:
عشيّة ما تغنى الرّماح مكانها... ولا النّبل إلّا المشرفي المصمّم «١»
وقولهم: ما أتانى زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه. فإن قلت: ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي؟ قلت: دعت إليه نكتة سرية «٢». حيث أخرج المستثنى مخرج قوله: إلا اليعافير، بعد قوله: ليس بها أنيس، ليؤول المعنى إلى قولك: إن كان الله ممن في السماوات والأرض، فهم يعلمون الغيب، يعنى: أنّ علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أنّ معنى ما في البيت «٣» : إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس، بتا للقول بخلوّها عن الأنيس. فإن قلت: هلا زعمت أنّ الله ممن في السماوات والأرض، كما يقول المتكلمون: الله في كل مكان، على معنى أنّ علمه في الأماكن كلها، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بنى تميم؟ قلت: يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز، وكونهم فيهن حقيقة، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة، على أنّ قولك: من في السماوات والأرض، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد: فيه إيهام تسوية، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى. ألا ترى كيف قال ﷺ لمن قال: ومن يعصهما فقد غوى: «بئس خطيب القوم أنت «٤» » وعن عائشة رضى الله عنها: من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية «٥»، والله تعالى يقول: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ

(١). النبل: السهام العربية. والمشرفي: السيف، نسبة لمشارف اليمن. والمصمم: الماضي النافذ لصلابته، وكانت عادة المتحاربين التناضل بالسهام عند التباعد، فإذا تقاربوا تحاربوا بالرماح، فإذا التقوا تضاربوا بالسيوف.
وذكر النبل بعد الرماح لدفع توهم بعد العدو، فكأن النبل يغنى عن غيره، فالبيت كناية عن شدة الأمر واختلاط الصفين. وضمير مكانها للحرب أو للسيوف، والاستثناء منقطع بعد النفي، ويجب نصبه عند الحجازيين. ويجوز رفعه كما هنا عند التميميين: إما على البدل، أو على توهم أن المستثنى منه غير مذكور، وأن العامل مفرغ لما بعد «إلا».
(٢). قوله «دعت إليه نكتة سرية» لعله بزنة فعيلة، فيكون بمعنى شريفة. (ع)
(٣). قوله: «معنى ما في البيت» هو قول الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس... إلا اليعافير وإلا العيس (ع)
(٤). أخرجه مسلم من حديث عدى بن حاتم.
(٥). متفق عليه من حديثها في أثناء حديث.

صفحة رقم 378
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية