
فقالت: زوّجني إن كان لا بدّ من ذلك ذا تبّع ملك همذان فزوّجه إيّاها ثم ردّها الى اليمن وسلّط زوجها ذا تبّع على اليمن، ودعا زوبعة أمير جن اليمن فقال: اعمل لذي تبّع ما استعملك فيه.
قال: فصنع لذي تبع الصنائع باليمن ثم لم يزل بها يعمل له فيها ما أراد حتى مات سليمان ابن داود (عليه السلام)، فلمّا أن حال الحول وتبيّنت الجن موت سليمان (عليه السلام) أقبل رجل منهم فسلك تهامة حتى إذا كان في جوف اليمن صرخ بأعلى صوته: يا معشر الجن إنّ الملك سليمان قد مات فارفعوا أيديكم قال: فعمدت الشياطين الى حجرين عظيمين فكتبوا فيها كتابا بالمسند نحن بنينا سلحين دائبين [سبعة وسبعين خريفا]، وبنينا صرواح ومرواح [وبنيون وحاضة وهند وهنيدة، وسبعة أمجلة بقاعة، وتلثوم بريدة، ولولا صارخ بتهامة لتركنا بالبون إمارة، وقال وسلحين وصرواح ومرواح وبينون وهند وهنيدة وتلثوم حصون كانت باليمن عملتها الشياطين لذي تبع] «١»، ثم رفعوا أيديهم وانطلقوا وتفرّقوا وانقضى ملك ذي تبّع وملك بلقيس مع ملك سليمان (عليه السلام) «٢».
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤٥ الى ٥٣]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩)
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٣)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ يعني بأن اعْبُدُوا اللَّهَ وحده فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ مؤمن وكافر ومصدّق ومكذّب يَخْتَصِمُونَ في الدين.
قال مقاتل: واختصامهم مبيّن في سورة الأعراف وهو قوله قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ الى قوله يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
ف قالَ لهم صالح يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ بالبلاء والعقوبة قَبْلَ الْحَسَنَةِ العافية والرحمة، والاستعجال طلب التعجيل بالأمر، وهو الإتيان به قبل وقته. لَوْلا هلّا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ بالتوبة من كفركم لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ قالُوا اطَّيَّرْنا تشاءمنا، وأصله تطيّرنا
(٢) تفسير الطبري: ١/ ٣٥١.

بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ وذلك أنّ المطر أمسك عنهم في ذلك الوقت وقحطوا فقالوا: أصابنا هذا الضرّ والشرّ من شؤمك وشؤم أصحابك، وإنّما ذكر التطيّر بلفظ الشأم على عادة العرب ونسبتهم الشؤم إلى البارح، وهو الطائر الذي يأتي من جانب اليد الشؤمي وهي اليسرى.
قالَ طائِرُكُمْ من الخير والشر وما يصيبكم من الخصب والجدب عِنْدَ اللَّهِ بأمره وهو مكتوب على رؤوسكم، لازم أعناقكم، وليس ذلك إليّ ولا علمه عندي.
بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ قال ابن عباس: تختبرون بالخير والشر، نظيره وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً «١».
الكلبي: تُفْتَنُونَ حتى تجهلوا أنّه من عند الله سبحانه وتعالى.
محمد بن كعب: تعذّبون بذنوبكم وقيل: تمتحنون بإرسالي إليكم لتثابوا على طاعتكم ومتابعتي، وتعاقبوا على معصيتي ومخالفتي.
وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ يعني مدينة ثمود وهي الحجر تِسْعَةُ رَهْطٍ من أبناء أشرافهم يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ وأسماؤهم قدار بن سالف ومصدع بن دهر وأسلم ورهمى وبرهم ودعمي وعيم وقتال وصداف.
قالُوا تَقاسَمُوا تحالفوا بِاللَّهِ أيّها القوم وموضع تقاسموا جزم على الأمر كقوله بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وقال قوم من أهل المعاني: محله نصب على الفعل الماضي يعني انهم تحالفوا وتواثقوا، تقديره: قالوا متقاسمين بالله، ودليل هذا التأويل أنّها في قراءة عبد الله: ولا يصلحون تقاسموا بالله، وليس فيها قالوا.
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ من البيات فلنقتله، هذه قراءة العامة بالنون فيهما واختيار أبي حاتم، وقرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي: لتبيّتنّه ولتقولنّ بالتاء فيهما وضم التاء واللام على الخطاب واختاره أبو عبيد، وقرأ مجاهد وحميد بالتاء فيهما وضم التاء واللام على الخبر عنهم.
ثم ليقولن ما شَهِدْنا ما حضرنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ أي إهلاكهم، وقرأ عاصم برواية أبي بكر مَهْلَكَ بفتح الميم واللام، وروى حفص عنه بفتح الميم وكسر اللام، وهما جميعا بمعنى الهلاك وَإِنَّا لَصادِقُونَ في قولنا: إنّا ما شهدنا ذلك.
وَمَكَرُوا مَكْراً وغدروا غدرا حين قصدوا تبييت صالح والفتك به وَمَكَرْنا مَكْراً وجزيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا
قرأ الحسن والأعمش وعاصم وحمزة والكسائي أَنَّا بفتح الالف ولها وجهان:

أحدهما: أن يكون أَنَّا في محلّ الرفع ردّا على العاقبة.
والثاني: النصب على تكرير (كان) تقديره: كان عاقبة مكرهم التدمير، واختار أبو عبيد هذه القراءة اعتبار الحرف أي أن دمرناهم، وقرأ الباقون: إنّا بكسر الألف على الابتداء.
دَمَّرْناهُمْ يعني أهلكنا التسعة، واختلفوا في كيفية هلاكهم.
فقال ابن عباس: أرسل سبحانه الملائكة فامتلأت بهم دار صالح فأتى التسعة الدار شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم.
قال قتادة: خرجوا مسرعين الى صالح فسلّط الله عليهم صخرة فدمغتهم.
مقاتل: نزلوا في سفح جبل ينتظر بعضهم بعضا ليأتوا دار صالح، فجثم عليهم الجبل فأهلكهم.
السدّي: خرجوا ليأتوا صالحا فنزلوا خرقا من الأرض يتمكنون فيه فانهار عليهم.
وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ بالصيحة وقد مضت القصة.
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً خالية، قراءة العامّة بالنصب على الحال عن الفرّاء والكسائي وأبو عبيدة عن القطع مجازه: فتلك بيوتهم الخاوية، فلمّا قطع منها الألف واللام نصبت كقوله سبحانه وَلَهُ الدِّينُ واصِباً «١» وقرأ عيسى بن عمر خاويةٌ بالرفع على الخبر بِما ظَلَمُوا أي بظلمهم إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لعبرة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ من صيحة جبريل، والخراج الذي ظهر بأيديهم.
قال مقاتل: خرج أوّل يوم على أيديهم مثل الحمّصة أحمر ثمّ اصفرّ من الغد، ثمّ اسودّ اليوم الثالث، ثمّ تفقّأت، وصاح جبريل (عليه السلام) في خلال ذلك فخمدوا، وكانت الفرقة المؤمنة الناجية أربعة آلاف، خرج بهم صالح إلى حضرموت، فلمّا دخلها صالح مات، فسمّي (حضرموت).
قال الضحّاك: ثمّ بنى الأربعة آلاف مدينة يقال لها: (حاضورا) «٢» وقد مضت القصّة جميعا «٣».
(٢) هكذا في المخطوطة، وفي تفسير القرطبي: ١٢/ ٧٥. حضوراء.
(٣) راجع القصّة في تفسير القرطبي: ١٢/ ٧٥.