
المعنى ما شهدنا إهلاكهم، وان اسم مكان أي مكان إهلاكهم أو اسم زمان أي زمانه «وَإِنَّا لَصادِقُونَ» ٤٩ في قولنا هذا، وهو كقول أولاد يعقوب لأبيهم (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) الآية ٨٧ من سورته في ج ٢ وأرادوا بهذه الحيلة التمويه لأن حضور الأمر غير مباشرته عرفا، فلا يقال لمن قتل رجلا انه حضر قتله، وان كان الحضور لازما للمباشرة، فهؤلاء القوم الذين كانوا لا يعابون بما هم عليه من الكفر وسوء السيرة قد درأوا عن أنفسهم الكذب الذي هو عار في كل زمان ومكان ودين، وصموا ان يحلفوا على المعنى العرفي بحسب العادة في الإيمان، ليوهموا الخصم أنهم أرادوا معناه اللغوي، فيكونوا صادقين بزعمهم، لئلا يصموهم بالكذب، والآن والعياذ بالله تجد الكذب فاشيا عند الكبير والصغير مع أنه محرم دينا ومكروه مروءة ومذموم طبعا وقد ذم الله تعالى الكاذب في آيات متعددة من القرآن وقال صلّى الله عليه وسلم المسلم لا يكذب وقال الكذب مجانب للايمان راجع الآية ١٠٥ من سورة النحل في ج ٢ اللهم أصلح عبادك ووفقهم للسداد «وَمَكَرُوا مَكْراً» قالوا على قتله ودبروا الكيد والغدر وذهبوا اليه شاهرين سلاحهم لينفذوا ما صموا عليه فرد الله كيدهم في نحرهم وأخزاهم «وَمَكَرْنا مَكْراً» عظيما لا تتصوره عقولهم بان عجلنا لهم العقوبة فأهلكناهم جميعا بالحجارة وحرسنا نبينا صالحا بالملائكة فصاروا يرون الحجارة تأتيهم من حيث لا يرون راميها «وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» ٥٠ بشيء من تدبيرنا هذا، قالوا ان صالحا كان يصلي في مسجد الحجر، وكان توعدهم بأن يفرغ الله من عذابهم حتى ثلاثة ايام، فقال هؤلاء التسعة نذهب اليه ونقتله في مسجده قبلها ثم نذهب الى أهله فنقتلهم أيضا قبل اليوم الثالث، فخرجوا الى الشعب الذي فيه مسجده، فبعث الله عليهم صخرة من الهضب حيالهم بعد رجمهم، فطبقت عليهم فم الشعب، فلم يدر قومهم أين هم، ولم يدروا ما فعل الله بهم وهم لم يعلموا ما فعل الله بقومهم وعذب الله كلا منهم في مكانه، وحمى صالحا ومن معه
«فَانْظُرْ» يا سيد الرسل وأخبر قومك «كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ» على نبينا «أَنَّا دَمَّرْناهُمْ» التسعة المذكورين «وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ» ٥١ لم يقلت

منهم إلا من آمن بصالح «فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ» يرونها قومك حين ذهابهم إلى الشام وإيابهم منها بشاهدونها «خاوِيَةً» ساقطة متهدمة بعضها على بعض، خالية من السكان، لأنها لم تسكن بعدهم تشاؤما مما وقع على أهلها المهلكين «بِما ظَلَمُوا» أنفسهم وغيرهم لا لأمر آخر «إِنَّ فِي ذلِكَ» الإهلاك على الصورة المذكورة «لَآيَةً» عظيمة وعظة ناطقة «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» ٥٢ قدرة الله فيخشونها ويعتبرون بمن قبلهم فيؤمنون «وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا» مع صالح بمقتضى وعدنا له «وَكانُوا يَتَّقُونَ» ٥٣ الله ولذلك حماهم مما أصاب قومهم، وفي هذه القصة إشارة إلى أن قريشا سيمكرون بمحمد ويتحالفون عليه، وأن الله تعالى ينجيه منهم ويهلكهم، وكان في ذلك كما سيأتي في الآية ٢٦ من سورة العنكبوت في ج ٢، قال تعالى «وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ» إتيان الذكر سماها فاحشة لزيادة قبحها في قانونه الإلهي، وسماها القانون المدني بالفعل الشنيع، وهو اسم وفق المسمى بالقبيح والرذيلة والوقاحة «وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ» ٥٤ بعضكم يفعل ببعض وهذا في غاية الشناعة، أي كيف تفعلون هذا ولا تستترون ولا ينهى بعضكم بعضا ولا تكفون عنه «أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ» أيها السفهاء والخاطئون «شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ» مع أن الله تعالى خلق الأنثى للذكر ولم يخلق الذكر للذكر ولا الأنثى للأنثى، فعملكم هذا مضاد لحكمة الله «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ» ٥٥ عاقبة أمركم ووخامة مصيركم «فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ» تجاه نصحه هذا ووعظه وإرشاده «إِلَّا أَنْ قالُوا» أولئك الجهلة السفهة «أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ» ٥٦ عن عملنا ويتنزهون من فعلنا ويستقذرون إتيان الرجال، وهذا مما يغيظنا وقد حق عليهم العذاب بقولهم هذا «فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ» لرضاها بفعلهم وعدم إنكارها عليهم لذلك «قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ» ٥٧ الباقين معهم بالعذاب «وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً» يا له من مطر سوء حجارة مترادفة «فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ» ٥٨ تقدمت القصة مفصلة في الآية ٨٨ من الأعراف المارة، فيا أكرم الرسل «قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ» واسأله العافية لك ولأمتك مما حلّ بهم
صفحة رقم 335