آيات من القرآن الكريم

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ

عصيتموهم (١). ونحو هذا قال مقاتل: هل ينفعونكم في شيء إذا عبدتموهم، أو يضرونكم بشيء إن لم تعبدوهم (٢).
٧٤ - ﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ أي: كما نفعل يفعلون. وهذا إخبار أنهم قلدوا آباءهم في عبادة الأصنام، وتركوا الحجة والاستدلال فلما أقروا على أنفسهم وآبائهم بعبادة الأصنام التي لا تسمع ولا تضر (٣) ولا تنفع (٤).
قال لهم إبراهيم متبرئًا منهم:
٧٥، ٧٦ - ﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ﴾ يعني الماضين الأولين.
٧٧ - ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ قال الكلبي: يقول أبرأ منهم (٥). وقال مقاتل: أنا بريء منهم (٦). ومعنى عداوة الأصنام له هو ما ذكره الفراء، أي: لو عبدتهم كانوا إلى يوم القيامة ضدًا وعدوًا (٧). وكأنه ذهب إلى معنى قوله: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ الآية (٨)، [مريم: ٨٢] وذكر ابن قتيبة هذه الآية في باب المقلوب؛ وقال: المعنى: فإني عدو لهم، فقلب؛ لأن كل من عاديته

(١) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٢) "تفسير مقاتل" ٥١ أ.
(٣) ولا تضر. مكررة في نسخة (ج).
(٤) لا تنفع، ولا تضر ولا تسمع. في نسخة (ب).
(٥) "تنوير المقباس" ٣٠٧، وفيه: تبرأ منهم.
(٦) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١.
(٨) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١١١ ب. والشاهد من الآية في آخرها، وهو قوله تعالى: ﴿كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾.

صفحة رقم 65

عاداك (١). ونحو هذا حكى بعض المتأخرين عن الفراء، ولم أر له ذلك (٢).
والعدو: اسم يجوز إطلاقه على الجماعة، كما قال: ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوّ﴾ [الكهف ٥٠] (٣) وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ﴾ [النساء ٩٢] وقد مرَّ (٤). وذلك أنه وضع موضع المصدر فلا يُثنى، ولا يُجمع، كما يوضع المصدر موضع الصفة؛ في نحو: رجل عدل، وتجوز تثنيته وجمعه؛ لأنه اسم (٥).
وقوله: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ قال أبو إسحاق: قال النحويون: إنه استثناء ليس من الأول. أي: لكن رب العالمين أعبده، ولا أتبرؤ منه. قال: ويجوز أن يكونوا عبدوا مع الله الأصنام، فقال: إن جميع من عبدتم عدو لي إلا رب العالمين؛ لأنهم سَووَّا آلهتهم بالله -عز وجل- فأعلمهم أنه قد تبرأ مما يعبدون إلا الله (٦). وهذا الذي ذكره هو مذهب مقاتل في هذه الآية؛ قال: إنهم كانوا يعلمون أن الله ربهم، وهو الذي خلقهم فإقرارهم بالله أنه خلقهم وهو ربهم عبادة منهم له (٧).
وقال الكلبي: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: إلا أن يكون فيكم أحدٌ يعبد

(١) "تأويل مشكل القرآن" ١٩٣.
(٢) ذكره عن الفراء الثعلبي ١١١ ب، وتبعه البغوي ٦/ ١١٧، وأحال محقق "تفسير البغوي" في الحاشية إلى "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨١، وليس فيه هذا القول، كما قال الواحدي.
(٣) ذكر هذا القول الأخفش، في "معاني القرآن" ٢/ ٦٤٣.
(٤) تفسير هذه الآية من سورة النساء من القسم المفقود من كتاب البسيط.
(٥) "تفسير ابن جرير" ١٩/ ٨٤، بمعناه.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٩٣.
(٧) "تفسير مقاتل" ٥١ ب.

صفحة رقم 66

الله (١). واختار الحسين بن الفضل هذا القول، وقال: يعني إلا من عبد رب العالمين (٢). وهذا يتوجه على حذف المضاف، كأنه قال: إلا عابد رب العالمين، ويكون الاستثناء أيضًا لا من الأول.
واختار صاحب النظم في قوله: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ القلب؛ وقال: لأن الأصنام لا تعادي أحدًا، والمعنى: فإني عدو لهم. ومعنى العداوة: البغض والبراءة، وترك الموافقة. وأصله: من عَدَوْتُ الشيء: إذا جاوزتُه وخلَّفته. وقال في قوله: ﴿إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ إنه على التقديم والتأخي؛ على تقدير: أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وءابآؤكم الأقدمون إلا رب العالمين فإنهم عدو لي وتكون (إلا) بمعنى: (دون) و (سوى). أي: ما كنتم تعبدون من دون الله، وسوى الله، فيكون: (دون) و (سوى)، نعتًا للاسم الأول (٣).
وهذا الذي ذكره فيه تعدٍّ واستكراه، ثم استبعد قول الذين قالوا: إنه استثناء ليس من الأول؛ بأن قال: يحتمل ذلك على بعدٍ فيه؛ لأنه يكون ادعى خبرًا على الله من غير علم، وهو تمدح وتفريط للنفس، وهما مكروهان، يعني: أن إبراهيم إذا قال: الأصنام أعدائي، لكن الله وليي يكون قد أخبر عن الله بأنه وليه، ومدح نفسه بولاية الله؛ لأنه إذا كان الله [هو أيضًا] (٤) وليه، كان هو أيضًا ولي الله. وهذا لا يقدح في قول النحويين؛ لأنه لم يُخبر بذلك عن غير علم؛ فإن النبي يعلم منزلته من الله. والنبوة فوق الولاية، فإذا عَلِم أنه نبي، عَلِم أنه ولي، وأن الله وليه.

(١) "تنوير المقباس" ٣٠٧.
(٢) "تفسير الثعبي" ٨/ ١١١ب.
(٣) ذكره عنه السمين الحلبي، "الدر المصون" ٨/ ٥٣٠.
(٤) ما بين المعقوفين، ساقط من نسخة (ج).

صفحة رقم 67
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية