
وقوله تعالى: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ قالُوا لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ تقدم بيانُ هذه الجملة، والحمد للَّه فانظره في مَحَلِّهِ قال ابنُ العربيِّ «١» في «أحكامه» : قال مالكٌ: دعا موسى فرعونَ أربعين سنةً إلى الإسلام، وأنَّ السحرة آمنوا في يوم واحد، انتهى، وقولهم: لاَ ضَيْرَ أي: لاَ يَضُرُّنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه، وقولهم: أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ يريدون: من القِبْطِ وصنيفتهم، وإلاَّ فقد كانت بنو إسرائيل آمنت، والشِّرْذَمَةُ: الجمع القليل المُحْتَقَرُ، وشرذمة كل شيء: بَقِيَّتُهُ الخسيسة.
وقوله: لَغائِظُونَ يريد بخلافهم الأمر وبأخذهم الأموال عارية وحاذِرُونَ جمع حَذِرٌ، والضمير في قوله: فَأَخْرَجْناهُمْ عائد على القِبْطِ، والجنات والعيون بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد قاله ابن عمر «٢» وغيره، والمقام الكريم: قال ابن لَهِيعَةَ: هو الفَيُّوم، ٤٨ أوقيل: هو المنابر، وقيل: مجالس الأمراء والحُكَّامِ، وقيل: / المساكن الحسان، ومُشْرِقِينَ معناه: عند شروق الشمس، وقيل: معناه: نحو المشرق، والطود: هو الجبل، وأَزْلَفْنا معناه: قَرَّبنا، وقرأ ابن عباس «٣» :«وأزْلَقْنَا» بالقاف.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٦٩ الى ٨٢]
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠) قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)
قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨)
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ... الآية: هذه الآية تضمنت الإعلام بغيب، والعكوف:
اللزوم.
(٢) ذكره ابن عطية (٤/ ٢٣٢).
(٣) وقرأ بها أبي، وعبد الله بن الحارث.
قال أبو الفتح: ومن قرأ بالقاف ف «الآخرون» : فرعون، وأصحابه. أي: أهلكنا ثم الآخرين، أي:
فرعون وأصحابه.
ينظر: «المحتسب» (٢/ ١٢٩)، و «مختصر الشواذ» ص ١٠٨، و «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٣٣)، و «البحر المحيط» (٧/ ٢٠)، و «الدر المصون» (٥/ ٢٧٦).

وقوله: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ قالت فرقة: هو استثناءٌ مُتَّصِلٌ. لأنَّ في الآباء الأقدمين مَنْ قد عبد الله تعالى، وقالت فرقة: هو استثناءٌ مُنْقَطِعٌ لأَنَّهْ إنَّما أراد عُبَّادَ الأوثان من كل قرن منهم، وأسند إبراهيم عليه السلام المَرَضَ إلى نفسِهِ والشفاء إلى ربه عز وجل، وهذا حُسْنُ أدب في العبارة، والكل من عند الله، وأوقف عليه السلام نفسه على الطمع في المغفرة، وهذا دليل على شِدَّةِ خوفه مع عُلُوِّ منزلته عند الله، وروى الترمذيُّ عن أبي هريرة قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً أَوْ زَارَ أَخَا [لَهُ] «١» في اللهِ- نَادَاهُ مُنَادٍ: أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً» «٢»، قال أبو عيسى:
هذا حديثٌ حَسَنَ، انتهى. وفي «صحيح مسلم» عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الجنة حَتَّى يَرْجِعَ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خُرْفَةُ الجَنَّةِ؟ قال: جَنَاهَا» «٣» انتهى، وعنه صلى الله عليه وسلّم: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ العَظِيمِ «٤» أَنْ يَشْفَيَكَ- إلاَّ عَافَاهُ اللهُ سُبْحَانَهُ» «٥» خرجه أبو داود، والترمذيُّ، والحاكم في «المُسْتَدْرَكِ على الصحيحين» بالإسناد الصحيح، انتهى من «حلية النوويِّ»، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «مَنْ عَادَ مَرِيضاً لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ، فَقَالَ عِنْدَ رَأْسِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ:
أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ العَظِيمِ- أَنْ يَشْفَيَكَ- إلاَّ عَافَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» «٦».
رواه أبو داودَ واللفظ له، والترمذيُّ والنسائِيُّ والحاكم وابن حِبَّان في «صحيحيهما» بمعناه، وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشيخَيْنِ، يعني: البخاريَّ ومُسْلِماً، وفي رواية النسائيّ وابن حبّان: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلّم إذَا عَادَ الْمَرِيضَ، جَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ»، فَذَكَرَ مِثْلَهُ بمعناه انتهى من «السلاح».
(٢) أخرجه الترمذيّ (٤/ ٣٦٥) كتاب البر والصلة: باب ما جاء في زيارة الإخوان، حديث (٢٠٠٨)، وابن ماجه (١/ ٤٦٤) كتاب الجنائز: باب ما جاء في ثواب من عاد مريضا، حديث (١٤٤٣). كلاهما من طريق أبي سنان القسملي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال الترمذيّ: هذا حديث حسن غريب، وأبو سنان اسمه عيسى بن سنان-
(٣) أخرجه مسلم (٤/ ١٩٨٩) كتاب البر والصلة: باب فضل عيادة المريض، حديث (٤٢/ ٢٥٦٨).
(٤) في ج: رب العرش الكريم. [.....]
(٥) أخرجه أبو داود (٢/ ٢٠٤) كتاب الجنائز: باب الدعاء للمريض عند العيادة، حديث (٣١٠٦)، والترمذيّ (٤/ ٤١٠) كتاب الطب: باب (٣٢) حديث (٢٠٨٣)، والحاكم (١/ ٣٤٢) من حديث ابن عباس. وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وصححه النووي في «الأذكار» (ص- ١٦٧).
(٦) تقدم تخريجه.