
وقال سعيد بن جبير: وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في هذا القول: الأنبياء.
وقال الحسن: يعني وتصرّفك وذهابك ومجيئك في أصحابك والمؤمنين.
أخبرني أبو سهل عبد الملك بن محمد بن أحمد بن حبيب المقري قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى، قال: حدّثنا زنجويه بن محمد، قال: حدّثنا علىّ بن سعيد النسوي أبو عاصم عن صهيب عن عكرمة عن ابن عباس وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: من نبي الى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأمة.
وحدّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرخسي الفقيه إملاء قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة قال: حدّثنا الحسن بن بشر قال: حدّثنا سعدان بن الوليد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله سبحانه وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمّه.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لقراءتك الْعَلِيمُ بعملك.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ الى ٢٢٧]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ثمّ بيّن فقال تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كذّاب أَثِيمٍ فاجر، وهم الكهنة.
وقال مقاتل: مثل مسيلمة وطلحة.
يُلْقُونَ السَّمْعَ يعني يستمعون من الملائكة مسترقين فيلقون إلى الكهنة.
وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ لأنّهم يخلطون به كذبا كثيرا، وهم الآن محجوبون وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ.
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة الأعمش قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن قهزاد المروزي قال: حدّثنا حاتم بن العلاء قال: أخبرنا عبد المؤمن عن بريده عن ابن عباس في هذه الآية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ

الْغاوُونَ
قال: هم الشياطين، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ.
وقال الضحّاك: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهم غواة من قومه وهم السفهاء، فنزلت هذه الآية
وهي رواية عطيّة عن ابن عباس.
عكرمة عنه: الرواة.
علي بن أبي طلحة عنه: كفّار الجنّ والإنس.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد قالا: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: أخبرني جعفر بن محمد قال: حدّثنا حسين بن محمد بن علي قال: حدّثنا أبي عن عبد الله بن سعيد بن الحر عن أبي عبد الله وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: هم الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل، وأراد بهؤلاء شعراء الكفّار: عبد الله بن الزبعرى المخزومي، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عبد مناف، وعمرو بن عبد الله أبا عزّة الجمحي، وأميّة بن أبي الصلت كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيتّبعهم الناس.
أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة قال:
حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال: حدّثنا علي بن سعيد النسوي قال: حدّثنا عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن مكحول عن أبي إدريس عن غضيف أو أبي غضيف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «من أحدث هجاء في الإسلام فاقطعوا لسانه» «١» [١٠١].
وأخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدّثنا إبراهيم بن عرعرة قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهدي قال: حدّثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا فتح النبي صلى الله عليه وسلّم يعني مكة رنّ إبليس رنّة فاجتمعت إليه ذريّته فقال: «آيسوا أن ترتد أمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها- يعني مكة- الشعر والنوح» [١٠٢].
أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ من أودية الكلام يَهِيمُونَ حائرين وعن طريق الحق والرشد جائرين.
قال الكسائي: الهائم الذاهب على وجهه.
أبو عبيد: الهائم المخالف للقصد.

قال ابن عباس في هذه الآية: في كل لغو يخوضون، مجاهد: في كل فن يفتنون، قتادة:
يمدحون قوما بباطل، ويشتمون قوما بباطل.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ ثمّ استثنى شعراء المؤمنين: حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير فقال عزّ من قائل إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا يعني ردّوا على المشركين الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد الكسائي قال:
حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا يحيى بن واضح عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي الحسن البراد قال: لما نزلت هذه الآية وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ جاء عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسّان بن ثابت الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهم يبكون فقالوا:
يا رسول الله أنزل الله سبحانه هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء، فقال: اقرءوا ما بعدها إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً أنتم وَانْتَصَرُوا أنتم «١».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال:
حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري.
وأخبرنا ابن حمدون قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنّه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلّم حين أنزل الله سبحانه في الشعراء ما أنزل: يا رسول الله إنّ الله سبحانه وتعالى قد أنزل في الشعراء ما قد علمت فكيف ترى فيه؟
فقال النبىّ صلى الله عليه وسلّم: «إنّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل» «٢» [١٠٣].
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال:
حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنّ عمر مرّ بحسّان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: «أجب عنّي، اللهم أيّده بروح القدس» ؟ [١٠٤] قال: اللهم نعم «٣».
(٢) مسند أحمد: ٦/ ٣٨٧.
(٣) صحيح البخاري: ٤/ ٧٩.

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني قال: حدّثنا أحمد بن منيع قال: حدّثنا أبو معاوية قال: حدّثنا الشيباني عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لحسّان: «اهج المشركين فإنّ جبرئيل معك» «١» [١٠٥].
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أشركوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ أيّ مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم.
وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس رضي الله عنه (أيّ منقلب ينفلتون) بالفاء والتاء ومعناهما واحد.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا ابن عون عن إبراهيم قال: كان شريح يقول: سيعلم الظالمون حظّ من نقصوا، إنّ الظالم ينتظر العقاب، وإنّ المظلوم ينتظر النصر.