آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

أجداد ولم اظفر فيهم بنقل وعبد المطلب الأشبه انه لم تبلغه الدعوة لانه مات وسنه عليه السلام ثمان سنين والأشهر انه كان على ملة ابراهيم عليه السلام اى لم يعبد الأصنام كما سبق فى سورة براءة هَلْ أُنَبِّئُكُمْ خطاب لكفار مكة وكانوا يقولون ان الشياطين تتنزل على محمد فرد الله عليهم ببيان استحالة تنزلهم عليه بعد بيان امتناع تنزلهم بالقرآن. والمعنى هل أخبركم ايها المشركون: وبالفارسية [آيا خبر دهم شما را] عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ اى تتنزل بحذف احدى التاءين وكلمة من تضمنت الاستفهام ودخل عليها حرف الجر وحق الاستفهام ان يصدر فى الكلام فيقال أعلى زيد مررت ولا يقال على أزيد مررت ولكن تضمنه ليس بمعنى انه اسم فيه معنى الحرف بل معناه ان الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستعمل على بعد حذفه كما يقال فى هل أصله اهل ومعناه أقد فاذا ادخلت حرف الجر على من فقدر الهمزة قبل حرف الجر فى ضميرك كأنك تقول أعلى من تنزل تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ كثير الافك والكذب قال الراغب الافك كل مصروف عن وجهه الذي يحق ان يكون عليه أَثِيمٍ كثير الإثم وهو اسم للافعال المبطئة عن الثواب اى تتنزل على المتصفين بالإفك والإثم الكثير من الكهنة والمتنبئة كمسيلمة وطليحة لانهم من جنسهم وبينهم مناسبة بالكذب والافتراء والإضلال وحيث كانت ساحة رسول الله منزهة عن هذه الأوصاف استحال تنزلهم عليه يُلْقُونَ السَّمْعَ الجملة فى محل الجر على انها صفة كل أفاك اثيم لكونه فى معنى الجمع اى يلقى الأفاكون الاذن الى الشياطين فيتلقون منهم اوهاما وامارات لنقصان علمهم فيضمون إليها بحسب تخيلاتهم الباطلة خرافات لا يطابق أكثرها الواقع: وبالفارسية [فرو ميدارند كوش را بسخن شياطين وفرا ميكيرند از ايشان اخبار دروغ وديكر دروغها بآن اضافت ميكنند] وَأَكْثَرُهُمْ اى الأفاكين كاذِبُونَ فيما قالوه من الأقاويل وليس محمد كذلك فانه صادق فى جميع ما اخبر من المغيبات والأكثر بمعنى الكل: يعنى [همه ايشان بصفت كذب موصوفند] كلفظ البعض فى قوله (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) اى كله وذلك كما استعملت القلة فى معنى العدم فى كثير من المواضع وقال بعضهم ان الاكثرية باعتبار الأقوال لا باعتبار الذوات حتى يلزم من نسبة الكذب الى أكثرهم كون أقلهم صادقين وليس معنى الأفاك من لا ينطق الا بالإفك حتى يمتنع منه الصدق بل من يكثر الافك فلا ينافيه ان يصدق نادرا فى بعض الأحيان وقال فى كشف الاسرار استثنى منهم بذكر الأكثر سطيحا وشقا وسواد بن قارب الذين كانوا يلهجون بذكر رسول الله وتصديقه ويشهدون له بالنبوة ويدعون الناس اليه انتهى قال فى حياة الحيوان واما شق وسطيح الكاهنان فكان شق شق انسان له يد واحدة ورجل واحدة وعين واحدة وكان سطيح ليس له عظم ولا بنان انما كان يطوى كالحصير لم يدرك ايام بعثة رسول الله عليه السلام وكان فى زمن الملك كسرى وهو ساسان وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ يعنى ليس القرآن بشعر ولا محمد بشاعر لان الشعراء يتبعهم الضالون والسفهاء واتباع محمد ليسوا كذلك بل هم الراشدون المراجيح الرزان وكان شعراء الكفار يهجون رسول الله وأصحابه ويعيبون الإسلام فيتبعهم سفهاء

صفحة رقم 314

العرب حيث كانوا يحفظون هجاءهم وينشدون فى المجالس ويضحكون. ومن لواحق هذا المعنى ما قال ابن الخطيب فى روضته ذهب جماعة من الشعراء الى خليفة وتبعهم طفيلى فلما دخلوا على الخليفة قرأوا قصائدهم واحدا بعد واحد وأخذوا العطاء فبقى الطفيلي متحيرا فقيل له اقرأ شعرك قال لست انا بشاعر وانما انا رجل ضال كما قال الله تعالى (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) فضحك الخليفة كثيرا فامر له بانعام وقال بعضهم معنى الآية ان الشعراء تسلك مسلكهم وتكون من جملتهم الضالون عن سنن الحق لا غيرهم من اهل الرشد وفى التأويلات النجمية يشير الى ان الشعراء بحسب مقاماتهم ومطرح نظرهم ومنشأ قصدهم ونياتهم إذا سلكوا على أقدام التفكر مفاوز التذكر فى طلب المعاني ونظمها وترتيب عروضها وقوافيها وتدبير تجنيسها واساليبها تتبعهم الشياطين بالإغواء والإضلال ويوقعونهم فى الأباطيل والأكاذيب قال فى المفردات شعرت أصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمته فى الدقة كاصابة الشعر. قيل وسمى الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته فالشعر فى الأصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته وقوله تعالى (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) حمله كثير من المفسرين على انهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا ما جاء فى القرآن من كل لفظ يشبه الموزون من نحو وجفان كالجوابى وقدور راسيات وقال بعض المحصلين لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك انه ظاهر من هذا الكلام انه ليس على أساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتام من العجم فضلا عن بلغاء العرب وانما رموه بالكذب فان الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمى قوم الادلة الكاذبة شعرا ولهذا قال تعالى فى وصف عامة الشعراء (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) الى آخر السورة انتهى قال الامام المرزوقي شارح الحماسة تأخر الشعراء عن البلغاء لتأخر المنظوم عند العرب لان ملوكهم قبل الإسلام وبعده يتبجحون بالخطابة ويعدونها أكمل اسباب الرياسة ويعدون الشعر دناءة لان الشعر كان مكسبة وتجارة وفيه وصف اللئيم عند الطمع بصفة الكريم والكريم عند تأخر صلته بوصف اللئيم ومما يدل على شرف النثر ان الاعجاز وقع فى النثر دون النظم لان زمن النبي عليه السلام زمن الفصاحة أَلَمْ تَرَ يا من من شأنه الرؤية اى قد رأيت وعلمت أَنَّهُمْ اى الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من المدح والذم والهجاء والكذب والفحش والشتم واللعن والافتراء والدعاوى والتكبر والمفاخر والتحاسد والعجب والاراءة واظهار الفضل والدباءة والخسة والطمع والتكدي والذلة والمهانة واصناف الأخلاق الرذيلة والطعن فى الأنساب والاعراض وغير ذلك من الآفات التي هى من توابع الشعر يَهِيمُونَ يقال هام على وجهه من باب باع هيمانا بفتحتين ذهب من العشق او غيره كما فى المختار اى يذهبون على وجوههم لا يهتدون الى سبيل معين بل يتحيرون فى اودية القيل والقال والوهم والخيال والغى والضلال قال الراغب اصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين واديا ويستعار للطريقة

صفحة رقم 315
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية