آيات من القرآن الكريم

أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ
ﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴ ﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﰋﰌﰍ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖ ﲿ ﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾ ﰀﰁﰂﰃ ﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

عالم». ثم طلب النجاة من عقوبة عملهم أو سأل العصمة عن مثل عملهم ولقد عصمهم الله إِلَّا عَجُوزاً رضيت بفعلهم وأعانت على ذلك وكانت من أهله بحق الزواج وإن لم تشاركهم في الإيمان. ومعنى فِي الْغابِرِينَ إلا عجوزا مقدرا غبورها أي بقاؤها في الهلاك. واللام في الْمُنْذَرِينَ للجنس لتصلح الفاء علة فعل الذم والمخصوص محذوف أي ساء مطر جنس المنذرين مطر أولئك المعهودين والله أعلم.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٧٦ الى ٢٢٧]
كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠)
أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥)
وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠)
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥)
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠)
لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥)
ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠)
وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥)
فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢٢٠)
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)

صفحة رقم 282

القراآت:
ليكة بلام مفتوحة بعدها ياء ساكنة وبفتح التاء على أنها ممتنعة من الصرف للعلمية والتأنيث، وكذلك في «صاد» : أبو جعفر ونافع وابن كثير وابن عامر.
الآخرون الْأَيْكَةِ معروفا مجرورا. كِسَفاً بفتح السين: حفص غير الخزاز. الآخرون بسكونها رَبِّي أَعْلَمُ بفتح الياء: نافع وأبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ونَزَلَ بِهِ مخففا الرُّوحُ الْأَمِينُ مرفوعين: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص وأبو زيد عن المفضل وزيد عن يعقوب. الباقون نزل مشددا الرُّوحُ الْأَمِينُ منصوبين أولم تكن بتاء التأنيث آية بالرفع: ابن عامر. الباقون بالياء التحتانية. آيَةً بالنصب: فتوكل بالفاء: أبو جعفر ونافع وابن عامر. الباقون بالواو مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ بتشديد التاء وكذلك تنزل البزي وابن فليح يتبعهم بالتخفيف: نافع وادي بالياء في الوقف:
يعقوب والسرنديبي عن قنبل وقرأ قتيبة بالإمالة.
الوقوف:
الْمُرْسَلِينَ ج هـ تَتَّقُونَ هـ أَمِينٌ هـ لا وَأَطِيعُونِ هـ ج أَجْرٍ ج الْعالَمِينَ هـ ط الْمُخْسِرِينَ ج هـ الْمُسْتَقِيمِ ج هـ مُفْسِدِينَ ج هـ الْأَوَّلِينَ هـ ط الْمُسَحَّرِينَ هـ لا الْكاذِبِينَ هـ ج نصف آي القرآن الصَّادِقِينَ هـ ط تَعْمَلُونَ هـ الظُّلَّةِ ط عَظِيمٍ هـ لَآيَةً ط مُؤْمِنِينَ هـ الرَّحِيمُ هـ الْعالَمِينَ هـ الْأَمِينُ هـ لا الْمُنْذِرِينَ هـ لا مُبِينٍ هـ الْأَوَّلِينَ هـ إِسْرائِيلَ ط هـ الْأَعْجَمِينَ هـ لا مُؤْمِنِينَ هـ ط الْمُجْرِمِينَ هـ ط بناء على أن لا يُؤْمِنُونَ مستأنف للبيان ولو جعل حالا فلا وقف الْأَلِيمَ هـ لا لا يَشْعُرُونَ هـ لا مُنْظَرُونَ هـ ط يَسْتَعْجِلُونَ هـ سِنِينَ هـ لا للعطف يُوعَدُونَ هـ لا لأن قوله ما أَغْنى جملة نفي أو استفهام قامت مقام الشرط يُمَتَّعُونَ هـ ط مُنْذِرُونَ هـ وقد يوقف عليها بناء على أن ذِكْرى ليس بمفعول له والمراد ذكرناهم والوقف على ذِكْرى جائز ظالِمِينَ هـ الشَّياطِينُ هـ يَسْتَطِيعُونَ هـ ط لَمَعْزُولُونَ هـ ط الْمُعَذَّبِينَ ج هـ الْأَقْرَبِينَ ج هـ للعطف الْمُؤْمِنِينَ هـ تَعْمَلُونَ هـ ج الرَّحِيمِ هـ لا تَقُومُ
هـ لا السَّاجِدِينَ هـ الْعَلِيمُ هـ الشَّياطِينُ هـ ط لانتهاء الاستفهام إلى الأخبار أَثِيمٍ ج هـ بناء على أن يُلْقُونَ حال من ضمير الشَّياطِينُ أي تنزل ملقين السمع أو صفة ل كُلِّ أَفَّاكٍ وإن جعل مستأنفا كأن قائلا قال: لم تنزل؟ فقيل: يفعلون كيت وكيت فلك الوقف. كاذِبُونَ

صفحة رقم 283

هـ ط الْغاوُونَ هـ ط يَهِيمُونَ هـ لا لا يَفْعَلُونَ هـ ظُلِمُوا ط يَنْقَلِبُونَ هـ.
التفسير:
القصة السابعة قصة شعيب وأنه كان أخا مدين دون أصحاب الأيكة ولهذا لم يقل «أخوهم شعيب».
يروى أن أصحاب الأيكة كانوا أصحاب شجر ملتف وكان شجرهم الدوم وهي التي حملها المقل.
قال في الكشاف: قرىء أصحاب ليكة بتخفيف الهمزة وبالجر على الإضافة وهو الوجه، ومن قرأ بالنصب وزعم أن ليكة بوزن ليلة اسم بلد فتوهم قاد إليه خط المصحف في هذه السورة وفي سورة ص، ثم اعترض عليه بأن ليكة اسم لا يعرف. قلت: إنه لا يلزم من عدم العلم بالشيء عدم ذلك الشيء، والظن بالمتواتر يجب أن يكون أحسن من ذلك. أمرهم شعيب بإيفاء الكيل ونهاهم عن الإخسار وهو التطفيف وأن يجعل الشخص خاسرا فكأنه أمره بالإيفاء مرتين توكيدا ثم زاد في البيان بقوله. وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وقد مر في سورة سبحان. قال في الكشاف: إن كان من القسط وهو العدل وجعلت السين مكررة فوزنه «فعلاس» وإلا فهو رباعي. قلت: إن كان مكررا فوزنه «فعلال» أيضا. وقوله وَلا تَبْخَسُوا تأكيدا آخر وقد سبق في «هود». والجبلة الخليقة حذرهم الله الذي تفضل عليهم بخلقهم وخلق من تقدمهم ممن لولا خلقهم لما كانوا مخلوقين. قال في الكشاف: الفرق بين إدخال الواو هاهنا في قوله وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ وبين تركها في قصة ثمود هو أنه قصد هاهنا معنيان منافيان عندهم للرسالة: كونه مسحرا وكونه بشرا وهناك جعل المعنى الثاني مقررا للأول. قلت: الفرق بين والإشكال في تخصيص كل من القصتين بما خصت به، ولعل السبب فيه هو أن صالحا قلل في الخطاب فقللوا في الجواب، وأكثر شعيب في الخطاب ولهذا قيل له خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب. «وإن» في قولهم وَإِنْ نَظُنُّكَ هي المخففة من الثقيلة عملت في ضمير شأن مقدر. واللام في قوله لَمِنَ الْكاذِبِينَ هي الفارقة. والكسف بالسكون والحركة جمع كسفة وهي القطعة وقد مر في سبحان في اقتراحات قريش. والمعنى إن كنت صادقا في دعوة النبوة فادع الله أن يسقط علينا قطع السماء. وإنما طلبوا ذلك لاستبعادهم وقوعه فأرادوا بذلك إظهار كذبه فحلم عنهم شعيب ولم يدع عليهم بل فوض الأمر إلى الله بقوله: رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ
يروى أن شعيبا بعث إلى أمتين: أصحاب مدين وأصحاب الأيكة. فأهلكت مدين بصيحة جبرائيل، وأهلكت أصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة
وذلك إنه حبس عنهم الريح سبعا وسلط عليهم الحرّ فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظل ولا ماء ولا شراب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى الصحراء فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا.

صفحة رقم 284

وحين سلى رسول الله ﷺ بهذه القصص المؤكدة بالمكررات المختتمة بالمقررات عاد إلى مخاطبته قائلا وَإِنَّهُ أي وإن الذي نزل عليك من الأخبار لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ أي منزله. والباء في نَزَلَ بِهِ على القراءتين للتعدية ولكنها في قراءة التشديد تقتضي مفعولا آخر هو الروح أي جعل الله تعالى الروح الأمين نازلا به على قلبك محفوظا مفهوما لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ من الذين أنذروا بهذا اللسان وهم خمسة: هود وصالح وشعيب وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم. ويجوز أن يكون قوله بِلِسانٍ متعلقا ب نَزَلَ أي نزله بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ لتنذر به فإنه لو نزله بالأعجمي لقالوا: ما نصنع بما لا نفهمه. ومن هذا الوجه ينشأ فائدة أخرى لقوله عَلى قَلْبِكَ أي نزلناه بحيث تفهمه ولو كان أعجميا لكان نازلا على سمعك دون قلبك.
والظاهر من نقل أئمة اللغة أن القلب والفؤاد مترادفان. ونقل الإمام فخر الدين الرازي عن بعضهم أن القلب هو العلقة السوداء في جوف الفؤاد وذكر كلاما طويلا في أن محل العقل هو القلب دون الدماغ وهو المخاطب في الحقيقة فلهذا قال نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ ونحن قد تركناه لقلة تعلقه بالمقام ولضعف دلائله مع مخالفته لما عليه معظم أرباب المعقول. قوله وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ يعني أن ذكر القرآن مثبت في الكتب السماوية للأمم المتقدمة، وإن معاني القرآن في تلك الزبر. وقد يحتج به لأبي حنيفة في جواز القراءة بالفارسية في الصلاة. وقيل: الضمير فيه وفي أَنْ يَعْلَمَهُ للنبي ﷺ وأنه حجة ثابتة على نبوته قد شهد بها علماء بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره من الذين أسلموا منهم واعترفوا أن نعته وصفته في كتبهم مذكور، وكان مشركوا قريش يذهبون إلى اليهود يتعرفون منهم هذا الخبر.
من قرأ يَكُنْ بالتذكير وآيَةً بالنصب على الخبر والاسم أَنْ يَعْلَمَهُ فظاهر، ومن قرأ تكن بالتأنيث وآيَةً بالرفع على الاسم والخبر أَنْ يَعْلَمَهُ فقيل: ليست بقوية لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا. ويمكن أن يجاب بأن الفعل المضارع مع أن ليس من المعارف الصريحة، وقد توجه هذه القراءة بتقدير ضمير القصة في تكن وجملته آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ ولَهُمْ لغوا أو لَهُمْ آيَةً وأَنْ يَعْلَمَهُ بدل من آية. قال جار الله: إنما كتب علموء بالواو على لغة من يميل الألف إلى الواو ولذلك كتبت الصلاة والزكوة بالواو. ثم أكد بقوله وَلَوْ نَزَّلْناهُ ما مر من آية لو نزله بالأعجمي فقرأه عليهم بعض الأعجمين لم يؤمنوا به لأنهم لم يكونوا يفهمونه. وقال جار الله: معناه ولو نزلناه على بعض الأعاجم الذي لا يحسن العربية فضلا أن يقدر على نظم مثله فقرأه عليهم هكذا فصيحا معجزا متحدّى به لكفروا به كما كفروا ولتمحلوا لجحودهم عذرا ولسموه سحرا. ثم قال كَذلِكَ أي مثل هذا السلك سَلَكْناهُ في قلوبهم وقررناه فيها فعلى أيّ وجه دبر أمرهم فلا سبيل إلى تغييرهم عما هم

صفحة رقم 285

عليه من الإنكار والإصرار، وقد سبق مثل هذه الآية في أول «الحجر». والحاصل أنهم لا يزالون على التكذيب حتى يعاينوا الوعيد، وفيه تسلية لرسول الله ﷺ فإن اليأس إحدى الراحتين. قال في الكشاف: ليس الفاء في قوله فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَيَقُولُوا لأجل ترادف العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة، وإنما المعنى ترتيبها في الشدة كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى تكون رؤيتهم العذاب فما هو أشد منها وهو لحوقه بهم مفاجأة. فما هو أشد منه وهو سؤالهم النظرة. نظيره قولك: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، لا تريد الترتيب في الوجود ولكن في الشدة. قلت: هذا معنى صحيح ولكن لا مانع من إرادة الترتيب والتعذيب في الوجود يظهر بالتأمل إن شاء الله العزيز. ثم نكرهم بقوله أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ وفيه إنكار وتهكم أي كيف يستعجل العذاب من لا طاقة له به حتى استمهل بعد أن كان من العمر في مهلة؟ وجوز في الكشاف أن يكون يَسْتَعْجِلُونَ حكاية حال ماضية يوبخون بها عند استنظارهم، أو يكون متصلا بما بعده وذلك أنهم اعتقدوا العذاب غير كائن فلذلك استعجلوه وظنوا أنهم يمتعون بأعمار طوال في سلامة وأمن، فأنكر الله عليهم استعجالهم الصادر عن الأشر والبطر والاستهزاء والاتكال على طول الأمل. ثم قال: هب أن الأمر كما ظنوه من التمتع والتعمير فإذا لحقهم الوعيد أو الأجل أو القيامة هل ينفعهم ذلك؟. عن ميمون بن مهران أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له: عظني فتلا عليه هذه الآية فقال له ميمون: لقد وعظت فأبلغت.
ثم بين أنه ما أهلك قرية إلا بعد إلزام الحجة بإرسال المنذرين إليهم ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم، وعلى هذا يكون ذِكْرى متعلقة ب أَهْلَكْنا مفعولا له. ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا ل أَنْذِرْ بمعنى التذكرة فإن أَنْذِرْ وذكر متقاربان، أو حالا من الضمير في مُنْذِرُونَ أو مفعولا له متعلقا به أي ينذرونهم ذوي تذكرة أو لأجل الموعظة والتذكير، أو التقدير: هذه ذكرى فالجملة اعتراض. ويجوز أن يكون صفة ل مُنْذِرُونَ على حذف المضاف أي ذوو ذكرى، أو جعلوا ذكرى لبلوغهم في التذكرة أقصى غاياتها.
والبحث عن وجود الواو وعدمه في مثل هذا التركيب قد مر في أول الحجر في قوله وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [الحجر: ٤] إلا أنا نذكر هاهنا سبب تخصيص تلك الآية بالواو وهذه بعدم الواو فنقول: لا ريب أن الواو تفيد مزيد الربط والاجتماع في الحال وفي الوصف إن جوزتا: فسواء قدرنا الجملتين أعني قوله وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ [الحجر:
٤] وقوله لَها مُنْذِرُونَ حالا أو وصفا فالمقام يقتضي ورود النسق على ما ورد، وذلك أن قوله وَلَها كِتابٌ صفة لازمة للقرية فإن الكتب في اللوح وصف أزلي فناسب أن يكون في

صفحة رقم 286

اللفظ ما يدل على اللزوم واللصوق وهو الواو، ثم زيد في التأكيد بقوله مَعْلُومٌ وبقوله ما تَسْبِقُ وهذا بخلاف قوله لَها مُنْذِرُونَ فإنها صفة حادثة فأطلقت وجود صدر الجملة عن الواو لذلك والله أعلم. ثم إنه لما احتج على صدق محمد ﷺ بكون القرآن معجزا منزلا من رب العالمين مشتملا على معاني كتب الأولين وكان الكفار يقولون إنه من إلقاء الجن كحال الكهنة أراد أن يزيل شبهتهم بقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ التنزل بالوحي وَما يَسْتَطِيعُونَ. ثم بين عدم اقتدارهم بقوله إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ أي عن سماع كلام أهل السماء لَمَعْزُولُونَ وذلك بواسطة رجم الشهب كما أخبر عنه الصادق والمعجزات يتساند بعضها ببعض، ولو فرض أنهم غير مرجومين بالشهب فالعقل يدل على أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى منه بشأن العدو، وكان محمد ﷺ يلعن الشياطين ويأمر الناس بلعنهم فلو كان الغيب بإلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم ذلك. وحين أثبت حقية القرآن أمر نبيه بجوامع مكارم الأخلاق ومحاسن العادات قائلا فَلا تَدْعُ والمراد أمته كما مر في نظائره من قوله وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [البقرة:
١٢٠] وغير ذلك وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فيه أن الاهتمام بشأن من هو أقرب إلى المرء أولى. وفيه أنه يجب أن لا يأخذه في باب التبليغ ما يأخذ القريب للقرب من المساهلة ولين الجانب.
يروى أنه ﷺ لما نزلت الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب فخذا فخذا وقال: يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله، إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من المال ما شئتم.
وروي أنه جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس على رجل شاة، فأكلوا وشربوا حتى شبعوا ثم أنذرهم فقال: يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
قوله وَاخْفِضْ جَناحَكَ قد مر تفسيره في آخر «الحجر» وفي «سبحان» وزاد هاهنا لِمَنِ اتَّبَعَكَ كيلا يذهب الوهم إلى أن خفض الجناح وهو التواضع ولين الجانب مختص بالمؤمنين من عشيرته. وإنما لم يقتصر على قوله لِمَنِ اتَّبَعَكَ لأن كثيرا منهم كانوا يتبعونه للقرابة والنسب لا للدين. وقال في الكشاف: سبب الجمع بين اللفظين هو أنه سماهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك، أو أراد بالمؤمنين المصدّقين بالألسنة فزاد قوله لِمَنِ اتَّبَعَكَ ليخرج من صدّق باللسان دون الجنان، أو صدق بهما ولم يتبعه في العمل. وحين أمره بالتواضع لأهل الإخلاص في الإيمان أمره بالتبرئة من أرباب العصيان. فاستدل الجبائي به على أن الله تعالى أيضا بريء من عملهم فكيف يكون فاعلا له؟! وأجيب بأنه إن أراد ببراءة الله أنه ما أمر بها فمسلم، وإن أراد أنه لا

صفحة رقم 287

يريدها فممنوع لانتهاء جميع الحوادث إلى إرادته ضرورة قوله وَتَوَكَّلْ معطوف على قوله فَلا تَدْعُ أو على قوله فَقُلْ أمره بتفويض الأمر في دفع أعاديه إلى العزيز الذي يقهر من ناوأ أولياءه الرحيم الذي لا يخذل من ينصر دينه. قال بعض العلماء: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما فيه معصية الله عز وجل، ولو وقع في محنة واستعان في دفعها ببعض المخلوقين لم يخرج من حد المتوكلين، ثم عدد مواجب الرحمة وهي رؤيته قيامه وتقلبه في الساجدين أي في المصلين. وللمفسرين فيه وجوه منها: ما
روي أنه حين نسخ فرض التهجد طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه حرصا عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات فوجدها كبيوت الزنابير ذكرا وتلاوة.
فالمراد بتقلبه في الساجدين تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم كيف يعملون لآخرتهم. ومنها أن المراد تصرفه فما بين المؤمنين به بالقيام والركوع والسجود والقعود. ويروى عن مقاتل أنه استدل به على وجود فضل صلاة الجماعة في القرآن. ومنها أنه إشارة إلى ما
جاء في الحديث «أتموا الركوع والسجود فو الله إني لأراكم من خلف ظهري»
فالتقلب تقلب بصره فيمن يصلي خلفه.
وقيل: أراد أنه لا يخفى علينا كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين. وقد احتج بالآية علماء الشيعة على مذهبهم أن آباء النبي ﷺ لا يكونون كفارا. قالوا: أراد تقلب روحه من ساجد إلى ساجد كما
في الحديث المعتمد عليه عندهم «لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»
وناقشهم أهل السنة في التأويل المذكور وفي صحة الحديث. والأصوب عندي أن لا نشتغل بمنع أمثال هذه الدعوى ونسرح إلى بقعة الإمكان على أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول.
ثم أكد قوله وما تنزلت به الشياطين بقوله هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ قال في الكشاف: تقديره أعلى من تنزل؟ ليكون الاستفهام في صدر الكلام كقولك: أعلى زيد مررت؟ قلت: هذا تكلف بارد لأن الاستفهام في «من» ضمني لا يصرح به قط. والأفاك الكثير الإفك، والأثيم مبالغة آثم وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح ومسيلمة وأمثالهما. والضمير في يُلْقُونَ عائد إلى الشياطين كانوا قبل الرجم بالشهب يختطفون بعض الغيوب من الملأ الأعلى بإلقاء السَّمْعَ أي بالإصغاء ثم يرجعون به إلى أوليائهم وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ لأنهم يخلطون الحق المسموع بكلامهم الباطل كما
جاء في الحديث «الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة».
والقر الصب. وقيل: السمع بمعنى المسموع أي يلقي الشياطين إلى أوليائهم ما يسمعونه من الملائكة. ويحتمل أن يكون الضمير في:
يُلْقُونَ للأفاكين والسمع الأذن أو المسموع أي يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون

صفحة رقم 288

وحيهم، أو يلقون المسموع من الشياطين إلى الناس. وإنما لم يقل «وكلهم كاذبون» لأن الكذوب قد يصدق فيصدق عليه أنه صادق في الجملة لأن هذه عبارة الفصحاء لا يحكمون حكما كليا ما لم تدع إليه ضرورة. والحاصل أنهم كانوا يقيسون حال النبي ﷺ على حال الكهنة فقيل لهم: إن الأغلب على الكهنة الكذب ولم يظهر من أحوال محمد ﷺ إلا الصدق، فكيف يكون كاهنا؟ ثم بين ما يعرف منه أن النبي ليس بشاعر كما أنه ليس بكاهن فقال وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قيل: أي الشياطين. والأظهر أنهم الذين يروون أشعارهم وكان شعراء قريش مثل عبد الله بن الزبعري وأمية بن أبي الصلت يهجون النبي ﷺ ويجتمع إليهم الأعراب من قومهم يستمعون أهاجيهم فنزلت. ثم بين غوايتهم بقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وهو تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول يمدحون إنسانا معينا تارة ويذمونه أخرى غالين في كلا الطرفين مستعملين التخيل في كل ما يرومونه. وذكر من قبائح خصالهم أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عند الطلب والدعاوي ما لا يَفْعَلُونَ ولعمري إنها خصلة شنعاء تدل على الدناءة واللؤم.

قالوا وما فعلوا وأين هم من معشر فعلوا وما قلوا
وعن الفرزدق أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله:
فبتن بجانبيّ مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
فقال: وجب عليك الحد. قال: قد درأ الله عني الحد يا أمير المؤمنين وتلا الآية. ثم استثنى الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم الذكر والفكر فيما لا بأس به من المواعظ والنصائح، ومدح الحق وذويه، ويكون هجاؤهم على سبيل الانتصار ممن يهجوهم مثل عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن زهير كانوا ينافحون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن كعب بن مالك أن رسول الله ﷺ قال له: اهجهم فو الذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من النبل. وكان يقول لحسان: هاجهم وروح القدس معك.
والحاصل أن النظر في الشعر إلى المعنى لا على مجرد النظم والروي. فإن كان المعنى صحيحا مطابقا للحق والصدق فلا بأس بإدخاله في سلك النظم والقافية بل لعل النظم يروجه ويهيج الطبع على قبوله وهو الذي عناه صلى الله عليه وسلم
«إن من الشعر لحكما» «١».
وإن كان المعنى فاسدا والغرض غير صحيح فهو
(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ٩٠. أبو داود في كتاب الأدب باب ٨٧. الترمذي في كتاب الأدب باب ٦٩. ابن ماجة في كتاب الأدب باب ٤١. الدارمي في كتاب الاستئذان باب ٦٨. أحمد في مسنده (٣/ ٤٥٦).

صفحة رقم 289

الذي توجه الذم إليه. وللانتصار حد معلوم وهو أن لا يزيد على الجواب لقوله تعالى:
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ [البقرة: ١٩٤]
وقال ﷺ «المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يتعدى المظلوم» «١»
ثم ختم السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا خصصه بعضهم بالشعراء إذا خرجوا عن حد الإنصاف، ومالوا إلى الجور والاعتساف، ولعله عام يتناول لكل من ظلم نفسه بالإعراض عن تدبر ما في هذه السورة بل القرآن كله. وقوله أَيَّ مُنْقَلَبٍ صفة لمصدر محذوف والعامل يَنْقَلِبُونَ أي ينقلبون في الدركات السفلى انقلابا أيّ منقلب ولا يعمل فيه سَيَعْلَمُ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وعن ابن عباس أنه قرأه بالفاء والتاء والمراد سيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة.
التأويل:
ولو نزلناه على بعض الأعجميين فيه إظهار القدرة من وجهين: الأول جعل الأعجمي بحيث يقرأ العربي عليهم كقول القائل: أمسيت كرديا وأصبحت عربيا.
والثاني أن أهل الإنكار لا يصيرون أهل الإقرار ولو أتاهم مثل هذا الإعجاز البين، وذلك لأن الله كذلك يسلكه في قلوبهم فيأتيهم عذاب البعد والطرد في الدنيا بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ لأنهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا فيقولون هل نحن منظرون. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ لأنهم خلقوا من النار والقرآن نور قديم فلا يكون للنار المخلوقة قوة حمل النور القديم، ولهذا تستغيث النار من نور المؤمن وتقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي. فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ لأن كل من طلب مع الله شيئا آخر حتى الجنة فله عذاب البعد والحرمان من الله.
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ فيه أن النسب نسب النفوس فإن أكل المرء يشبعه ولا يشبع ولده. إلا إذا أكل الطعام كما أكل والده وهذا معنى المتابعة. إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ لم يقل
«إني بريء منكم»
لأن المراد لا تبرأ منهم وقل لهم قولا جميلا بالنصح والموعظة الحسنة حتى يرجعوا ببركة دعوتك إلى القول الحق، أو ينالوا الجنة بواسطة شفاعتك. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ بأن خلق روح كل ساجد من روحك. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ في الأزل مقالتك «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» لأن أرواحهم خلقت من روحك الْعَلِيمُ باستحقاقك لهذه الكرامة الله تعالى حسبي.

(١) رواه مسلم في كتاب البر حديث ٦٩. أبو داود في كتاب الأدب باب ٣٩. الترمذي في كتاب البر باب ٥١. أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٥، ٤٨٨) (٤/ ١٦٢).

صفحة رقم 290
غرائب القرآن ورغائب الفرقان
عرض الكتاب
المؤلف
نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري
تحقيق
زكريا عميرات
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1416
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية