آيات من القرآن الكريم

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ
ﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ١٤١ إِلَى ١٤٥]

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥)
موقع هَذِه الْجُمْلَةِ اسْتِئْنَافُ تَعْدَادٍ وَتَكْرِيرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشُّعَرَاء: ١٢٣]. وَالْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَاتِ مِثْلُ الْكَلَامِ عَلَى نَظِيرِهَا فِي قصَّة قوم نُوحٍ، وَثَمُودَ قَدْ كَذَّبُوا الْمُرْسَلِينَ لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا صَالِحًا وَكَذَّبُوا هُودًا لِأَنَّ صَالِحًا وَعَظَهُمْ بِعَادٍ فِي قَوْلِهِ:
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٧٤] وَبِتَكْذِيبِهِمْ كَذَّبُوا بِنُوحٍ أَيْضًا، لِأَنَّ هُودًا ذَكَّرَ قَوْمَهُ بِمَصِيرِ قَوْمِ نُوحٍ فِي آيَةِ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ [الْأَعْرَاف: ٦٩].
وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ ثَمُودَ وَصَالِحٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [٧٣]، وَكَانَ صَالِحٌ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يُرْسَلُ رَسُولٌ إِلَّا وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَضَائِلِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته [الْأَنْعَام: ١٢٤] وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُمْ إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ [الشُّعَرَاء: ١٥٣] الْمُقْتَضِي تَغْيِيرَ حَالِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمِهِ قالُوا يَا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا فِي سُورَةِ هُودٍ [٦٢]. وَحَذْفُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ أَطِيعُونِ هُوَ مِثْلُ نَظَائِرِهِ الْمُتَقَدّمَة آنِفا.
[١٤٦- ١٥٢]
[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : الْآيَات ١٤٦ إِلَى ١٥٢]
أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠)
وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢)
كَانُوا قَدْ أَعْرَضُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ وَغَرَّهُمْ أَيِمَّةُ كُفْرِهِمْ فِي ذَلِكَ فَجَاءَهُمْ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَسُولًا يُذَكِّرُهُمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِمَا مَكَّنَ لَهُمْ مِنْ خَيْرَاتٍ، وَمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنْ أَعْمَالٍ عَظِيمَةٍ، وَنُزِّلَ حَالُهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَظُنُّ الْخُلُودَ وَدَوَامَ النِّعْمَةِ فَخَاطَبَهُمْ بِالِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ التَّوْبِيخِيِّ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى إِنْكَارٌ عَلَى

صفحة رقم 174

ظَنِّهِمْ ذَلِكَ، وَسَلَّطَ الْإِنْكَارَ عَلَى فِعْلِ التَّرْكِ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ لَا يَكُونُ. فَكَانَ إِنْكَارُ حُصُولِهِ مُسْتَلْزِمًا إِنْكَارَ اعْتِقَادِهِ.
وَهَذَا الْكَلَامُ تَعْلِيلٌ لِلْإِنْكَارِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: أَلا تَتَّقُونَ [الشُّعَرَاء: ١٤٢] لِأَنَّ الْإِنْكَارَ
عَلَيْهِمْ دَوَامَ حَالِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُفَارِقُونَ هَذِهِ الْحَيَاةَ وَصَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ.
وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْعَمَلِ لِاسْتِبْقَاءِ تِلْكَ النِّعَمِ بِأَنْ يَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ صَاحِبُ «الْحِكَمِ» «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النِّعَمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِهَا وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِهَا».
وهاهُنا إِشَارَةٌ إِلَى بِلَادِهِمْ، أَيْ فِي جَمِيعِ مَا تُشَاهِدُونَهُ، وَهَذَا إِيجَازٌ بَدِيعٌ.
وآمِنِينَ حَال مبينَة لِبَعْضِ مَا أجمله قَوْله: فِي مَا هاهُنا. وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى نِعْمَةٍ عَظِيمَةٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا اسْمُ الْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا لَا يُشَارُ إِلَيْهَا وَهِيَ نِعْمَةُ الْأَمْنِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَلَا يُتَذَوَّقُ طَعْمُ النِّعَمِ الْأُخْرَى إِلَّا بِهَا.
وَقَوْلُهُ: فِي جَنَّاتٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّقَ بِ آمِنِينَ لِيَكُونَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ تَفْصِيلًا لِإِجْمَالِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَيِ اجْتَمَعَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَرَفَاهِيَةُ الْعَيْشِ. وَالْجَنَّاتُ: الْحَوَائِطُ الَّتِي تُشَجَّرُ بِالنَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ.
وَالطَّلْعُ: وِعَاءٌ يَطْلُعُ مِنَ النَّخْلِ فِيهِ ثَمَرُ النَّخْلَةِ فِي أَوَّلِ أَطْوَارِهِ يَخْرُجُ كَنَصْلِ السَّيْفِ فِي بَاطِنِهِ شَمَارِيخُ الْقِنْوِ، وَيُسَمَّى هَذَا الطَّلْعُ الْكِمُّ (بِكَسْرِ الْكَافِ) وَبَعْدَ خُرُوجِهِ بِأَيَّامٍ يَنْفَلِقُ ذَلِكَ الْوِعَاءُ عَنِ الشَّمَارِيخِ وَهِيَ الْأَغْصَانُ الَّتِي فِيهَا الثَّمَرُ كَحَبٍّ صَغِيرٍ، ثُمَّ يَغْلُظُ وَيَصِيرُ بُسْرًا ثُمَّ تَمْرًا.
وَالْهَضِيمُ: بِمَعْنَى الْمَهْضُومِ، وَأَصْلُ الْهَضْمِ شَدْخُ الشَّيْءِ حَتَّى يَلِينَ، وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِلدَّقِيقِ الضَّامِرِ، كَمَا يُقَالُ: امْرَأَةٌ هَضِيمُ الْكَشْحِ. وَتِلْكَ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ تَمْرًا جَيِّدًا.
وَالنَّخْلُ الَّذِي يُثْمِرُ تَمْرًا جَيِّدًا يُقَالُ لَهُ: النَّخْلُ الْإِنَاثُ وَضِدَّهُ فَحَاحِيلُ، وَهِيَ جُمَعُ فُحَّالٍ (بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ) أَيْ ذَكَرٌ، وَطَلْعُهُ غَلِيظٌ وَتَمْرُهُ كَذَلِكَ.
وَخُصَّ النَّخْلُ بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا تَشْمَلُهُ الْجَنَّاتُ لِقَصْدِ بَيَانِ جَوْدَتِهِ بِأَنَّ طَلْعَهُ هَضِيمٌ.

صفحة رقم 175

وتَنْحِتُونَ عَطْفٌ عَلَى آمِنِينَ، أَيْ وَنَاحِتِينَ، عَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ فِي نَحْتِهِمْ بُيُوتًا مِنَ الْجِبَالِ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وفرهين صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْفَاءِ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَرَاهَةِ وَهِيَ الْحَذَقُ وَالْكَيَاسَةُ، أَيْ عَارِفِينَ حَذِقِينَ بِنَحْتِ الْبُيُوتِ مِنَ الْجِبَالِ بِحَيْثُ تَصِيرُ بِالنَّحْتِ كَأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ فارِهِينَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ.
وَقَوْلُهُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ مُفَرَّعٌ مِثْلُ نَظِيرِهِ فِي قِصَّةِ عَادٍ.
وَالْمُرَادُ بِ الْمُسْرِفِينَ أَيِمَّةُ الْقَوْمِ وَكُبَرَاؤُهُمُ الَّذِينَ يُغْرُونَهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَيُبْقُونَهُمْ فِي الضَّلَالَةِ اسْتِغْلَالًا لِجَهْلِهِمْ وَلِيُسَخِّرُوهُمْ لِفَائِدَتِهِمْ. وَالْإِسْرَافُ: الْإِفْرَاطُ فِي شَيْءٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِسْرَافُ الْمَذْمُومُ كُلُّهُ فِي الْمَالِ وَفِي الْكُفْرِ، وَوَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فَالْإِسْرَافُ مَنُوطٌ بِالْفَسَادِ.
وَعَطْفُ وَلا يُصْلِحُونَ عَلَى جُمْلَةِ: يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ تَأْكِيدٌ لِوُقُوعِ الشَّيْءِ بِنَفْيِ ضِدِّهِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى [طه: ٧٩] وَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجُهْنَيِّ:
النَّسَبُ الْمَعْرُوفُ غَيْرُ الْمُنْكَرِ يُفِيدُ أَنَّ فَسَادَهُمْ لَا يَشُوبُهُ صَلَاحٌ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: الَّذِينَ إِنَّمَا هُمْ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، فَعُدِلَ عَنْ صِيغَةِ الْقَصْرِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ أَنَّهُ قَصْرُ مُبَالِغَةٍ لِأَنَّ نَفْيَ الْإِصْلَاحِ عَنْهُمْ يُؤَكِّدُ إِثْبَاتَ الْإِفْسَادِ لَهُمْ، فَيَتَقَرَّرُ ذَلِكَ فِي الذِّهْنِ، وَيَتَأَكَّدُ مَعْنَى إِفْسَادِهِمْ بِنَفْيِ ضِدّه كَقَوْل السموأل أَوِ الْحَارِثِيِّ:

تَسِيلُ عَلَى حَدِّ الظُّبَاتِ نُفُوسُنَا وَلَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّبَاتِ تَسِيلُ
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَرْضِ تَعْرِيف الْعَهْد.

صفحة رقم 176
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية