آيات من القرآن الكريم

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ
ﭮﭯﭰ

وَذَلِكَ أَنَّ الرِّيحَ كَانَتْ تَأْتِي الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَتَقْتَلِعُهُ وَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ، ثُمَّ تُنَكِّسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فَتَشْدَخُ دِمَاغَهُ، وَتَكْسِرُ رَأْسَهُ، وَتُلْقِيهِ، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ. وَقَدْ كَانُوا تَحَصَّنُوا فِي الْجِبَالِ وَالْكُهُوفِ وَالْمَغَارَاتِ، وَحَفَرُوا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَى أَنْصَافِهِمْ، فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ ذَلِكَ (١) مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا، ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ [نُوحٍ: ٤] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٤٥) ﴾
وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَالِحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمِ ثَمُودَ، وَكَانُوا عَرَبًا يَسْكُنُونَ مَدِينَةَ الحجْر، الَّتِي بَيْنَ وَادِي القُرَى وَبِلَادِ الشَّامِ، وَمَسَاكِنُهُمْ مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي "سُورَةِ الْأَعْرَافِ" (٢) الْأَحَادِيثَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مُرُورِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ حِينَ أَرَادَ غَزْوَ الشَّامِ، فَوَصَلَ (٣) إِلَى تَبُوك، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ. وَقَدْ كَانُوا بَعْدَ عَادٍ وَقَبْلَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَدَعَاهُمْ نَبِيُّهُمْ صَالِحٌ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنْ يُطِيعُوهُ فِيمَا بَلَّغَهُمْ مِنَ الرِّسَالَةِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ. فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِدَعْوَتِهِمْ أَجْرًا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَطْلَبُ ثَوَابَ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ ذَكَّرَهُمْ آلَاءَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فقال:
﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَا هُنَا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) ﴾
يَقُولُ لَهُمْ وَاعِظًا لَهُمْ وَمُحَذِّرًا إِيَّاهُمْ نِقَمَ (٤) اللَّهِ أَنْ تَحِلَّ بِهِمْ، وَمُذَكِّرًا بِأَنْعُمِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا رَزَقَهُمْ مِنَ الْأَرْزَاقِ الدَّارَّةِ، وَجَعَلَهُمْ فِي أَمْنٍ مِنَ الْمَحْذُورَاتِ. وَأَنْبَتَ لَهُمْ مِنَ الْجَنَّاتِ (٥)، وَأَنْبَعَ لَهُمْ مِنَ الْعُيُونِ الْجَارِيَاتِ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الزُّرُوعِ وَالثَّمَرَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾. قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْنَعَ وبَلَغ، فَهُوَ هَضِيمٌ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ يَقُولُ: مُعشبة.
[وَ] (٦) قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو -وَقَدْ أَدْرَكَ الصَّحَابَةَ -عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾ قَالَ: إِذَا رطُب وَاسْتَرْخَى. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: ورُوي عَنْ أَبِي صالح نحو هذا.

(١) في ف، أ: "لم يغن ذلك عنهم".
(٢) عند الآيات: ٧٣-٧٨.
(٣) في أ: "فدخل".
(٤) في ف، أ: "نقمة".
(٥) في أ: "الحبات".
(٦) زيادة من أ.

صفحة رقم 155
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية