
قوله تعالى: مَرُّوا كِراماً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: مَرُّوا حُلَماء، قاله ابن السائب. والثاني:
مَرُّوا مُعْرِضِين عنه، قاله مقاتل. والثالث: أن المعنى إِذا مَرُّوا باللغو جاوزوه، قاله الفراء. قوله تعالى:
وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا أي: وُعِظوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وهي القرآن لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً قال ابن قتيبة: لم يتغافلوا عنها فكأنّهم صُمٌّ لم يسمعوها، عميٌ لم يَرَوها. وقال غيره من أهل اللغة: لم يثبتوا على حالتهم الأولى كأنهم لم يسمعوا ولم يَرَوا، وإِن لم يكونوا خَرُّوا حقيقة تقول العرب:
شتمت فلاناً فقام يبكي، وقعد يندب، وأقبل يعتذر، وظلَّ يتحيَّر، وإِن لم يكن قام ولا قعد. قوله تعالى: هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «وذُرِّيَّاتِنَا» على الجمع. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر، عن عاصم: «وذُرِّيَّتِنَا» على التوحيد، قُرَّةَ أَعْيُنٍ وقرأ ابن مسعود، وأبو حيوة: «قُرَّاتَ أَعْيُنٍ» يعنون: من يعمل بطاعتك فتقرّ به أعيننا في الدنيا والآخرة. وسئل الحسن عن قوله: «قُرَّةَ أعين» في الدنيا، أم في الآخرة؟ قال: لا، بل في الدنيا، وأيُّ شيء أقَرُّ لعين المؤمن من أن يرى زوجته وولده يُطيعون الله، والله ما طلب القوم إِلا أن يُطاع الله فتَقَرّ أعينهم. قال الفراء: إِنما قال: «قُرَّةَ» لأنها فعل، والفعل لا يكاد يُجمع، ألا ترى إِلى قوله: وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً «١» فلم يجمعه والقُرَّة مصدر، تقول: قَرَّت عينه قُرَّة، ولو قيل: قُرَّة عين أو قُرَّات أعين كان صواباً. وقال غيره: أصل القُرَّة من البَرْد، لأن العرب تتأذى بالحَرِّ، وتستروح إِلى البَرْد.
قوله تعالى: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً فيه قولان: أحدهما: اجعلنا أئمة يُقتدى بنا، قاله ابن عباس. وقال غيره: هذا من الواحد الذي يراد به الجمع، كقوله: نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
«٢»، وقوله:
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي «٣». والثاني: اجعلنا مؤتمِّين بالمُتَّقِين مقتدين بهم، قاله مجاهد فعلى هذا يكون الكلام من المقلوب، فالمعنى: واجعل المتّقين لنا إماما.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧٥ الى ٧٧]
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)
قوله تعالى: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ قال ابن عباس: يعني الجنة. وقال غيره: الغرفة: كل بناءٍ عالٍ مرتفع، والمراد غرف الجنة، وهي من الزَّبَرجد والدُّرّ والياقوت، بِما صَبَرُوا على دينهم وعلى أذى المشركين. قوله تعالى: وَيُلَقَّوْنَ فِيها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم: «ويُلَقَّوْنَ» بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف. وقرأ أبن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: «ويَلْقَوْنَ» بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف، تَحِيَّةً وَسَلاماً قال ابن عباس: يُحيِّي بعضُهم بعضاً بالسلام، ويرسل إليهم الرّبّ عزّ وجلّ بالسلام. وقال مقاتل: «تحيةً» يعني السلام، «وسلاماً» أي: سلَّم الله لهم أمرهم وتجاوز عنهم. قوله تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي فيه ثلاثة أقوال:
(٢) الشعراء: ١٦.
(٣) الشعراء: ٧٧.

أحدها: ما يصنع بكم! قاله ابن عباس. والثاني: أيّ وزن يكون لكم عنده تقول: ما عبأتُ بفلان، أي: ما كان له عندي وزن ولا قَدْر، قاله الزجاج. والثالث: ما يعبأ بعذابكم، قاله ابن قتيبة. وفي قوله تعالى: لَوْلا دُعاؤُكُمْ أربعة أقوال: أحدها: لولا إِيمانكم، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: لولا عبادتكم، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: لولا دعاؤه إِيّاكم لِتعبُدوه، قاله مجاهد والمراد نفع الخَلْق، لأن الله تعالى غير محتاج. والرابع: لولا توحيدكم، حكاه الزجاج. وعلى قول الأكثرين ليس في الآية إِضمار وقال ابن قتيبة: فيها إِضمار تقديره: ما يعبأ بعذابكم لولا ما تَدْعونه من الشريك والولد، ويوضح ذلك قوله تعالى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً يعني: العذاب، ومثله قول الشاعر:
مَنْ شَاءَ دَلَّى النَّفْسَ في هُوَّةٍ | ضَنْكٍ ولكِنْ مَنْ لَهُ بالمَضِيقْ |
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فهو خطاب لأهل مكة حين كذَّبوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فَسَوْفَ يَكُونُ يعني: تكذيبكم لِزاماً أي: عذاباً لازماً لكم وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه قتلهم يوم بدر، فقُتلوا يومئذ، واتصل بهم عذاب الآخرة لازماً لهم، وهذا مذهب ابن مسعود، وأُبيِّ بن كعب، ومجاهد في آخرين. والثاني:
أنه الموت، قاله ابن عباس. والثالث: أنّ اللّزام: القتال، قاله ابن زيد. والله أعلم بالصّواب. صفحة رقم 333