آيات من القرآن الكريم

أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

[سُورَة الْفرْقَان (٢٥) : الْآيَات ٧٥ إِلَى ٧٦]

أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦)
التَّصْدِيرُ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا يَرِدُ بَعْدَهُ كَانُوا أَحْرِيَاءَ بِهِ لِأَجْلِ مَا ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ. وَتِلْكَ مَجْمُوعُ إِحْدَى عَشْرَةَ خَصْلَةً وَهِيَ: التَّوَاضُعُ، وَالْحِلْمُ، وَالتَّهَجُّدُ، وَالْخَوْفُ، وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ، وَتَرْكُ الْإِقْتَارِ، وَالتَّنَزُّهِ عَنِ الشِّرْكِ، وَتَرْكُ الزِّنَا، وَتَرْكُ قَتْلِ النَّفْسِ، وَالتَّوْبَةُ، وَتَرْكُ الْكَذِبِ، وَالْعَفْوُ عَنِ الْمُسِيءِ، وَقَبُولُ دَعْوَةِ الْحَقِّ، وَإِظْهَارُ الِاحْتِيَاجِ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ. وَاسْمُ الْإِشَارَةِ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ قَوْلِهِ وَعِبادُ الرَّحْمنِ [الْفرْقَان: ٦٣] كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ.
والْغُرْفَةَ: الْبَيْتُ الْمُعْتَلِي يُصْعَدُ إِلَيْهِ بِدَرَجٍ وَهُوَ أَعَزُّ مَنْزِلًا مِنَ الْبَيْتِ الْأَرْضِيِّ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْغُرْفَةِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ [الْحَدِيد: ٢٥] فَالْمَعْنَى: يُجْزَوْنَ الْغُرَفَ، أَيْ مِنَ الْجَنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: ٣٧].
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ فِي قَوْلِهِ: بِما صَبَرُوا، أَيْ بِصَبْرِهِمْ وَهُوَ صَبْرُهُمْ عَلَى مَا لَقُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَذًى، وَصَبْرُهُمْ عَلَى كَبْحِ شَهَوَاتِهِمْ لِأَجْلِ إِقَامَةِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَصَبْرُهُمْ عَلَى مَشَقَّةِ الطَّاعَاتِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَيُلَقَّوْنَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ مُضَارِعِ
لَقَّاهُ إِذَا جَعَلَهُ لَاقَيًا. وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَخَلَفٍ وَيُلَقَّوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ الْمَفْتُوحَةِ مُضَارِعِ لَقِيَ. وَاللُّقِيُّ وَاللِّقَاءُ: اسْتِقْبَالُ شَيْءٍ وَمُصَادَفَتُهُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٢٣]، وَفِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [١٥]، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الْفرْقَان: ٦٨].
وَقَدِ اسْتُعِيرَ اللُّقِيُّ لِسَمَاعِ التَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ، أَيْ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى بَأْسٍ أَوْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ بِأُسٌ بَلْ هُمْ مُصَادِفُونَ تَحِيَّةَ إِكْرَامٍ وَثَنَاءٍ مِثْلَ تَحِيَّاتِ الْعُظَمَاءِ وَالْمُلُوكِ الَّتِي يُرَتِّلُهَا الشُّعَرَاءُ وَالْمُنْشِدُونَ.

صفحة رقم 84
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية