آيات من القرآن الكريم

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

النواميس شرحا فنيا إن صح التعبير. ومن الواجب أن يبقى هدف الآيات في هذا النطاق على ما نبهنا عليه في المناسبات المماثلة الكثيرة.
[سورة النور (٢٤) : آية ٤٦]
لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦)
. يحتمل أن تكون هذه الآية معقبة على الآيات السابقة. ويحتمل أن تكون مقدمة للآيات التالية. والاحتمال الأول هو الأرجح. ففي الآيات السابقة طائفة من البراهين على عظمة الله وقدرته سيقت ليعتبر بها أولو الأبصار ويهتدي بها من شاء الله له الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد تكرر ما جاء في الآية كثيرا في المناسبات المماثلة. وإطلاق الهداية لمن يشاء الله يفسر بما جاء في آيات عديدة أخرى مثل جملة وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ في آية سورة الرعد (٢٧) وجملة يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ في آية المائدة (١٦) أي أن الله يهدي من علم برغبته في الهداية وحسنت نيته على ما نبهنا عليه في مناسبات كثيرة سابقة.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤٧ الى ٥٢]
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٥٢)
. (١) مذعنين: خاضعين طائعين.
(٢) يحيف: يجور.
الآيات احتوت:
(١) حكاية حال فريق من المسلمين كانوا يدّعون أنهم مؤمنون بالله ورسوله

صفحة رقم 431

مطيعون لأوامره ثم يناقضون أقوالهم بأفعالهم. وكان بعضهم إذا دعوا ليتحاكموا بين يدي رسول الله أبوا إلا إذا تيقنوا أن الحكم سيكون لصالحهم وحينئذ فقط يأتون مسرعين طائعين.
(٢) وتنديدا بهم، فإن حالتهم هذه إنما هي دليل مرض في قلوبهم أو ريبة وشكّ أو خوف من جور الله عليهم ورسوله في الحكم. وليست هذه حالة المؤمن المخلص الصادق وإنما هي حالة الباغي الظالم.
(٣) وبيانا لما يجب أن تكون عليه حالة المؤمنين المخلصين الصادقين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم حيث يلبون الدعوة بدون تردد ويقولون سمعنا وأطعنا.
(٤) وتنويها بهؤلاء وأمثالهم، فهم المفلحون حقا. وأن من يطيع الله ورسوله ويخشى الله ويتقيه هم الفائزون حقا.
تعليق على الآية وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ والآيات الخمس التي بعدها وما فيها من صور وتلقين
والآيات فصل جديد. وحرف الواو الذي بدأت به إما أن يكون إنشائيا أو يكون عطفا بيانيّا على الآية السابقة التي تكون حينئذ مقدمة تمهيد وتذكير.
وقد روى المفسرون أنها نزلت بمناسبة خلاف شجر بين منافق ويهودي فأبى المنافق التحاكم إلى النبي ﷺ وطلب التحاكم إلى كعب بن الأشرف أحد طواغيت اليهود، كما رووا أنها نزلت في خصومة بين علي بن أبي طالب والمغيرة بن وائل، فأبى المغيرة التحاكم إلى النبي قائلا: إنه يبغضني وأخاف أن يحيف عليّ. أو في خصومة بين علي وعثمان فقال ابن عمّ عثمان له: لا تتحاكم إلى النبي فإنه سيحكم عليك لابن عمه «١».

(١) انظر تفسير الزمخشري والطبرسي والخازن والبغوي.

صفحة رقم 432

ونلاحظ أن الرواية الأولى قد رويت في مناسبة آيات سورة النساء [٦٠- ٦٥] وأن كعب بن الأشرف قد قتل على ما ترويه روايات السيرة في الشهر الخامس والعشرين من الهجرة النبوية إلى المدينة «١» بينما نخمن أن هذه الآيات نزلت بعد ذلك بمدة طويلة. والرواية الثالثة لا يمكن أن تصدق لأن عثمان أنزه وأجل من أن يسمع لابن عمه في النبي وعليّ، أو أن يعرض عن التحاكم إلى النبي ويخاف حيفه. والآية تندد بالمعرض عن هذا التحاكم الذي لا يمكن أن يكون إلّا منافقا. وهي بعد من مرويات الشيعة «٢» الذين يجعلون عثمان في زمرة من يطعنون بهم ويجرحونهم من أصحاب رسول الله ﷺ ورضي الله عنهم.
وتبقى الرواية الثانية التي قد تتسق مع فحوى الآيات. على أنه يتبادر لنا مما تلهمه روح الآيات وفحواها أولا، وروح الآيات التالية وفحواها ثانيا، أنها بسبيل التنديد بصورة عامة بفريق من المسلمين كان يبدو منه مواقف لا تتفق مع الإيمان والإخلاص أكثر منها بسبيل حكاية موقف أو حادث خاص. وهذا لا يمنع أن تكون حدثت حادثة من نوع ما روته الرواية الثانية فاتخذت وسيلة للتنديد القوي بهذا الفريق على مواقفه التي لا تصدر إلّا من مرضى القلوب المرتابين في عدل الله ورسوله. ومع أنه لم يرد في الآيات لفظ (المنافقين) فالوصف يمكن أن ينصرف إليهم وبخاصة إن تعبير أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ استعمل في مناسبات عديدة في وصف المنافقين أو جاء كمرادف لهذا الوصف على ما مرّ منه أمثلة عديدة.
والآيات وهي تندد بهذا الفريق وتذكر مواقفه المخامرة وتنوه بالمؤمنين المخلصين وواجبهم تستهدف كما هو المتبادر توطيد سلطان النبي ﷺ القضائي والسياسي وتوطيد السمع والطاعة له على المسلمين في كل أمر وموقف. وهذا أسلوب قد تكرر وهدف قد استهدف بآيات مدنية عديدة على ما نبهنا عليه في

(١) انظر طبقات ابن سعد ج ٣ ص ٧٠- ٧٣.
(٢) راويها الطبرسي وهو مفسر شيعي.
الجزء الثامن من التفسير الحديث ٢٨

صفحة رقم 433
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية