
يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ اى يتوهمه العطشان ماءً تخصيص الظمآن بالذكر لتشبيه الكافر به في شدة الخيبة عند مسيس الحاجة حَتَّى إِذا جاءَهُ اى جاء ما توهمه ماءا وموضعه لَمْ يَجِدْهُ شيئا مما ظنه وَوَجَدَ اللَّهَ اى وجد عذاب الله عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ اى أعطاه جزاء اعماله وافيا كاملا على حسب عمله- فان قيل وجد الله معطوف على لم يجده وعلى جاءه والضمير المرفوع في كل منهما راجع الى الظمآن فما معنى وجد الظمآن عذاب الله عند السراب- قلت هذا الكلام عندى يحتمل التأويلين أحدهما ان الكافر إذا كان يوم القيامة اشتد عطشه فيرى النار سرابا يحسبه ماء فيسرع اليه حتى إذا جاءه لم يجده شيئا مما توهمه ووجد عذاب الله يعنى النار عنده وثانيهما ان المراد بعذاب الله ما يلحق الظمآن في الدنيا من الشدة واليأس ومبناه سيئات اعماله حيث قال الله تعالى ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ- والاولى ان يقال ان حتى ابتدائية يتصل بقوله أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ- والمعنى حتى إذا جاء الكافر عمله في الاخرة لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فالضمير المرفوع في جاءه راجع الى أحد من الكفار لا الى الظمآن والمنصوب الى عمله لا الى السراب وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) لا يشغله حساب عن حساب يحاسب عباده في قدر نصف يوم من ايام الدنيا-.
أَوْ كَظُلُماتٍ عطف على كسراب واو للتخيير كانه يخير المخاطب في التشبيه فان أعمالهم لكونها غير نافعة موجبة للياس والتحسر كائنة كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كائنة كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب- او للتنويع فان أعمالهم ان كن حسنات كالصدقة وصلة الرحم ونحوها فهى كالسراب وان كن قبيحات فكالظلمات او للتقسيم باعتبار الوقتين فانها كالظلمات في الدنيا وكالسراب في الاخرة فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ عميق

كثير الماء منسوب الى اللج قال البيضاوي هو معظم الماء كذا في النهاية والقاموس وقيل هو تردد أمواجه يَغْشاهُ اى البحر مَوْجٌ يغشاه صفة اخرى للبحر والموج ما يعلو من الماء باضطراب الرياح مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ يعنى امواج مترادفة متراكمة مِنْ فَوْقِهِ اى من فوق الموج الثاني سَحابٌ يحجب أنوار النجوم قرأ البزي بغير تنوين مضافا الى ظُلُماتٌ بالجر وبرواية القواس سحاب بالرفع والتنوين والظلمات بالجر على البدل من قوله كظلمات وقرأ الباقون سحاب ظلمت كلاهما بالرفع والتنوين فيكون تمام الكلام عند قوله سَحابٌ وظُلُماتٌ خبر لمبتدأ محذوف اى هى ظلمات بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لينظر إليها وهى اقرب ما يرى لَمْ يَكَدْ يَراها اى لم يقرب ان يراها فضلا ان يراها والضمائر للواقع في البحر وان لم يجز ذكره لدلالة الكلام عليه كذلك اعمال الكفار ظلمات على قلبه بعضها فوق بعض مانعة لهم من الاهتداء وادراك الحق فالكفر الّذي هو من اعمال القلوب كالبحر اللجى المظلم يغشاه ظلمات المعاصي بعضها فوق بعض كالامواج الّتي بعضها فوق بعض والختم والطبع على قلبه كالسحاب على الأمواج- فاذا أراد الكافر التفكر في امور الدين وان يدرك ما هو اجلى البديهيات لم يكد يريها الا ترى انه ينكر الأنبياء مع تواتر معجزاتهم الباهرة ويعتقد الوهية الحجارة مع انحطاط رتبتها عن سائر المخلوقات وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) يعنى ان الهداية امر وهبى بل حصول العلم بالنتيجة بعد العلم بالمقدمتين امر عادى وهبى ليس على سبيل الوجوب عند اهل الحق فكم من بله في امور الدنيا أكياس في امور الاخرة وكم من كيس جربز في الدنيا هم عن الاخرة غافلون وهم في امور الدين كالانعام- وهو المعنى من قوله ﷺ ان الله خلق خلقه في ظلمة فالقى عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله-
صفحة رقم 544