آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

يجد فيها وهج النار، وتلك الزفرات والحرقات. فإن القلب قد أحاطت به نيران بكل جانب. فهو في وسطها كالشاة في وسط التنور، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة، أن جعل لهم في البرزخ تنور من نار، وأودعت أرواحهم فيه، إلى حشر أجسادهم، كما أراها الله نبيّه ﷺ في المنام في «١» الحديث المتفق على صحته.
التاسع- أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها. وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها. فتنفرط عليه أموره ويقع في اتباع هواه وفي الغفلة عن أمر ربه، قال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف: ٢٨]، وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه.
العاشر- أن بين العين والقلب منفذا وطريقا يوجب انفعال أحدهما عن الآخر.
وأن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده. فإذا فسد القلب فسد النظر. وإذا فسد النظر فسد القلب. وكذلك في جانب الصلاح. فإذا خربت العين وفسدت، خرب القلب وفسد، وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ. فلا يصلح لسكنى معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه. وإنما يسكن فيه أضداد ذلك. فهذه إشارة إلى بعض فوائد غض البصر، تطلعك على ما وراءها. انتهى.
ثم أمر الله تعالى النساء بما أمر به الرجال. وزاد في أمرهن، ما فرضه من رفض حالة الجاهلية المألوفة قبل لهن، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة النور (٢٤) : آية ٣١]
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)

(١) أخرجه البخاري في: التعبير، ٤٨- باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح، عن سمرة بن جندب، حديث رقم ٥٠١.

صفحة رقم 374

وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أي بالتستر والتصون عن الزنى كما تقدم. قال الزمخشريّ: النساء مأمورات أيضا بغض الأبصار. ولا يحل للمرأة أن تنظر من الأجنبيّ إلى ما تحت سرته إلى ركبته. وإن اشتهت غضت بصرها رأسا. ولا تنظر من المرأة إلا إلى مثل ذلك. وغض بصرها من الأجانب أصلا، أولى بها وأحسن. ومنه
حديث ابن أم مكتوم عن أم سلمة «١» رضي الله عنها قالت: «كنت عند النبيّ ﷺ وعنده ميمونة. فأقبل ابن أم مكتوم. وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب.
فدخل علينا. فقال: احتجبا. فقلنا: يا رسول الله! أليس أعمى لا يبصرنا! قال:
أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟»
وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذيّ
وصححه وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها قال الزمخشري: الزينة ما تزينت به المرأة من حليّ أو كحل أو خضاب. فما كان ظاهرا منها، كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب، فلا بأس بإبدائه للأجانب. وما خفي منها كالسوار والخلخال، والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط، فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين. وذكر الزينة دون مواقعها، للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر. لأن هذه الزّين واقعة على مواضع من الجسد، لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء. وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن. فنهى عن إبداء الزّين نفسها ليعلم أن النظر إذا لم يحل إليها لملابستها تلك المواقع، بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها، لا مقال في حله- كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة، شاهدا على أن النساء حقهنّ أن يحتطن في سترها ويتّقين الله في الكشف عنها.
(فإن قلت) : لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت: لأن سترها فيه حرج.
فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح. وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها. وخاصة الفقيرات منهن. وهذا معنى قوله إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها يعني: إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور. انتهى.
وقال السيوطي في (الإكليل) : فسر ابن عباس قوله تعالى: إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها بالوجه والكفين، كما أخرجه ابن أبي حاتم. فاستدل به من أباح النظر إلى وجه المرأة

(١) أخرجه أبو داود في: اللباس، ٣٤- باب وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ، حديث رقم ٤١١٢.
وأخرجه الترمذي في: الأدب، ٢٩- باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال.

صفحة رقم 375

وكفيها، حيث لا فتنة. ومن قال: إن عورتها ما عداهما. وفسره ابن مسعود بالثياب، وفسر الزينة بالخاتم والسوار والقرط والقلادة والخلخال. أخرجه ابن أبي حاتم أيضا.
فهو دليل لمن لم يجز النظر إلى شيء من بدنها، وجعلها كلها عورة وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ أي وليسترن بمقانعهن، شعورهن وأعناقهن وقرطهن وصدورهن، بإلقائها على جيوبهن أي مواضعها، وهي النحر والصدر.
قال الزمخشري: كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها. وكنّ يسدلن الخمر من ورائهن، فتبقى مكشوفة فأمرن بأن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها. ويجوز أن يراد بالجيوب الصدور، تسمية بما يليها ويلابسها، ومنه قولهم (ناصح الجيب)
لطيفة:
قال أبو حيان: عدّي (يضربن) ب (على) لتضمنه معنى الوضع. وجعله الراغب مما يتعدى بها دون تضمين. و (الخمر) جمع خمار يقال (لغة) لما يستر به.
وخصصه العرف بما تغطي به المرأة رأسها. ومنه (اختمرت) المرأة و (تخمرت).
و (الجيب) ما جيب، أي قطع من أعلى القميص. وهو ما يسميه العامة طوقا. وأما إطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها، فليس من كلام العرب. كما ذكره ابن تيمية. كذا في (العناية) ثم كرر النهي عن إبداء الزينة لاستثناء بعض مواد الرخصة عنه، باعتبار الناظر بعد ما استثنى عنه بعض مواد الضرورة باعتبار المنظور، بقوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أي فإنهم المقصودون بالزينة. ولهم أن ينظروا إلى جميع بدنهن حتى الفرج. لكن بكراهة على المشهور.
وقال الإمام أبو الحسن بن القطان في كتاب (إحكام النظر) : عن أصبغ، لا بأس به، وليس بمكروه. وروي عن مالك لا بأس أن ينظر إلى الفرج في الجماع. ثم ذكرنا أن ما روي من أن ذلك يورث العمى، فحديث لا يصح. لأن فيه (بقية) وقد قالوا (بقية أحاديثه غير نقية) ولم يؤثر عن العرب كراهة ذلك. وللنابغة والأعشى وأبي عبيدة وابن ميادة وعبد بني الحساس والفرزدق، في ذلك ما هو معروف.
وقوله تعالى: أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أي لأن هؤلاء محارمهن الذين تؤمن الفتنة من قبلهم. فإن آباءهن أولياؤهن الذين يحفظونهن عما يسوءهن. وآباء بعولتهن يحفظون على أبناءهم ما يسوءهم. وأبناؤهن شأنهم خدمة الأمهات، وهم منهن. وأبناء

صفحة رقم 376

بعولتهن شأنهم خدمة الآباء وخدمة أحبابهم. وإخوانهن هم الأولياء بعد الآباء.
وبنوهم أولياء بعدهم. وكذا بنوا أخواتهن، هم كبني إخوانهن في القرابة فيتعيرون بنسبة السوء إلى الخالة. تعيرهم بنسبته إلى العمة. هذا ما أشار له المهايمي.
وأجمل ذلك الزمخشري بقوله: وإنما سومح في الزينة الخفية أولئك المذكورون، لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالفتهم.
ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من النفرة عن ممارسة القرائب. وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك. وقوله تعالى أَوْ نِسائِهِنَّ قيل: هن المؤمنات. أخذا من الإضافة. فليس للمؤمنة أن تتجرد بين يدي مشركة أو كتابية. وقيل: النساء كلهن. فإنهن سواء في حل نظر بعضهن إلى بعض.
قال في (الإكليل) : فيه إباحة نظر المرأة إلى المرأة كمحرم. وروى ابن أبي حاتم عن عطاء أن أصحاب النبيّ ﷺ لما قدموا بيت المقدس، كان قوابل نسائهن اليهوديات والنصرانيات.
وقال الرازيّ: القول الثاني هو المذهب وقول السلف الأول محمول على الاستحباب والأولى.
وقوله تعالى: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أي لاحتياجهن إليهم. فلو منع دخولهم عليهن اضطررن. قاله المهايميّ. وظاهر الآية يشمل العبيد والإماء. وإليه ذهب قوم.
قالوا: لا بأس عليهن في أن يظهرن لعبيدهن من زينتهن ما يظهرن لذوي محارمهن.
واحتجوا أيضا بما
رواه أبو داود «١» عن أنس أن النبيّ ﷺ أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها. قال: «وعلى فاطمة ثوب، إذا قنعت به رأسها، لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها، لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبىّ ﷺ ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس. إنما هو أبوك وغلامك».
وجاء في (تاريخ ابن عساكر) أن عبد الله بن مسعدة كان أسود شديد الأدمة.
وقد كان وهبه النبيّ صلوات الله عليه لابنته فاطمة. فربّته ثم أعتقته، ثم كان، بعد مع معاوية على عليّ. نقله ابن كثير، فاحتمل أن يكون هو هو. والله أعلم.
وذهب قوم إلى أنه عنى بذلك الإماء المشركات، وأنه يجوز لها أن تظهر زينتها إليهن وإن كن مشركات. قالوا: وسرّ إفراد الإماء مع شموله قوله أَوْ نِسائِهِنَّ لهن

(١) أخرجه أبو داود في: في العبد ينظر إلى شعر مولاته، حديث ٤١٠٦.

صفحة رقم 377

الإعلام بأن المراد من في صحبتهن من الحرائر والإمام لظهور الإضافة في (نسائهن) بالحرائر. كقوله: شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ [البقرة: ٢٨٢]، فعطفن عليهن ليشاركنهن في إباحة النظر عليهن، والقول الأول أقوى. لأن الأصل هو العمل بالعامّ حتى يقوم دليل على تخصيصه. لا سيما والحكمة ظاهرة فيه وهي رفع الحرج. وهذا الذي قطع به الشافعيّ وجمهور أصحابه.
قال في (الإكليل) : وعلى الأول استدل بإضافة اليمين على أنه ليس لعبد الزوج النظر. واستدل من أباحه بقراءة أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.
وقوله: أَوِ التَّابِعِينَ أي الخدام لأنهن في معنى العبيد غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أي الحاجة إلى النساء مِنَ الرِّجالِ كالشيخ الهرم والبله واستدل بهذا من أباح نظر الخصيّ. وقوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ أي لم يفهموا أحوالهن، لصغرهم. فيستدل به على تحريم نظر المراهق الذي فهم ذلك كالبالغ.
كما في (الإكليل).
قال الزمخشريّ: (يظهروا) إما من (ظهر على الشيء) إذا اطلع عليه، أي لا يعرفون ما العورة، ولا يميزون بينها وبين غيرها. وإما من (ظهر على فلان) إذا قوي عليه و (ظهر على القرآن) أخذه وأطاقه أي لم يبلغوا أوان القدرة على الوطء.
و (الطفل) مفرد وضع موضع الجمع بقرينة وصفه بالجمع. ومثله (الحاج) بمعنى الحجاج. وقال الراغب: إنه يقع على الجمع.
تنبيه:
قال السيوطيّ في (الإكليل) : استدل بعضهم بقوله تعالى وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا إلخ على أنه لا يباح النظر للعم والخال، لعدم ذكرهما في الآية. أخرج ابن المنذر عن الشعبيّ وعكرمة، قالا: لم يذكر العم والخال لأنهما ينعتان لأبنائهما، ولا تضع خمارها عند العم والخال.
وقال الرازيّ: القول الظاهر أنهما كسائر المحارم في جواز النظر. وهو قول الحسن البصريّ. قال: لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب. وقال في سورة الأحزاب: لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ [الأحزاب: ٥٥] الآية، ولم يذكر فيها البعولة ولا أبناءهم. وقد ذكروا هاهنا. وقد يذكر البعض لينبه على الجملة.
ثم قال: في قول الشعبيّ من الدلالات البليغة على وجوب الاحتياط عليهن في التستر.

صفحة رقم 378

ثم أشار تعالى إلى أن الزينة، كما يجب إخفاؤها عن البصر، يجب عن السمع، إن كانت مما تؤثر فيه ميلا، بقوله سبحانه:
وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ أي الأرض لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ أي عن الأبصار مِنْ زِينَتِهِنَّ كالخلخال. وهذا نهي عما كان يفعله بعضهن. وذلك من ضرب أرجلهن الأرض ليتحرك خلخالهن فيعلم أنهن متحلين به. فإن ذلك مما يورث الرجال ميلا إليهن، ويوهم أن لهن ميلا إليهم.
قال الزمخشريّ: وإذ نهين عن إظهار صوت الحليّ بعد ما نهين عن إظهار الحليّ، علم بذلك أن النهي عن إظهار مواضع الحليّ أبلغ وأبلغ. قيل: وإذا نهي عن استماع صوت حليهن. فعن استماع صوتهن بالطريق الأولى. وهذا سدّ لباب المحرمات، وتعليم للأحوط الأحسن، لا سيما في مظانّ الريب وما يكون ذريعة إليها.
تنبيه:
قال ابن كثير: يدخل في هذا النهي كل شيء من زينتها كان مستورا، فتحركت بحركة، لتظهر ما خفي منها. ومن ذلك ما ورد من نهيها عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشم الرجال طيبها.
فروى الترمذيّ «١» عن أبي موسى عن النبيّ ﷺ أنه قال: «كل عين زانية. والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا»
. يعني زانية.
قال: ومن الباب عن أبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح. ورواه أبو داود والنسائي.
وروى الترمذيّ «٢» أيضا عن ميمونة بنت سعد أن رسول الله ﷺ قال: «الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم القيامة، لا نور لها»
. ومن ذلك أيضا، نهيهن عن المشي في وسط الطريق لما فيه من التبرج.
فروى أبو داود «٣» عن أبي أسيد الأنصاري أنه سمع النبيّ ﷺ وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق. فقال رسول الله ﷺ للنساء: استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق. عليكن بحافات الطريق. فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به
. وقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أي ارجعوا إليه بالعمل بأوامره واجتناب نواهيه، فإن مقتضى إيمانكم ذلك

(١) أخرجه الترمذي في: الأدب، ٣٥- باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة.
(٢) أخرجه الترمذي في: الرضاع، ١٣- باب ما جاء في كراهية خروج النساء في الزينة.
(٣) أخرجه أبو داود في: الأدب، ١٦٨- باب في مشي النساء مع الرجال في الطريق، حديث ٥٢٧٢.

صفحة رقم 379
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية