
وَرُوِيَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: "اصْرِفْ بَصَرَكَ" (١). أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ" (٢).
﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ عَمَّا لَا يَحِلُّ، ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ عَمَّنْ لَا يَحِلُّ. وَقِيلَ أَيْضًا: "يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ" يَعْنِي: يَسْتُرْنَهَا حَتَّى لَا يَرَاهَا أَحَدٌ. وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةَ إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَخْلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: احْتَجِبَا مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ"؟ (٣)
(٢) أخرجه مسلم في الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات برقم: (٣٣٨) : ١ / ٢٦٦ والمصنف في شرح السنة: ٩ / ٢٠.
(٣) أخرجه أبو داود في اللباس، باب في قوله تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن" ٦ / ٦٠-٦١ والترمذي في الأدب، باب: ما جاء في احتجاب النساء من الرجال: ٨ / ٦١-٦٢ وقال: "هذا حديث حسن صحيح". وعزاه المنذري للنسائي، وأخرجه الإمام أحمد: ٦ / ٢٩٦ وذكره المصنف في شرح السنة: ٩ / ٢٤.
وقال أبو داود: "هذا لأزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم، وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت قيس: "اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده"، وانظر: عون المعبود: ١١ / ١٧٠.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ أَيْ لَا يُظْهِرْنَ زِينَتَهُنَّ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِهَا الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ، وَهُمَا زِينَتَانِ خَفِيَّةٌ وَظَاهِرَةٌ، فَالْخَفِيَّةُ: مِثْلُ الْخَلْخَالِ، وَالْخِضَابِ فِي الرِّجْلِ، وَالسُّوَارِ فِي الْمِعْصَمِ، وَالْقُرْطِ وَالْقَلَائِدِ، فَلَا يَجُوزُ لَهَا إِظْهَارُهَا، وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهَا، وَالْمُرَادُ مِنَ الزِّينَةِ مَوْضِعُ الزِّينَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ أَرَادَ بِهِ الزِّينَةَ الظَّاهِرَةَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الثِّيَابُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: "خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ" (الْأَعْرَافِ-٣١)، وَأَرَادَ بِهَا الثِّيَابَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ فِي الْكَفِّ.
فَمَا كَانَ مِنَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَشَهْوَةً، فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِنْهَا غَضَّ الْبَصَرَ، وَإِنَّمَا رُخِّصَ فِي هَذَا الْقَدْرِ أَنْ تُبْدِيَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَدَنِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَتُؤْمَرُ بِكَشْفِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَسَائِرُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ يَلْزَمُهَا سَتْرُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾ أَيْ: لِيُلْقِينَ بِمَقَانِعِهِنَّ، ﴿عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ وَصُدُورِهِنَّ [لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ] (١) وَأَعْنَاقَهُنَّ وَأَقْرَاطَهُنَّ. قالت عائشة ٣٩/أرَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا (٢).
﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ يَعْنِي: الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي لَمْ يُبَحْ لَهُنَّ كَشْفُهَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا لِلْأَجَانِبِ، وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: يَعْنِي لَا يَضَعْنَ الْجِلْبَابَ وَلَا الْخِمَارَ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، أَيْ إِلَّا لِأَزْوَاجِهِنَّ، ﴿أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ﴾ فَيَجُوزُ لِهَؤُلَاءِ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ، وَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهَا.
(٢) أخرجه البخاري في التفسير، باب: "وليضربن بخمرهن على جيوبهن" ٨ / ٤٨٩.

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أَرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى بَدَنِ الْمَرْأَةِ إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ الْمَحْرَمِ، هَذَا إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُسْلِمَةً، فَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكَشِفَ لَهَا؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَنْكَشِفَ لِلْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النِّسَاءِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "أَوْ نِسَائِهِنَّ" وَالْكَافِرَةُ لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَلِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فِي الدِّينِ، فَكَانَتْ أَبْعَدَ مِنَ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ. كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ يَمْنَعَ نِسَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ مَعَ الْمُسْلِمَاتِ (١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ قَوْمٌ: عَبْدُ الْمَرْأَةِ مَحْرَمٌ لَهَا، فَيَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ عَفِيفًا، وَأَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَدَنِ مَوْلَاتِهِ إِلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، كَالْمَحَارِمِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَرَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ" (٢). وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَهَا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَقَالَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْإِمَاءُ دُونَ الْعَبِيدِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ يَدَيِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ أَمَةً لَهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ "غَيْرَ" بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْقَطْعِ لِأَنَّ "التَّابِعِينَ" مَعْرِفَةٌ وَ"غَيْرَ" نَكِرَةٌ. وَقِيلَ: بِمَعْنَى "إِلَّا" فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ، مَعْنَاهُ: يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لِلتَّابِعِينَ إِلَّا ذَا الْإِرْبَةِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُنَّ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ لِمَنْ كَانَ مِنْهُمْ ذَا إِرْبَةٍ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ "التَّابِعِينَ" وَالْإِرْبَةِ وَالْأَرَبِ: الْحَاجَةُ. وَالْمُرَادُ بِـ "التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ" هُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوْمَ لِيُصِيبُوا مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِمْ لَا هِمَّةَ لَهُمْ إِلَّا ذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ فِي النِّسَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ الْأَحْمَقُ الْعِنِّينُ. وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ وَلَا يَسْتَطِيعُ غِشْيَانَ النِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْمَعْتُوهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الْمَجْبُوبُ. وَقِيلَ: هُوَ الْمُخَنَّثُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ وَنَحْوُهُ.
(٢) أخرجه أبو داود في اللباس، باب العبد ينظر إلى شعر مولاته: ٦ / ٥٩ قال المنذري: "في إسناده أبو جميع، سالم بن دينار الهجيمي البصري، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو زرعة الرازي: مصري لين الحديث، وهو سالم بن أبي راشد". وأخرجه البيهقي: ٧ / ٩٥، وصححه الألباني في الإرواء: ٦ / ٢٠٦.

أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَيْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ، فَدَخْلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعِتُ امْرَأَةً فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ هَذَا" فَحَجَبُوهُ (١) ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ أَرَادَ بِالطِّفْلِ الْأَطْفَالَ، يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا، أَيْ: لَمْ يَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِلْجِمَاعِ فَيَطَّلِعُوا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: لَمْ يَعْرِفُوا الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الصِّغَرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: لَمْ يُطِيقُوا أَمْرَ النِّسَاءِ. وَقِيلَ: لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشَّهْوَةِ.
﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا مَشَتْ ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا لِيُسْمَعَ صَوْتُ خَلْخَالِهَا أَوْ يُتَبَيَّنَ خَلْخَالُهَا، فَنُهِيَتْ عَنْ ذَلِكَ.
﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا﴾ مِنَ التَّقْصِيرِ الْوَاقِعِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَقِيلَ: رَاجِعُوا طَاعَةَ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الْآدَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، ﴿أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: "أَيُّهُ المؤمنون" و"يآيه السَّاحِرُ" وَ"أَيُّهُ الثَّقَلَانِ" بِضَمِّ الْهَاءِ فِيهِنَّ، وَيَقِفُ بِلَا أَلْفٍ عَلَى الْخَطِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَاءَاتِ عَلَى الْأَصْلِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْأَغَرَّ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى رَبِّي كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ" (٢).
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيِّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُزَيْمٍ الشَّاشِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكَشِّيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ، لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" مِائَةَ مَرَّةٍ (٣).
(٢) أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، برقم (٢٠٧٢) : ٤ / ٢٠٧٦ والمصنف في شرح السنة: ٥ / ٧١.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب في الاستغفار: ٢ / ١٥١ والترمذي في الدعوات، باب ما يقول إذا قام من مجلسه: ٩ / ٣٩٣ وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجه في الأدب، باب الاستغفار، برقم (٣٨١٤) والإمام أحمد في المسند: ٢ / ٢١ وصححه ابن حبان برقم (٢٤٥٩) ص (٦٠٩) من موارد الظمآن، وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب ص (٢٥١) وابن السني في عمل اليوم والليلة ص (١٧٩). وانظر: مجمع الزوائد: ٢ / ١١٣ سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢ / ٨٩.

وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي بَيَانِ الْعَوْرَاتِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَعَوْرَتُهُ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى سَائِرِ الْبَدَنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفُ فِتْنَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: الْفَخِذُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ ركبتي لتمس ٣٩/ب فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١).
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ، لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْطَيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْش، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ، قَالَ: "يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيْكَ، فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ" (٢) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدِ بْنِ خُوَيْلِدٍ، كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ" (٣)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: "وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ" (٤). أَمَّا الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُرَّةً: فَجَمِيعُ بَدَنِهَا فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ عَوْرَةٌ، وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً: فَعَوْرَتُهَا مِثْلُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ، مَا بَيْنَ السُّرَّةِ
(٢) أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار: ٢ / ٢٨٥ والحاكم في المستدرك: ٤ / ١٨٠ والإمام أحمد في المسند: ٥ / ٢٩٠. وعلقه البخاري: ١ / ٤٧٩ وأخرجه المصنف في شرح السنة: ٩ / ٢١.
قال الحافظ في الفتح: "وصله أحمد والمصنف في "التاريخ" والحاكم في "المستدرك"، كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه..". وصححه بشواهده الشيخ الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة: ٩ / ٢١-٢٢.
(٣) أخرجه الترمذي في الاستئذان، باب ما جاء أن الفخذ عورة: ٨ / ٧٨-٧٩ وقال: "هذا حديث حسن، ما أرى إسناده بمتصل".
ورواه البخاري تعليقا: ١ / ٤٧٨، وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وحديث جرهد موصول عند مالك في الموطأ، والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه. وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في سنده، وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تغريق التعليق". وانظر: مشكل الآثار: ٢ / ٢٨٥-٢٨٦، شرح معاني الآثار: ١ / ٤٧٤.
(٤) في الموضع السابق: ١ / ٤٧٨.

إِلَى الرُّكْبَةِ، وَكَذَلِكَ الْمَحَارِمُ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ. وَالْمَرْأَةُ فِي النَّظَرِ إِلَى الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ كَهُوَ مَعَهَا. وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ، وَكَذَلِكَ هِيَ مِنْهُ إِلَّا نَفْسَ الْفَرَجِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَتِهَا كَالْأَمَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرَنَّ إِلَى مَا دُونُ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ" (١).