
الإيضاح
امتنّ سبحانه على عباده بما أنزل عليهم فى هذه السورة من الفرائض والأحكام وفصله لهم من أدلة التوحيد وبيناته الواضحة التي لا تقبل جدلا، ليعدّهم بذلك لأن يتعظوا ويعملوا بما جاء فيها مما فيه سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم وفيه صلاحهم، فإن فى حفظ الفروج صيانة للأنساب واطمئنانا على سلامتها مما يشوبها، كما أن فيه أمنا من حصول الضغائن والأحقاد التي قد تجر إلى القتل وارتكاب أفظع الجرائم بين الأفراد، وأمنا على الصحة والبعد من الأمراض التي قد تودى بحياة المرء وتوقعه فى أشد المصايب وأعظم ألوان البلاء.
كما جاء فيها توثيق روابط المودة بين أفراد المجمع، ففيها نظام دخول البيوت للتزاور، وفيها حفظ الألسنة وصونها عن الولوغ فى الأعراض بما لا ينبغى أن يقال حتى لا ينتسر الفحش بين الناس، وفيها تحذير للعباد من ذلك «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ».
والخلاصة- إنه تعالى ذكر فى أول السورة أنواعا من الأحكام والحدود الشرعية.
وفى آخرها الدلائل على وحدانيته وكامل قدرته، فأشار إلى الأولى بقوله (وَفَرَضْناها) وإلى الثانية بقوله: (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ).
والفائدة فى كل هذا اتقاء المحارم والبعد عنها ومعرفة الله المعرفة التي تجعل المرء يخضع لجلاله وعظيم سلطانه، ويشعر بأنه محاسب على كل ما يعمل من عمل قلّ أو كثر فإذا تم له ذلك صلحت نظم الفرد ونظم المجتمع، وسادت السكينة والطمأنينة بين الناس.
[سورة النور (٢٤) : آية ٢]
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)

عقوبة الزنا الدنيوية
الزاني والزانية إما أن يكونا محصنين: أي متزوجين، أو غير محصنين: أي غير متزوجين.
عقوبة المحصنين
إن كان الزانيان محصنين واستوفيا الشروط الآتية، وهى أن يكونا بالغين عاقلين حرين مسلمين متزوجين بعقد نكاح صحيح- وجب رجمهما: أي رميهما بالحجارة حتى يموتا، ويكون ذلك فى حفل عامّ للمسلمين ليعتبر بهما غيرهما.
وقد ثبت هذا بالسنة المتواترة، ورواه الثقات عن النبي صلّى الله عليه وسلم، فقد رواه أبو بكر وعمر وعلىّ وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وزيد ابن خالد وبريدة الأسلمى فى آخرين من الصحابة، وجاء فى رواياتهم أن رجلا من الصحابة يسمى ما عزا أقر بالزنا فرجم، وأن امرأتين من بنى لخم وبنى غامد أقرتا بالزنا فرجمعا على مشهد من الناس ومرأى منهم.
عقوبة غير المحصنين
إن كان الزانيان غير محصنين فالعقوبة مابة جلدة بمحضر جمع من المسلمين كما بينته الآية ليفتضح أمرهما كما تقدم ذلك.
طريق إثبات الزنا
يثبت الزنا بأحد أمور ثلاثة:
(١) الإقرار به وهذا هو الطريق الذي ثبت به الزنا فى الإسلام، وبه أوقع النبي صلى الله عليه وسلّم وصحابته العقوبة على من زنى.
(٢) الحبل للمرأة بلا زوج معروف لها.
(٣) شهادة أربعة من الشهود يرونهما وهما ملتبسان بالجريمة.

عقوبة الزنا الأخروية
تقدم أن بيّنا المساوى والأضرار التي تنشأ من الزنا للأفراد والجماعات فى الدنيا، وهنا نذكر حكمه الأخروى فنقول: اتفقت الأمة على أن الزنا من أكبر الآثام، وأنه من الذنوب التي شدد الدين فى تركها، وأغلظ فى العقوبة على فعلها، وجاء فيه من النصوص ما لم يأت فى غيره مما حرم الله، فقد قرن بالشرك فى قوله: «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً»
وروى عن حذيفة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا معشر الناس اتقوا الزنا فإن فيه ست خصال: ثلاث فى الدنيا وثلاث فى الآخرة، أما التي فى الدنيا فيذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر، وأما التي فى الآخرة فسخط الله سبحانه وتعالى، وسوء الحساب، وعذاب النار».
وعن عبد الله بن مسعود قال: «قلت يا رسول الله، أىّ الذنب أعظم عند الله؟
قال أن تجعل لله ندّا وهو خلقك، قلت ثم أىّ؟ قال وأن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت ثم أىّ؟ قال وأن تزنى بحليلة جارك، فأنزل الله تصديقها:
«وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ»
الإيضاح
(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) أي من زنى من الرجال أو زنت من النساء وهما حران بالغان عاقلان غير محصنين بزوجين فاجلدوا كلا منهما مائة جلدة عقوبة له على ما أتى من معصية الله.
(وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) أي ولا تأخذكم بهما رحمة ورقة فى حكم