
مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ.
قال الحسن: لم يحمل نوح في السفينة إلّا من يلد ويبيض، فأما ما يتولد من الطين وحشرات الأرض والبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا.
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ اعتدلت في السفينة راكبا فيها، عاليا فوقها أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً قرأه العامة بضم الميم على المصدر أي إنزالا مباركا، وقرأ عاصم برواية أبي بكر بفتح الميم وكسر الزاي أي موضعا.
وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَإِنْ كُنَّا وقد كنّا، وقيل: وما كنا إلّا مبتلين مختبرين إيّاهم بتذكيرنا ووعظنا لننظر ما هم عاملون قبل نزول العذاب بهم.
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي أهلكناهم وأحدّثنا من بعدهم قَرْناً آخَرِينَ فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ قال المفسّرون يعني هودا وقومه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ... قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ نعّمناهم ووسّعنا عليهم، والترفه: النعمة، في الحياة الدنيا ما هذا الرسول إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً قد ذهبت اللحوم أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ من قبوركم أحياء، وأعاد إنّكم لمّا طال الكلام، ومعنى وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون «١».
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ (٤٤)
هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ قال ابن عباس: هي كلمة بعد يقول: ما توعدون، واختلف القرّاء فيه، فقرأ أبو جعفر بكسر التاء فيهما، وقرأ نصر بن عاصم بالضم، وقرأ ابن حبوة الشامي بالضم والتنوين، وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين، وكلّها لغات صحيحة، فمن نصب جعل

مثل أين وكيف، وقيل: لأنهما أداتان فصارتا مثل خمسة عشر وبعلبك ونحوهما.
وقال الفرّاء: نصبهما كنصب قولهم ثمت وربّت، ومن رفعه جعله مثل منذ وقط وحيث، ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء. قال الشاعر:
تذكرت أياما مضين من الصبا | وهيهات هيهات إليك رجوعها «١» |
لقد باعدت أم الحمارس دارها | وهيهات من أم الحمارس هيهاتا |
إِنْ هِيَ يعنون الدنيا إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا يموت الآباء ويحيى الأبناء ما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ
يعنون الرسول إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ قالَ عَمَّا قَلِيلٍ عن قليل، وما صلة لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ على كفرهم فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعني صيحة العذاب بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً وهو ما يحمله السيل فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ والقرن أهل العصر، سمّوا بذلك لمقارنة بعضهم ببعض.
ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ ومن صلة.
ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا مترادفين يتبع بعضهم بعضا، وقرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو تترىً بالتنوين على توهّم أنّ الياء أصليّة، كما قيل: معزي بالياء ومعزى وبهمي وبهما فأجريت أحيانا وترك اجراؤها أحيانا، فمن نوّن وقف عليها بالألف، ومن لم ينوّن وقف عليها بالياء، ويقال: إنها ليست بياء ولكن ألف ممالة، وقرأه العامّة بغير تنوين مثل غضبى وسكرى، وهو اسم جمع مثل شتّى، وأصله: وترى من المواترة والتواتر، فجعلت الواو تاء مثل التقوى والتكلان ونحوهما.
كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً بالهلاك أي أهلكنا بعضهم في أثر بعض.
وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي مثلا يتحدّث بهم الناس، وهي جمع أحدوثة، ويجوز أن يكون جمع حديث، قال الأخفش: إنّما يقال هذا في الشّر، فأمّا في الخير فلا يقال: جعلتهم أحاديث وأحدوثة وإنما يقال: صار فلان حديثا.