آيات من القرآن الكريم

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُسْتَقِيمٍ
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ

(إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي إنه تعالى رحيم بهم، إذ جعلهم على تلك الشاكلة، ليتسنى لهم البحث عن أسباب معايشهم وأسباب منافعهم، وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية على وجوده وبعثة رسله.
(و) (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) أي وهو الذي أنعم عليكم بهذه النعم، وجعلكم أجساما حية بعد أن كنتم ترابا، ثم يميتكم حين انقضاء آجالكم، ثم يحييكم بالبعث والنشور إلى عالم آخر تلقون فيه حسابكم وجزاءكم من نعيم أو جحيم، ثم بين طبيعة الإنسان التي فطر عليها فقال:
(إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) أي إن الإنسان لم يوجّه همه إلى كل هذه الآلاء التي يتقلب فيها ليل نهار، بل جحدها وجحد خالقها على وضوح أمرها، وعبد غيره، وجعل له الأنداد من الأصنام والأوثان.
ونحو الآية قوله: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» وقوله: «قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ».
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)
تفسير المفردات
المنسك: الشريعة والمنهاج، ناسكوه: أي عاملون به، والهدى: الطريق الموصل إلى الحق، مستقيم: أي سوىّ لا عوج فيه.

صفحة رقم 138

المعنى الجملي
بعد أن قدّم عز اسمه ذكر نعمه وأنه رءوف بعباده رحيم بهم، وأن الإنسان كفور بطبعه، ومن ثم جحد الخالق لهذه النعم- أتبعه بزجر معاصريه عليه السلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته، بذكر خطئهم فيما تمسكوا به من الشرائع، وبيان أن لكل أمة شريعة خاصة، ثم أمره بالثبات على ما هو عليه من الحق، وأنه لا يضره عناد الجاحدين، فالله هو الحكم بينهم وبينه يوم القيامة.
الإيضاح
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ) أي إنا أنزلنا لأهل كل دين من الأديان السماوية شريعة خاصة يعملون بها، ويسيرون على نهجها، لا يتخطونها إلى غيرها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى منسكها ما فى التوراة، والأمة التي من مبعث عيسى إلى مبعث محمد صلّى الله عليه وسلّم منسكها ما فى الإنجيل، وأمة محمد صلى الله عليه وسلّم وهم من وجد حين مبعثه إلى يوم القيامة منسكهم ما فى القرآن، لأن لكل زمان ما يليق به من الشرائع التي تناسب من فيه فى تلك الحقبة.
(فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي فلا ينبغى لهم أن ينازعوك فى أمر هذا الدين، فإن تعيينه تعالى لكل أمة شريعة خاصة موجب لطاعة هؤلاء لك وعدم منازعتهم إياك فى أمر هذه الشريعة زعما منهم أن شريعتهم هى ما عيّن لآبائهم من التوراة والإنجيل، فذلك خطأ منهم، فإن ذلك إنما كان شريعة لمن مضى قبل نسخه بالقرآن.
والخلاصة- اثبت أيها الرسول على دينك ثباتا لا يطمعون أن يجذبوك منه ليزيلوك عنه، والمراد بذلك تهييج حميّته عليه السلام، وإلهاب غضبه لله ولدينه، ومثل هذا كثير فى كتاب الله، وكأنه قد قيل له: تأسّ بالأنبياء قبلك فى متاركة القوم الظالمين، والإمساك عن مجادلتهم بعد اليأس من إيمانهم.

صفحة رقم 139

(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) أي وادع هؤلاء المنازعين إلى توحيد الله وعبادته، إنك لعلى طريق يهدى إلى الحق، وشريعة توصل إلى السعادة.
ونحو الآية قوله: «وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ» (وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) أي وإن جادلك هؤلاء المشركون فى نسكك بعد أن ظهر الحق ولزمتهم الحجة- فقل لهم على سبيل التهديد والوعيد:
الله عليم بما تعملون وبما أعمل، ومجاز كلا بما هو له أهل.
ونحو الآية قوله: «وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» وقوله: «هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ».
وبعد أن أمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم بالإعراض عنهم وكان ذلك شديد الوقع على النفس سلاه بأن الله سيجازيهم لا محالة يوم القيامة على ما يقولون ويفعلون فقال:
(اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي الله يقضى بين المؤمنين منكم والكافرين يوم القيامة فيما كنتم تختلفون فيه من أمر الدين، فيتبين المحق من المبطل.
ونحو الآية قوله: «فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ» الآية.
وقصارى ما سلف- ادع إلى شريعتك، ولا تخصّ بالدعاء أمة دون أمة، فكلهم أمتك، وإنك لعلى طريق واضحة الدلالة تصل بمن اتبعها إلى سبيل السعادة، فإن عدلوا عن النظر فى الأدلة إلى المراء والتمسك بالعادات، وبما وجدوا عليه الآباء

صفحة رقم 140
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية