آيات من القرآن الكريم

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

بأحدهما فهو مَشِيد (١) بفتح الميم وكسر الشين.
وهذا قول عطاء، وعكرمة، وأبي صالح، والسّدي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأكثر المفسرين (٢).
ومن المفسرين من يخصص البئر المذكورة في هذه الآية -وهو قول الضحاك، والسدي- قالا: كانت هذه البئر باليمن (٣).
وليس بالوجه.
٤٦ - ثم حث على الاعتبار بحال من مضى من الأمم المكذبة فقال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: يريد: أفلم يسر قومك في أرض

(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٢. وقوله: "بفتح الميم وكسر الشين" هذا من كلام الواحدي.
(٢) ذكره الثعلبي ٣/ ٥٤ أعن عطاء وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير.
ورواه عن هؤلاء الأربعة الطبري ١٧/ ١٨٠ - ١٨١.
ورواه عن عطاء وعكرمة عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٩.
ولم أجده من ذكره عن أبي صالح والسدي.
قال ابن كثير ٣/ ٢٢٧ بعد ذكره للأقوال: والأقوال متقاربة، ولا منافاة بينهما، فإنه لم يحمل أهله شدة بنائه ولا ارتفاعه ولا إحكامه ولا حصانته عن حلول بأس الله بهم كما قال تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
وقال العلامة عبد الرحمن بن سعدي في "تيسير الكريم الرحمن" ٣/ ٣٢٧ - ٣٢٨: وكم من قصر تعب عليه أهله، فشيدوه ورفعوه وحصنوه وزخرفوه، فحين جاءهم الأمر لم يغن عنهم شيئا، وأصبح خاليًا من أهله.
(٣) ذكره الثعلبي ٥٤/ ٣ أعن الضّحاك. وذكر فيها قصّة.
وذكره القرطبي ١٢/ ٧٥ عن الضحاك وغيره، وساق عنه قصّة طويلها في خبر هذه البتر وأصحابها. الله أعلم بصحة هذا الخبر.

صفحة رقم 442

الشام وأرض اليمن ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ أي يعلمون بها مدلول ما يرون من العبر.
(والمعنى: أفلم يسيروا فيعقلوا بقلوبهم ما نزل بمن كذب قبلهم. والتأويل: فتكون لهم قلوبٌ عاقلة [عالمة؛ لأن قوله) (١) ﴿يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ صفة للنكرة، وقبل أن يسيروا لهم قلوب ولكن غير عاقلة، فإذا ساروا واعتبروا كانت لهم قلوب عاقلة] (٢) وعلى هذا النحو قوله ﴿أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾.
قال ابن عباس: يريد من يسمع فلم يجب فلم يسمع.
يعني أنهم غير سامعين إذا صمُّوا عن دعائك، أفلا يسيرون فيسمعوا (٣) أخبار الأمم المكذبة فيعتبروا.
قال ابن قتيبة -في هذه الآية والتي قبلها-: وهل شيء أبلغ في العظة والعبرة من هذه الآية؟ لأن الله تعالى أراد (٤): أفلم يسيروا في الأرض، فينظروا إلى آثار قوم أهلكهم الله بالعتو، وأبادهم بالمعصية، فيروا من تلك الآثار بيوتًا خاوية قد سقطت على عروشها، وبئرًا لشُرب أهلها قد عُطّلت (٥) (٦)، وقصرًا بناه ملكها (٧) بالشيد قد خلا من السكن وتداعى

(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٣) في (أ): (فيسمعون)، وهو خطأ.
(٤) (أراد): موضعه بياض في (ظ).
(٥) في (أ): (غلطت)، وهو خطأ.
(٦) العبارة عند ابن قتيبة: وبئرًا كانت لشُرب أهلها قد عطل رشاؤها وغار معينها، وقصرًا.
(٧) عند ابن قتيبة: ملكه.

صفحة رقم 443

بالخراب؛ فيتعظوا بذلك، ويخافوا من عقوبة الله وبأسه، مثل الذي (١) نزل بهم. ونحو هذا قوله ﴿فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف: ٢٥]. انتهى كلامه (٢).
ثم ذكر الله تعالى أنَّ (٣) أبصارهم الظاهرة لم تعم عن النظر، وإنما عميت أبصار (٤) قلوبهم فقال: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾.
قال الفراء: الهاء هاء عماد يوفى (٥) بها "إنَّ" ويجوز مكانها "إنَّه"، وكذلك هي في قراءة عبد الله (٦).
وقال غيره: هي إضمار على شريطة التفسير. والمعنى: فإنَّ الأبْصار لا تعمى. ويجوز أن تكون الهاء لإضمار القصة. وذكرنا هذه الأقوال مشروحة في تفسير قوله ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: ٩٧].
وقوله: ﴿الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ ذكر الفراء وأبو إسحاق (٧): أن هذا من التوكيد الذي تزيده العرب في الكلام، كقوله ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]. وقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]، وقوله ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]. والتوكيد جار في الكلام مبالغ في الإفهام.
وقال غيرهما: هذا التوكيد فائدته أنه يمنع من ذهاب الوهم إلى غير

(١) (الذي): ساقطة من (أ).
(٢) "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١٠.
(٣) (أن): ساقطة من (أ).
(٤) (أبصار): ساقطة من (أ).
(٥) عند الفراء. تُوَفّى.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٨.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٨، و"معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٣٢.

صفحة رقم 444
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية