
والدوافع الدينية، وهذه ميزة الإسلام يحمل المسلمين على العمل بكل الأساليب المرغبة ليقبلوا على العمل بعقيدة ثابتة ونفس راضية.
والأيام المعلومات هي أيام التشريق الثلاث ويوم العيد فتكون أربعة وقيل: هي العشر الأوائل من ذي الحجة ووقت الذبح يوم النحر، وقيل: يوم العيد وأيام التشريق.
فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير: أما الأكل منها فالأمر فيه للإباحة جبرا لخاطر الفقير وإشعارا له بالمساواة في المأكل والمشرب ومخالفة لما كان في الجاهلية، والأمر في قوله وأطعموا للوجوب، ومذهب الشافعى رحمه الله أن الأكل مستحب والإطعام واجب فإن أطعمها جميعها أجزأه، وإن أكلها جميعها لم يجزه، هذا فيما إذا كان الذبح تطوعا. فأما الواجبات كالنذر والكفارات ودم الجبر الذي يذبح لنقص في أعمال الحج مثل دم القران والتمتع مثلا فلا يأكل منها، وقيل: يجوز له الأكل.
ثم بعد تحللهم وخروجهم من الإحرام ليؤدوا تفثهم، وليزيلوا أوساخهم، ويتحللون بالحلق أو التقصير، ونتف الإبط وإزالة الوسخ، وتفسير القضاء في لْيَقْضُوا بالإزالة تفسيرا مجازيا.
وليطوفوا طواف الإفاضة والزيارة، وهو غير طواف القدوم، وطواف الوادع وليطوفوا بالبيت العتيق الطاهر القديم شكرا لله على توفيقه لأداء الحج.
ولعل في ذكر الحج والأذان به عقب التسجيل على الكافرين بالصد عن سبيل الله والمسجد الحرام، وبيان مكانة البيت وطهارته، ما يجعلنا نشعر بأن من يقف حائلا في يوم من الأيام ويمنع حج بيت الله الحرام يكون من الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله والمسجد الحرام...
توجيهات إلهية لتعظيم حرمات الله وشعائره [سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٠ الى ٣٥]
ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (٣٢) لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (٣٤)
الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلى ما أَصابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)

المفردات:
حُرُماتِ اللَّهِ مالا يحل هتكه الرِّجْسَ القذر، والمراد: اجتنبوا عبادة الأوثان مِنَ الْأَوْثانِ جمع وثن وأصله من وثن الشيء: أى أقام في مقامه، وسمى الصنم وثنا لأنه ينصب ويركز في مكانه لا يبرح عنه، وقد يسمى الصنم تمثالا إذا كان على صورة الحيوان التي يحيا بها حُنَفاءَ لِلَّهِ مستقيمين أو مائلين لجهة الله خَرَّ مِنَ السَّماءِ سقط فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ تقطعه بمخالبها تَهْوِي تسقط سَحِيقٍ بعيد شَعائِرَ اللَّهِ الشعائر جمع شعيرة، وهي: كل شيء لله فيه أمر أشعر به وأعلم، وعلى ذلك فشعار القوم في الحرب علامتهم مَنْسَكاً
أى: ذبحا الْمُخْبِتِينَ المتواضعين الخاشعين وَجِلَتْ خافت.

المعنى:
الأمر والشأن ذلك الذي ذكر من أحكام الحج وحدوده، وهذا أسلوب عربي سليم، إذ للكاتب حيث قدم جملة أو فصلا من كتابه أن يقول: ذلك والمراد تنبه إليه واحفظه، واعتن بذلك المذكور فالأمر ذلك.
ومن يعظم حرمات الله، ويعمل على أنها واجبة الحفظ والمراعاة، ويقوم بحفظها ورعايتها وعدم انتهاكها- وحرمات الله هي مالا يحل هتكه، وجميع ما كلفنا الله- تعالى- بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها- فالتعظيم خير له عند ربه من التهاون في شيء منها، وليس المعنى على التفصيل بين التعظيم وغيره بل المراد الوعد الصادق بالخير.
والحج ركن جمع بين العبادة البدنية والمالية، ففيه نسك وذبح وإهداء، ولذا ناسب أن يبين ما يحل ذبحه وأكل لحمه وما لا يحل فقال:
وأحلت لكم الأنعام أن تذبحوها وتأكلوا لحمها إلا ما يتلى عليكم في الكتاب من المحرمات كالتي ذكرت في سورة المائدة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [سورة المائدة آية ٣].
والمعنى أن الله قد أحل لكم الأنعام فكلوها، وحرم عليكم الميتة والموقوذة إلى آخر ما هو معروف فحافظوا على الحدود، وإياكم أن تحرموا مما أحل الله شيئا كتحريم عبدة الأوثان البحيرة. والسائبة. والوصيلة (قد سبق معرفتها في سورة المائدة آية ١٠٣) وإياكم أن تحلوا شيئا مما حرمه الله كما أحلوا الموقوذة والنطيحة وغير ذلك..
ولما حث على تعظيم حرمات الله ببيان أن مراعاتها وامتثال الأمر فيها خير لصاحبها أتبعه بالأمر باجتناب الأوثان وقول الزور.
إذ توحيد الله- سبحانه- ونفى الشركاء عنه، وصدق القول، والبعد عن الزور كل ذلك من أعظم الحرمات وأهمها.
وانظر إلى جمع القرآن الشرك مع قول الزور في سلك واحد!! ولا غرابة فالشرك صورة من صور الزور إذ المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة، وأنه شريك للباري،

فكأنه قال اجتنبوا الرجس من الأوثان التي هي رأس الزور، وعنوان البهتان، واجتنبوا قول الزور لأنه بالغ النهاية في القبح والقذارة.
وانظر يا أخى- وفقك الله إلى إدراك أسرار كتابه- إلى جعل الأوثان من الرجس، والرجس من القذارة، والطبع السليم يأنف من الأوساخ والقاذورات فالواجب على العاقل أن يباعد بينه وبين الأوثان حيث إنها رجس من عمل الشيطان، وكأن المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان.
واجتنبوا قول الزور وشهادة الزور فإنه ميل عن الحق إلى الباطل
عن النبي صلّى الله عليه وسلم: أنه صلّى الصبح فلما سلّم قام قائما واستقبل بوجهه، وقال: عدلت شهادة الزور والإشراك بالله. عدلت شهادة الزور والإشراك بالله. عدلت شهادة الزور والإشراك بالله. وتلا هذه الآية... اجتنبوا الرجس الذي هو عبادة الأوثان واجتنبوا الزور والقول به. حالة كونكم حنفاء لله، مستقيمين له، مائلين جهة الحق والعدل، غير مشركين به شيئا، ومن يشرك بالله، ويعبد غيره فقد أهلك نفسه إهلاكا ليس بعده هلاك وهو يشبه حال من سقط من السماء فاختطفته الطيور ومزقت جسده قطعا قطعا، وابتلعته في حواصلها أو عصفت به الريح حتى هوت به في مغاور بعيدة الغور لا يعرف لها قرار.
وما أبلغ تشبيه المشرك بالله بالساقط من السماء، مع الأهواء التي تنتابه ونزغات الشيطان التي تتوزعه بالطير تأكل من جسمه، ومعه الشيطان يطوح به في مهاوي الضلال البعيدة الغور كالريح العاصف.
ذلك أى احفظ ذلك، أو الأمر هو ذلك الذي ذكرناه.
ومن يعظم شعائر الله، وهي الهدايا لأنها من معالم الحج وتعظيمها أن يختارها سمينة غالية الثمن، فإن تعظيمها من أفعال ذوى القلوب المؤمنة المملوءة بالتقوى فالتقوى محلها القلب.
لكم فيها منافع إلى أجل مسمى حيث تركبونها، وتأكلون من لبنها، وتنتفعون بأصوافها إلى أجل مسمى، وهو نحرها والتصدق بها وأكلها... لنا في الهدى منافع دنيوية وهي الركوب وشرب اللبن. ومنافع أخروية وهي التي يعتد الله بها وينظر إليها تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [سورة الأنفال آية ٦٧].