
الحديد، انغمسوا في حياض الحميم، فيذهبون سفالاً سفالاً مقدار أربعين سنة، كما يغرق الرجل فيذهب في الماء سفالاً سفالاً.
وروي أن جهنم تجيش فتلقي من فيها إلى أعلى أبوابها، فيريدون الخروج، فتعيدهم الخزان بالمقامع، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب الحريق، بمعنى المحروق، كالأليم بمعنى المؤلم. فهو فعيل بمعنى مفعول.
قوله: ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ إلى قوله: ﴿مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.
أي: يدخلهم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار ".
﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾.
ومن قرأ بالنصب، فمعناه: ويحلون لؤلؤاً. ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ أي: ثياب من حرير.
ثم قال: ﴿وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول وهدوا إلى صِرَاطِ﴾.
أي: هداهم ربهم في الدنيا إلى شهادة أن لا إله إلا الله.
وقال ابن زيد: هدوا إلى الكلام الطيب: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله. وهو الذي قال جل ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠].
وقال ابن عباس: هدوا: ألهموا.
وقيل: هدوا إلى قوله: الحمد لله الذي صدقنا وعده.
وقيل: معناه: هدوا إلى البشارات التي تأتيهم من عند الله، بما لهم من دوام النعم

وبالسلام والتحية التي يبعثها الله إليهم مع الملائكة. كما قال: ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار﴾.
ومعنى: ﴿وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد﴾. أي: إذا صاروا إلى الآخرة، وهدروا إلى صراط الجنة، وطريقها، فهو صراط الله تعالى، يسلكه المؤمنون إلى الجنة ويعدل عنه الكافرون والمنافقون إلى طريق النار.
والحميد هو الله. بمعنى المحمود. أي: أن يحمد على نعمه، على عباده.
وقيل: معناه: وهدوا إلى صراط الحميد، أي: وهداهم ربهم في الدنيا إلى طريق الرب الحميد، وهو دين الإسلام. والحميد بمعنى المحمود عند أوليائه وخلقه. فحميد: فعيل بمعنى: مفعول. وصراط العزيز الحميد: الإسلام.
وقيل: " إن قوله: لا إله إلا هو " هدوا إلى ذلك في الدنيا.
ثم قال: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾.
أي: إن الذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسله ومنعوا الناس الدخول في دين الله وصدوهم عن المسجد الحرام الذي جعله الله للناس المؤمنين كافة لم يخصص به بعض دون بعض، هلكوا. وهذا خبر أن، محذوف من الكلام.
وقيل: الخبر: يصدون. فالواو زائدة.
قال أبو إسحاق: الخبر: نذقه من عذاب أليم. وهذا غلط، لأنه جواب الشرط.
ثم قال: ﴿سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد﴾.
أي: معتدل في النزول فيه، المقيم والبادي. فالبادي [المنتاب إليه من غيره].

والعاكف أهله. أي: ليس أحدهم أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر، إلا أن يكون أحد سبق إلى منزل.
قال ابن زيد ومجاهد: ذلك مباح في بيوت مكة.
وروي أن الأبواب إنما عملت على بيوت مكة من السِّرَق، لأن الناس كانوا ينزلون أينما وجدوا. فعمل رجل باباً، فأرسل إليه عمر: اتخذت باباً من حجاج بيت الله؟ فقال: لا، إنما جعلته متحرز متاعهم. واختلف في الآية. فقيل: عُني بها المسجد الحرام خاصة.
ليس أحد أولى به من غيره.
وقيل: عني بها مكة، ليس أحد أولى بمسكن فيها من غيره.
والمعنى: والمسجد الحرام. أي: ويصدون الناس عن دخول المسجد الحرام والصلاة فيه، والطواف بالبيت، وهو موضع يستوي فيه المقيم والطارئ، حقهم فيه واحد. وهذا يدل على أن المراد المسجد الحرام، دون بيت مكة، وهو ظاهر اللفظ. وقد ملك الناس دور مكة وتبايعوا من أول الإسلام إلى الآن وهم يتوارثونها من أول الإسلام. فظاهر لفظ الآية إنما يدل على أن العاكف والطارئ حقهما في المسجد سواء، لا فضل لأحدهما على الآخر.
وقد قال ابن عباس: ذلك في المسجد الحرام خاصة.

وعن مجاهد وعطاء: أن المعنى: أن أهل مكة والغريب بها، هما في حرمة الإسلام سواء، لا يمنع أحد من دخوله من المؤمنين، ولا يُضر أحد منه. وهذا القول يؤيده صدر الآية، لأنه تعالى إنما ذكر [صد] الكافرين المؤمنين عن المسجد الحرام ومنعهم منه. ثم أعلمنا آخر الآية أن أهله والغريب في حرمته سواء، لا يُمنع أحد منهم.
ومن قرأ " سواءُ " بالرفع، جعله مبتدأ. والعاطف فيه خبره. وإن شئت جعلت العطاف مبتدأ وسواء خبر مقدم. فتقف على " الناس "، على تقدير الوجهين. ويكون: " للناس "، في موضع المفعول الثاني، تقف على " الناس ". من قرأ بالنصب، جعله مفعولاً ثانياً بـ " جعلنا " ويرتفع العاكف. والأحسن عند سيبويه في مثل هذا: الرفع، لأنه غير جار على الفعل. وقد قرئ " سواءً " بالنصب " العاكف " بالخفض، على أن يكون " سواء " مفعولاً ثانياً ل " جعلناه " والعاكف والبادي بدلاً من الناس، أو نعتاً لهم.
ثم قال: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ﴾ فالباء في " بإلحاد " زائدة. قاله: الأخفش وأبو عبيدة. وقال الكوفيون: إنما دخلت الباء هنا، لأن معناه: ومن يرد فيه بأن يلحد. والباء تدخل وتحذف مع " أن " كثيراً ومنع المبرد، الزيادة في كتاب الله، والقول عنده: إن يرد. يدل على الإرادة. فيدخل الباء مع الفعل. على تقدير دخلوها مع المصدر. فالتقدير عنده. ومن أراد به بأن يلحد، وهو ظالم. كما قال: أريد لأنْسَى ذِكْرَه. فأكنما تخيل لي ليلاً بكل سبيل. فأدخل اللام، على تقدير دخولها مع المصدر. أي: إرادتي لكذا.
قال ابن عباس: ﴿بِظُلْمٍ﴾ بشرك.

وقال مجاهد: " من يرد فيه غير الله " وقاله الحسن.
وقال قتادة: من أشرك في بيت الله، عذبه الله.
وعن ابن عباس: أن المعنى من استحل من الحرام ما حرم الله، أذاقه الله العذاب المؤلم، ثمل القتل ونحوه.
وقال مجاهد: معناه: من يعمل فيه عملاً [سيئاً].
وهذه الآية تدل على أن الإنسان/ يجب عليه العقاب بنيته لفعل الشر في الحرم.
ألا ترى إلى قوله: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولم يقل: من يفعل ذلك. وإنما ذكر العقوبة على الإرادة فقط، فهو ظاهر الآية، وذلك لعظيم حرمة الحرم وجلالة قدره، وكذلك يضاعف فيه الحسنات أكثر مما يضاعف في غيره.
وقال ابن عمر: ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه، يعني: في غير الحرم وفي غير أهل الحرم، قال: ولو أن رجلاً بِعَدَن أبينَ همَّ بقتل رجل بهذا البيت إلا أذاقه الله من العذاب الأليم.
وقال الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها

فتكتب عليه.
وعن ابن عباس أيضاً أن المعنى: من يرد إستحلاله متعمداً.
وقال حبيب بن أبي ثابت: " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم "، هم: المحتكرون الطعام بمكة.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ أنه قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد.
وقال مجاهد: بيع الطعام بمكة إلحاد، وليس الجالب كالمقيم.
وقال الضحاك: الإلحاد في هذا الموضع: الشرك.
وقال عطاء: هو عبدة غير الله.
وقيل: إنه كل ما كان منهياً عنه حتى قول الرجل: " لا والله وبلى والله ".
وروى مجاهد أن ابن عمر كان له فسطاطان، أحدهما في الحل والآخر في الحرم فإذا أراد أن يعاتب أهله، عاتبهم في الحل. فسئل عن ذلك فقال: كنا نحدث