
وقوله: (اخْتَصَمُوا) ولم يقل: اختصما لأنهما جَمعان ليسا برجلين، ولو قيل: اختصما كَانَ صَوَابًا. ومثله (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) يذهب إلى الجمع. ولو قيل «١» اقتتلتا لجازَ، يذهب إلى الطائفتين.
وقوله: يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ: [٢٠] يُذابُ بِهِ. تَقُولُ: صَهَرْت الشحم بالنار.
وقوله: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [٢١] ذُكِرَ أنهم يطمعونَ (فِي الخروج) «٢» من النار حَتَّى إذا همّوا بذلك ضربت الخزنة رءوسهم بالمقامع «٣» فتخسف رءوسهم فيُصب فِي أدمغتهم الحميم فيَصْهَر شحوم بطونِهم، فذلك قوله فِي إِبْرَاهِيم (وَيُسْقى «٤» مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) مِمّا يذوبُ من بطونِهم وجلودهم.
وقوله: (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) يكره عليه.
وقوله: وَلُؤْلُؤاً [٢٣] قرأ «٥» أهل المدينة هَذِه والتي فِي الملائكة «٦» (وَلُؤْلُؤاً) بالألف «٧» وقرأ الأعمش «٨» كلتيْهما بالخفض. ورأيتها فِي مصاحف عبد الله والتي فِي الحج خاصَّة (ولُؤْلُأ) (وَلَا تَهَجَّأْه). «٩»
وَذَلِكَ أن مصاحفه قد أجرى الْهَمْز فيها بالألف فِي كل حال إن كَانَ ما قبلها مكسورًا أو مفتوحًا أو غير ذَلِكَ. والتي فِي الملائكة كتبت فِي مصاحفنا (ولؤلؤ) بغير ألف والتي فى الحج (وَلُؤْلُؤاً) بالألف فخفضهما ونصبُهما جائز. ونصب التي فِي الحج أمكن- لمكان الألف- من التي فِي الملائكة.
وقوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [٢٥] ردّ يفعلون «١٠» على فعلوا «١١» لأن
(٢) ا: «بالخروج».
(٣) سقط فى ا.
(٤) الآيتان، ١٦، ١٧ من سورة إبراهيم.
(٥) ش: «قرأها».
(٦) أي سورة فاطر.
(٧) وهى قراءة نافع وعاصم وأبى جعفر، وقراءة يعقوب هنا.
(٨) وهى قراءة غير من ذكر. [.....]
(٩) سقط فى ا. أي لا تراع فى النطق هجاء هذه الحروف فتقول: لولا بالألف من غير همز.
(١٠) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.
(١١) يريد بيفعلون المضارع ويفعلوا الماضي.

معناهما كالواحد فِي الَّذِي «١» وغير الَّذِي. ولو «٢» قيل: إن الَّذِينَ كفروا وصدُّوا لَمْ يكن فيها ما يُسأل عَنْهُ. وردُّكَ يفعلون عَلَى «٣» فَعلوا لأنك أردت إن الَّذِينَ كفروا يصدون بكفرهم.
وإدخالك الواو كقوله (وَلِيَرْضَوْهُ «٤» وَلِيَقْتَرِفُوا) أضمرت فعلًا «٥» فِي الواو مع الصدّ كما أضمرته هاهنا «٦». وإن شئت قلت: الصد منهم كالدائم فاختيرَ لَهُم يفعلونَ كأنك قلت: إن الَّذِينَ كفروا ومن شأنهم الصد. ومثله (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ «٧» بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) وَفِي قراءة عبد الله (وقاتَلوا الَّذِينَ يأمرون «٨» بالقسط) وقال (الَّذِينَ آمَنُوا «٩» وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) مثل ذَلِكَ. ومثله فِي الأحزاب فِي قراءة عبد الله (الَّذِينَ «١٠» بَلَّغُوا رِسَالات اللهِ ويَخْشَوْنَهُ) فلا بأس أن تردّ فَعَل عَلَى يفعل كما قَالَ (وَقَاتلُوا الَّذِينَ يأمرونَ)، وأن ترد يفعل عَلَى فعل، كما قَالَ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
وقوله: (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) فالعاكف من كَانَ من أهل مكّة. والبادِ مَن نَزع إِلَيْهِ بحج أو عمرة. وقد اجتمعَ «١١» القراء عَلَى رفع (سَواءً) هَاهُنا. وأما قوله ١٢١ افى الشريعة «١٢» :
(٢) ش: «فلو».
(٣) ش، ب: «إلى».
(٤) الآية ١١٣ سورة الأنعام. والأولى أن يذكر صدر الآية: «وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وليرضوه» :
(٥) كأنه يريد أن التقدير: إن الذين كفروا يخالفون ويصدون «وهذا جواب غير السابق».
(٦) أي فى قوله «وليرضوه» والأصل: «ليغروهم ولتصغى... وليرضوه».
(٧) الآية ٢١ سورة آل عمران.
(٨) والآية في قراءة الجمهور: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ».
(٩) الآية ٢٨ سورة الرعد.
(١٠) الآية ٣٩ من سورة الأحزاب وقراءة الجمهور: «الذين يبلغون».
(١١) خالف فى هذا حفص فقرأه بالنصب. [.....]
(١٢) ا: «الجاثية» وهما واحد.

(سَواءً مَحْياهُمْ
«١» مَماتُهُمْ) فقد نصبها الأعمش وحده، ورفعها سائرُ القراء. فمن نصبَ «٢» أوقع عَلَيْهِ (جَعَلْناهُ) ومن رفع جَعل الفعل واقعًا عَلَى الْهَاء واللام التي فِي الناس، ثُمَّ استأنف فقال:
(سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ومن شأن العرب أن يستأنفوا بسواء إذا جاءت بعد حرف قد تم بِهِ الكلام فيقولون: مررت برجلٍ سواء عنده الخير والشر. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفعَ لأن (سَواءً) فِي مذهب واحد، كأنك قلت: مررت عَلَى رجل واحد عنده الخير والشر. ومن خفض أراد: معتدل عنده الخير الشرّ. ولا يقولون: مررت عَلَى رجل معتدلٌ عنده الخير والشر لأن (معتدل) فعل مصرَّح، وسواء فِي مذهب مصدر. فإخراجهم «٣» إيّاه إلى الفعل كإخراجهم مررت برجلٍ حَسْبِك من رجل إلى الفعل.
وقوله: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) دخلت الباء فِي (إلحاد) لأن تأويله: ومن يُرد بأن يُلحد فِيهِ بظلم. ودخول الباء فِي (أن) أسهل منه فِي الإلحاد وما أشبهه لأن (أن) تضمر الخوافض معها كثيرًا، وتكون كالشرط فاحتملت دخول الخافض وخروجه لأن الإعراب لا يتبيّن فيها، وقلّ فِي المصادر لتبين الرفع والخفض فيها «٤». أنشدني أَبُو الجراح:
فلمّا رَجَت بالشُّرب هَزّلها العصا | شَحِيح لَهُ عند الإزاء نَهِيم «٥» |
ألا هَلْ أتاها والحوادِثُ جَمَّة | بأن امرأ القيس بنَ تَمْلِك بيقرا «٧» |
(٢) أي سواء هنا، وقد علمت أنه حفص.
(٣) ا: «وإخراجهم».
(٤) سقط فى ا.
(٥) الإزاء: مصب الحوض. والنهيم: صوت توعد وزجر.
(٦) سقط فى ا.
(٧) بيقر: هاجر من أرض إلى أرض، وبيقر: خرج إلى حيث لا بدري، وبيقر: نزل الحضر وأقام هناك وترك قومه بالبادية وخص بعضهم به العراق وكلام امرئ القيس يحتمل جميع ذلك كما فى اللسان.

فأدخل الباء عَلَى (أنّ) وهي فِي موضع رفع كما أدخلها على (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) وهو فِي موضع نصب. وقد أدخلوها عَلَى (مَا) إذا أرادوا بِهَا المصدر، يعني الْبَاء. وقال قيس بن زُهَير:
ألم يأتيك والأنباء تنمي | بما لاقت لبون بني زياد «١» |
وأنشدني بعضهم فِي بنت لَهُ:
وأرغب فيها عَن لَقِيطٍ ورَهْطه | ولكنني عَن سنْبس لست أرغبُ «٤» |
وقوله: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ [٢٦] ولم يقل: بَوَّأنا إِبْرَاهِيم. ولو كَانَ بمنزلة قوله (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي «٦» إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) فإن شئت أنزلت (بَوَّأْنا) بمنزلة جعلنا. وكذلك سمعت فِي التفسير.
وإن شئت كَانَ بمنزلة قوله (قُلْ عَسى «٧» أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ) معناه: ردفكم.
وكلّ صواب.
(٢) ش، ب: «أردنا النزول».
(٣) أي يقولون: رغبت فيك عن فلان أي رغبت بك عنه أي رأيت لك فضلا على فلان فزهدت فى فلان ولم أرده.
(٤) سنبس أبو حي من طيئ.
(٥) سقط فى اكما سقط فى ش، ب: «فى بنت لم».
(٦) الآية ٩٣ سورة يونس. [.....]
(٧) الآية ٧٢ سورة النمل.