
ولو قيل: هؤلاء خصمان. أو اختصما: جاز. يراد المؤمنون والكافرون. قال ابن عباس:
رجع إلى أهل الأديان الستة فِي رَبِّهِمْ أى في دينه وصفاته. وروى أن أهل الكتاب قالوا للمؤمنين: نحن أحق بالله، وأقدم منكم كتابا، ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسدا، فهذه خصومتهم في ربهم فَالَّذِينَ كَفَرُوا هو فصل الخصومة المعنىّ بقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وفي رواية عن الكسائي: خصمان، بالكسر، وقرئ:
قطعت بالتخفيف، كأنّ الله تعالى يقدّر لهم نيرانا على مقادير جثثهم تشتمل عليهم كما تقطع الثياب الملبوسة. ويجوز أن تظاهر على كل واحد منهم تلك النيران كالثياب المظاهرة على اللابس بعضها فوق بعض. ونحوه سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ. الْحَمِيمُ الماء الحار. عن ابن عباس رضى الله عنه: لو سقطت منه نقطة على جبال الدنيا لأذابتها يُصْهَرُ يذاب. وعن الحسن بتشديد الهاء للمبالغة، أى: إذا صبّ الحميم على رؤسهم كان تأثيره في الباطن نحو تأثيره في الظاهر، فيذيب أحشاءهم وأمعاءهم كما يذيب جلودهم، وهو أبلغ من قوله وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ والمقامع: السياط. في الحديث: «لو وضعت مقمعة منها في الأرض فاجتمع عليها الثقلان ما أقلوها «١» »، وقرأ الأعمش: ردوا فيها. والإعادة والرد لا يكون إلا بعد الخروج، فالمعنى:
كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم فخرجوا أعيدوا فيها. ومعنى الخروج: ما يروى عن الحسن أنّ النار تضربهم بلهبها فترفعهم، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهووا فيها سبعين خريفا وَقيل لهم ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ والحريق: الغليظ من النار المنتشر العظيم الإهلاك.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٣ الى ٢٥]
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٢٣) وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)
يُحَلَّوْنَ عن ابن عباس: من حليت المرأة فهي حال «٢» وَلُؤْلُؤاً بالنصب على:
لو وضع مقمع منها في الأرض... الحديث. [.....]
(٢). قوله «من حليت المرأة فهي حال» الذي في الصحاح: حليت المرأة، أى: صارت ذات حلى، فهي حلية وحالية. (ع)

ويؤتون لؤلؤا، كقوله: وحورا عينا. ولؤلوا بقلب الهمزة الثانية واوا. ولوليا، بقلبهما واوين، ثم بقلب الثانية ياء كأدل. ولول كأدل فيمن جرّ. ولولؤ. وليليا، بقلبهما ياءين، عن ابن عباس: وهداهم الله وألهمهم أن يقولوا الحمد لله الذي صدقنا وعده، وهداهم إلى طريق الجنة. يقال: فلان يحسن إلى الفقراء وينعش المضطهدين، لا يراد حال ولا استقبال، وإنما يراد استمرار وجود الإحسان منه والنعشة في جميع أزمنته وأوقاته. ومنه قوله تعالى وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أى الصدود منهم مستمرّ دائم لِلنَّاسِ أى الذين يقع عليهم اسم الناس من غير فرق بين حاضر وباد وتانئ «١» وطارئ ومكي وآفاقى. وقد استشهد به أصحاب أبى حنيفة قائلين: إنّ المراد بالمسجد الحرام: مكة، على امتناع جواز بيع دور مكة وإجارتها.
وعند الشافعي: لا يمتنع ذلك. وقد حاور إسحاق بن راهويه فاحتجّ بقوله الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وقال أنسب الديار إلى مالكيها، أو غير مالكيها؟ واشترى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه دار السجن من مالكيه أو غير مالكيه؟ سَواءً بالنصب: قراءة حفص. والباقون على الرفع. ووجه النصب أنه ثانى مفعولي جعلناه، أى: جعلناه مستويا الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وفي القراءة بالرفع. الجملة مفعول ثان. الإلحاد: العدول عن القصد، وأصله إلحاد الحافر. وقوله بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ حالان مترادفتان. ومفعول يُرِدْ متروك ليتناول كل متناول، كأنه قال: ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ يعنى أنّ الواجب على من كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده. وقيل: الإلحاد في الحرم:
منع الناس عن عمارته وعن سعيد بن جبير: الاحتكار. وعن عطاء: قول الرجل في المبايعة «لا والله، وبلى والله» وعن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان، أحدهما: في الحل، والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، «٢» فقيل له، فقال، كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل: لا والله، وبلى والله. وقرئ: يرد، بفتح الياء من الورود. ومعناه:
من أتى فيه بإلحاد ظالما. وعن الحسن: ومن يرد إلحاده بظلم، أراد: إلحادا فيه، فأضافه على الاتساع في الظرف، كمكر الليل. ومعناه: من يرد أن يلحد فيه ظالما. وخبر إن محذوف لدلالة جواب الشرط عليه، تقديره: إن الذين كفروا ويصدون عن المسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، وكل من ارتكب فيه ذنبا فهو كذلك. عن ابن مسعود: الهمة في الحرم تكتب ذنبا.
(٢). أخرجه الطبري والأزرقى في تاريخ مكة من رواية شعبة عن منصور عن مجاهد قال «كان لعبد الله بن عمرو ابن العاص... فذكره».
«تنبيه» ما في نسخ الكشاف «ابن عمر» تصحيف، وإنما هو «ابن عمرو».