آيات من القرآن الكريم

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ

قلت: ويشبه هذا الوصف عصا موسى تارة بأنها جان وتارة بأنها ثعبان والجان الرقيق من الحيات والثعبان العظيم الجافي منها ووجه ذلك أنها جمعت الوصفين فكانت في خفتها وفي سرعة حركتها كالجان وكانت في عظم خلقها كالثعبان وقد رمق الشعراء سماء هذا المعنى فوصفوا اجتماع النقيضين في موصوف واحد، قال ابن الرومي في وصف وحيد المغنية:
خلقت فتنة غناء وحسنا... ما لها فيهما جميعا نديد
فهي نعمى يميد منها كبير... وهي بلوى يشيب منها الوليد
فوصفها بأنها نعمى يميد منها الكبير ثم وصفها بأنها بلوى يشيب منها الصغير فهي إن واصلت أحيت وإن هاجرت أماتت وقال من هذه القصيدة الممتعة التي أحب أن ترجع اليها في ديوانه:
ما تزالين نظرة منك موت... لي مميت ونظرة تخليد
نتلاقى فلحظة منك وعد... بوصال ولحظة تهديد
وهو في الشعر كثير نجتزى منه بهذا المثال.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٣ الى ٨٨]
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ (٨٤) وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (٨٥) وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (٨٦) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧)
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)

صفحة رقم 350

الإعراب:
(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) وأيوب مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر وهو على حذف مضاف أي اذكر خبر أيوب، وإذ بدل من خبر أي من المضاف المقدر وجملة نادى ربه مضاف اليه، وربه مفعول نادى، وأني أن وما في حيزها نصب بنزع الخافض أي بأني وان واسمها وجملة مسني الضر خبر أن وأنت الواو حالية وأنت مبتدأ وأرحم خبر والراحمين مضاف إليه وستأتي في باب الفوائد. (فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ) الفاء عاطفة واستجبنا فعل وفاعل وله متعلقان باستجبنا، فكشفنا عطف على فاستجبنا وما مفعول به وبه صلة ما ومن ضر حال. (وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) وآتيناه فعل وفاعل ومفعول به وأهله مفعول به ثان ومثلهم عطف على أهله أو مفعول معه ومعهم ظرف مكان متعلق بمحذوف حال أي كائنين معهم ورحمة مفعول من أجله ويجوز أن يكون مصدرا لفعل مقدر أي رحمناه رحمة والأول أرجح ومن عندنا صفة لرحمة وذكرى عطف على رحمة وللعابدين

صفحة رقم 351

متعلقان بذكرى. (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) وإسماعيل مفعول به لفعل محذوف أي واذكر ويجوز أن يعطف نسقا على من تقدم من الأنبياء وإدريس عطف على إسماعيل وذا الكفل عطف أيضا وسيأتي سبب تسميته بذلك في باب الفوائد وكل مبتدأ ومن الصابرين خبره. (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) الجملة معطوفة وان واسمها ومن الصالحين خبرها. (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وذا النون مفعول به لفعل محذوف أو معطوف نسقا على من تقدم وسيأتي بحثه في باب الفوائد، وإذ بدل من المضاف المحذوف كما تقدم وجملة ذهب مضاف إليها ومغاضبا حال أي لقومه لا لربه أي انه غضب عليهم لما كابده منهم، فظن الفاء عاطفة وظن معطوف على ذهب أي تركهم وذهب دون أن يؤذن له وفاعل ظن مستتر تقديره هو وأن مخففة من الثقلية واسمها ضمير الشأن وجملة لن نقدر عليه خبر وسيأتي معنى لن في باب الفوائد كما ستأتي خلاصة قصته. (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فنادى عطف على ظن وفي الظلمات متعلقان بمحذوف حال وأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لا إله إلا أنت هي الخبر ويجوز أن تكون مفسرة لأن النداء فيه معنى القول دون حروفه وسبحانك مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة حالية واني ان واسمها والجملة تعليلية وجملة كنت من الظالمين خبر إني ومن الظالمين خبر كنت. (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) فاستجبنا عطف على ما تقدم وله متعلقان باستجبنا ونجيناه فعل وفاعل ومفعول به ومن الغم متعلقان بنجيناه، وكذلك الكاف نعت لمصدر محذوف وننجي المؤمنين فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به.

صفحة رقم 352

الفوائد:
١- خلاصة قصة أيوب:
روى التاريخ أن أيوب كان رجلا روميا من ولد اسحق بن يعقوب وقد استنبأه الله وبسط عليه الدنيا وكثر أهله وماله وكان له سبعة بنين وسبع بنات وله أصناف البهائم وخمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد لكل عبد امرأة وولد ونخيل فابتلاه الله بذهاب ولده انهدم عليهم البيت فهلكوا وبذهاب ماله وبالمرض في بدنه ثماني عشرة سنة وقيل ثلاث عشرة سنة وقالت له امرأته يوما: لو دعوت الله فقال لها كم كانت مدة الرخاء؟ فقالت: ثمانين سنة فقال: أنا أستحيي من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائي مدة رخائي فلما كشف الله عنه أحيا ولده ورزقه مثلهم ونوافل منهم، وقصة أيوب حافلة بالصور الشعرية الملهمة وهي ديوان حافل عن الصبر على البلاء وعدم البطر في الرخاء.
٢- الفرق بين الضّر والضّر:
يقال ضر بفتح الضاد وضر بضمها والفرق بينهما أن الضر بالفتح هو الضرر بكل شيء والضر بالضم هو الضرر في النفس من هزال ومرض وفرق بين البناءين لافتراق المعنيين وقد نظم بعضهم الفرق بينهما كما أورد معاني أخرى لهما قال:
وضدّ نفع قيل فيه ضرّ... وجود ضرّة لعرس ضرّ
وسوء حال المرء ذاك ضرّ... كذا هزال مرض أو كبر

صفحة رقم 353

٣- التلطف في السؤال:
وقد تلطف أيوب في السؤال وألمح الى ما يعانيه من بلاء دون أن يصرح بمطلوبه حيث اكتفى بذكر المس في الضر وأدخل أل الجنسية على الضر لتشمل أنواعه المتقدمة ووصف ربه بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها فكان درسا بليغا لكل من تتعاوره الأرزاء وتنتابه اللأواء ويحكى أن عجوزا تعرضت لسليمان بن عبد الملك فقالت يا أمير المؤمنين مشت جرذان بيتي على العصي فقال لها: ألطفت في السؤال لا جرم لأردنّها تثب وثب الفهود وملأ بيتها حبا. وقد تعلق أبو الطيب المتنبي بأذيال هذه البلاغة عند ما خاطب كافورا بما كان يرجوه منه وهو أن يعطيه ولاية وإن كان قصده المواربة:

أرى لي بقربي منك عينا قريرة وإن كان قربا بالبعاد يشاب
وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا ودون الذي أملت منك حجاب
أقلّ سلامي حبّ ما خف عنكم وأسكت كيما لا يكون جواب
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي بيان عندها وخطاب
وفي البيت الثالث نكتة نحوية وهي انتصاب حبّ وذلك انه نصبه

صفحة رقم 354

على أنه مفعول له وهو مصدر كأنه يقول الحب ما خف أي لإيثاري التخفيف وقد تلطف حبيب بن أوس أبو تمام وأجمل أغراضه كلها في بيت واحد وهو قوله:
وإذا الجود كان عوني على المر... ء تقاضيته بترك التقاضي
أما أبو بكر الخوارزمي فقال راسما خظة الطلب:
وإذا طلبت الى كريم حاجة... فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا رآك مسلما عرف الذي... حملته فكأنه ملزوم
وسبقهم جميعا أمية بن أبي الصلت بقوله المشهور:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما... كفاه من تعرضه الثناء
٤- ذو الكفل:
هذا لقبه والكفل هو النصيب واسمه بشير وقيل الياس وقيل زكريا كأنه سمي بذلك لأنه المجدور وذو النصيب الأوفى من الحظ، وقيل ذو الكفل اسمه وقد كان له اسمان ولم يكن لقبا.
٥- ذو النون:
في المختار: «ذو النون الحوت وجمعه أنوان ونينان وذو النون لقب يونس بن متى على وزن شتى اسم والده على ما ذكر في القاموس أو اسم لأمه على ما قاله ابن الأثير في النهاية، وقيل ذا النون لأنه رأى

صفحة رقم 355

صبيا مليحا فقال دسموا نونته لئلا تصيبه العين، وحكى ثعلب أن نونة الصبي هي الثقبة التي تكون في ذقن الصبي الصغير، ومعنى دسموا:
سودوا، وذو بمعنى صاحب، قال السهيلي في كتاب الأعلام في قوله تعالى «وذا» النون هو يونس بن متى أضاف ذا الى النون وهو الحوت فقال سبحانه «وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ» وبينهما فرق وذلك انه حين ذكر في معرض الثناء عليه قيل ذا النون ولم يقل صاحب النون والاضافة بذا أشرف من الاضافة بصاحب لأن قولك ذو يضاف الى التابع وصاحب يضاف الى المتبوع تقول: أبو هريرة صاحب النبي ولا تقول: النبي صاحب أبي هريرة إلا على وجه ما وأما ذو فانك تقول فيها ذو الملك وذو الجلال وذو العرش وذو القرنين فتجد الاسم الاول متبوعا غير تابع ولذلك سميت أقيال حمير أذواء منهم ذو جدن وذو يزن وذو رعين وذو كلاع وفي الإسلام ذو الشهادتين وذو الشمالين وذو اليدين وذلك كله تفخيم للمسمى بهذا وليس ذلك في لفظ صاحب وانما فيه تعريف لا يقترن به شيء من هذا المعنى» وستأتي قصته وابتلاع الحوت له في الصافات.
٦- معنى لن نقدر عليه:
أما معنى قوله «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» لن نقضي عليه بما قضينا من حبسه في بطن الحوت أو نضيق عليه بذلك فهي من القدر. لا من القدرة كما في قوله تعالى «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ» وعن ابن عباس أنه دخل على معاوية فقال: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك، قال وما هي يا معاوية؟ فقرأ عليه هذه الآية وقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه، قال: هذا من القدر لا من القدرة على أن الزمخشري بعد أن ذكر الوجه

صفحة رقم 356
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية