آيات من القرآن الكريم

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٨٠ الى ٨٢]

وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١) وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢)
قوله عز وجل: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ، يعني: دروع الحديد. وذلك أن داود عليه السلام خرج يوماً متنكراً ليسأل عن سيرته في مملكته، فاستقبله جبريل عليه السلام على صورة آدميّ فلم يعرفه داود فقال: كيف ترى سيرة داود في مملكته؟ فقال له جبريل عليه السلام: نِعْمَ الرجل هو، لولا أن فيه خصلة واحدة. قال: وما هي؟ قال: بلغني أنه يأكل من بيت المال، وليس شيء أفضل من أن يأكل الرجل من كدّ يده. فرجع داود عليه السلام وسأل الله عز وجل أن يجعل رزقه من كدّ يديه، فألان له الحديد، وكان يتخذ منها الدروع ويبيعها ويأكل من ذلك، فذلك قوله: وَعَلَّمْناهُ يعني: ألهمناه، ويقال: عَلَّمْناهُ بالوحي صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ.
لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ، يعني: يمنعكم قتال عدوكم. قرأ ابن عامر وعاصم في رواية حفص بالتاء لِتُحْصِنَكُمْ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر لنحصنكم بالنون بدليل قوله وعلمناه وقرأ الباقون بالياء بلفظ التذكير يعني: ليحصنكم الله عز وجل، ويقال: يعني: اللبوس. ومن قرأ بالتاء فهو كناية عن الصنعة، واختار أبو عبيد بالتاء لِتُحْصِنَكُمْ، لأن اللبوس أقرب إليه.
ثم قال: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ. اللفظ لفظ الاستفهام، يعني: اشكروا رب هذه النعم ووحّدوه.
قوله عز وجل: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ قرأ أبو عبد الرحمن الأعرج الريح بضم الحاء على معنى الابتداء، وقراءة العامة الرِّيحَ بالنصب، ومعناه: وسخرنا لسليمان الريح عاصِفَةً، يعني: قاصفة شديدة، وقال في موضع آخر تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً [ص: ٣٦] أي: لينة، فإنها كانت تشتد إذا أراد وتلين إذا أراد تَجْرِي بِأَمْرِهِ، يعني: تسير بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ، ويقال:
بأمر سليمان. إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها بالماء والشجر وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ، يعني:
من أمر سليمان وغيره.
قوله عز وجل: وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ، يعني: سخرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر، وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذلِكَ من البنيان وغيره، وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ من أن يهيجوا أحداً في زمانه، ويقال: يحفظهم أن لا يفسدوا ما عملوا، ويقال: وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ ليطيعوا سليمان عليه السلام ولا يعصوه.
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٨٣]
وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣)
قوله عز وجل: وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ، يعني: اذكر أيوب عليه السلام وصبره. روي في

صفحة رقم 435

الخبر: أن أيوب كان بمنزلة الملك، وهو أيوب بن برضى النبي عليه السلام وكانت له أموال من صنوف مختلفة، وكانت له ضياع كثيرة، وكان له ثلاثمائة زوج ثيران، وغلمان يعملون له في ضياعه، وأموال السوائم من الغنم والإبل والبقر، وكان متعبداً ناسكاً منفقاً متصدقاً، فحسده إبليس عدو الله وقال: إن هذا يذهب بالدنيا والآخرة. وأراد أن يفسد عليه إحدى الدارين أو كلتيهما، فسأل الله تعالى وقال: إن عبدك أيوب يعبدك، لأنك أعطيته السعة في الدنيا، ولولا ذلك لم يعبدك قال الله تعالى: إِنّى أعلم منه أنه يعبدني ويشكرني، وإن لم يكن له سعة في الدنيا. فقال: يا رب سلطني عليه، فسلطه على كل شيء منه إلا على روحه.
فرجع إبليس إلى غنمه كهيئة النار، وضرب عليها فأهلك جميع غنمه، فجاءت رعاته فأخبروه بالقصة، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به. ويقال: إنه أحرق غنمه ورعاته، فجاء إبليس على هيئة راع من رعاته فأخبره بذلك، فقال له أيوب عليه السلام: لو كان فيك خير لهلكت مع أصحابك. ثم جاء إلى إبله وبقره ففعل مثل ذلك، ثم جاء إلى زرعه كهيئة النار فأفسد جميع زرعه، فأخبر بذلك، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ، وهو أحق به.
وكان له سبعة بنين وثلاث بنات ويقال: سبعة بنين وسبع بنات في بيت، فجاء إبليس عليه اللعنة فهدم البيت عليهم فماتوا كلهم، فذكر ذلك لأيوب عليه السلام فحمد الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذلك، وأثنى عليه، ولم يجزع وقال: هو الذي أعطى وهو الذي أخذ. ثم جاء إلى أيوب وكان في الصلاة، فلما سجد نفخ في أنفه وفمه نفخة، فانتفخ أيوب عليه السلام وخرجت به قروح، وجعل تسيل منها الصديد، وتفرق عنه أقرباؤه وأصدقاؤه، ولم يبق معه أحد إلا امرأته.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: «كان اسم امرأته ما حين بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب، ويقال: كان اسمها رحمة. فتأذى به جيرانه وقالوا لامرأته: احمليه من هاهنا، فإنا نتأذى به. فحملته حتى أخرجته إلى كناسة قوم، ووضعته عليها، وجعلت تدخل على الناس وتخدمهم وتأخذ شيئاً وتنفقه عليه. وكان ذلك البلاء ما شاء الله. فجاء إبليس في صورة طبيب، وقال للمرأة: إني أردت أن يبرأ من علته، فمريه يشرب الخمر، ويتكلم بكلمة الكفر. فأخبرته المرأة بذلك، فقال لها: ذلك إبليس الذي أمرك بهذا، فألحَّت عليه، فغضب وقال: والله لئن برئت، لأضربنك مائة سوط. قالت: متى تبرأ؟ فقال عند ذلك: ربِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.
ويقال: إنه اشتهى شيئاً يتخذ بالسمن، فدخلت امرأته على امرأة غني من الأغنياء وسألتها ذلك، فأبت عليها. ثم نظرت إلى ذوائبها، فرأت ذوائبها مثل الحبل، فقالت: لئن دفعت إليّ ذوائبك، دفعت إليك ما تطلبين مني. فدفعت بالمقراض وقطعت ذوائبها ودفعتها إليها، وأخذت منها ما سألت، وجاءت به إلى أيوب عليه السلام فقال لها: من أين لك هذا؟ فأخبرته بالقصة، فبكى أيوب عند ذلك، وقال: رَبِّ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ.

صفحة رقم 436
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية