
﴿قلنا يا نار كُونِى بَرْداً وسلاما على إبراهيم﴾ أي كوني ذاتَ بردٍ وسلامٍ أي ابرُدي برداً غيرَ ضارّ وفيه مبالغات جعلُ النارِ المسخرةِ لقدرته تعالى مأمورةً مطاوِعةً وإقامةَ كوني ذاتَ بردٍ مقامَ ابردي ثم حذفُ المضافِ وإقامةِ المضافِ غليه مُقامَه وقيل نصب سلاماً بفعله أى وسلمنا سلاما عليه روي أن الملائكة أخذوا بضَبْعَي إبراهيمَ وأقعدوه على الأرض فإذا عينُ ماءٍ عذبٍ ووردٌ أحمرُ ونرجسٌ ولم تحرِق النارُ إلا وَثاقه وروي أنه عليه السلام مكث فيها أربعين يوماً أو خمسين وقال ما كنت أطيبَ عيشاً مني إذ كنت فيها قال ابن يسار وبعث الله تعالى ملَكَ الظل فقعد إلى جنبه يؤنسه فنظر نمرودُ من صَرْحه فأشرف عليه فرآه جالساً في روضة مُونِقة ومعه جليسٌ على أحسنِ ما يكون من الهيئة
صفحة رقم 76
سورة الأنبياء (٧٠ ٧٣) والنارُ محيطةٌ به فناداه يا ابراهيم هل تسطيع أن تخرج منها قال نعم قال فقم فاخرُج فقام يمشي فخرج منها فاستقبله نمرودُ وعظّمه وقال مَن الرجلُ الذي رأيته معك قال ذلك ملَك الظلّ أرسله ربي ليؤنسني فقال إني مقرِّبٌ إلى إهك قرباناً لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك فقال عليه السلام لا يقبل الله منك ما دمت على دينك هذاقال لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبح له أربعةَ آلافِ بقرة فذبحها وكف عن إبراهيمَ عليهِ السَّلامُ وكان إذ ذاك ابنَ ستَّ عشْرةَ سنة وهذا كما ترى من أبدع المعجزات فإن انقلابَ النار هواء طيباً وإن لم يكن بدعاً من قدرة الله عزوجل لكن وقوعَ ذلك على هذه الهيئة مما يخرِق العاداتِ وقيل كانت النار على حالها لكنه تعالى دفع عنه عليه السلام أذاها كما تراه في السَّمَنْدل كما يشعر به ظاهرُ قوله تعالى على إبراهيم
صفحة رقم 77