آيات من القرآن الكريم

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ

لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ على ارادة القول اى قائلين لقد علمت يا ابراهيم ان ليس من شأنهم النطق فكيف تأمرنا بسؤالهم فاقروا بهذا للحيرة التي لحقتهم قالَ مبكتالهم أَفَتَعْبُدُونَ اى أتعلمون ذلك فتعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ اى حال كونكم متجاوزين عبادته تعالى ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً من النفع ان عبدتموهم وَلا يَضُرُّكُمْ ان لم تعبدوهم فان العلم بالحالة المنافية للالوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعا أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تضجر منه من إصرارهم على الباطل البين وأف صوت التضجر إذا صوت بها الإنسان علم انه متضجر ومعناه قبحا ونتنا: وبالفارسية [زشتى وناخوشى شما را ومران چيز را كه مى پرستيد بجز خداى تعالى] واللام لبيان المتأفف له اى لكم ولآلهتكم هذا التأفف لا لغيركم وفى كتب النحو من اسماء الافعال أف بمعنى أتضجر أَفَلا تَعْقِلُونَ اى أجننتم فلا تعقلون قبح صنيعكم قال ابن عطاء دعا الله تعالى عباده اليه وقطعهم عمادونه بقوله أَفَتَعْبُدُونَ إلخ كيف تعتمده وهو عاجز مثلك ولا تعتمد من اليه المرجع وبيده الضر والنفع قال حمدون القصار استغاثة الخلق بالخلق كاستغاثة المسجون بالمسجون وقال بعض الكبار طلبك من غيره لوجود بعدك عنه إذ لو كنت حاضرا بقلبك معه ما صح منك توجه لغيره وكل مادون الله خوض ولعب فالتعلق به زور وكذب فدع الكل جانبا وتعلق بمولاك حتما تجده فى كل مهم وغيره مغنيا وعند كل شىء حقا يقينا جعلنا الله ممن تعلق به بلا علة وعافانا من الذلة والزلة والقلة- حكى- ان امرأة حبيب العجمي الحت عليه ان يعمل بالاجرة طلبا للسعة فى الرزق فخرج من بيته وعبد الله الى الليل فعاد الى بيته وليس معه شىء فلما سألته امرأته قال عملت لعظيم كريم واستحييت ان اطلب الاجرة فلما مضى عليه ثلاثة ايام قالت اطلب الاجرة او اعمل لغيره او طلقنى فخرج الى الليل فلما عاد الى منزله وجد رائحة الطعام وامرأته مستبشرة فقالت ان الذي عملت له أرسل إلينا أشياء عظيمة وكيسا مملوا ذهبا فبكى حبيب وقال انه من عند الله الكريم فلما سمعت المرأة تابت وحلفت ان لا تعود الى مثله ابدا ففى هذه الحكاية فوائد. منها ان العمل بالاجرة وان كان امرا مشروعا لكن الحبيب اختار طاعة الحبيب وعد ذلك العمل من قبيل الاستناد الى الغير مع انه تعالى قال (من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته فوق ما اعطى السائلين). ومنها ان الصبر مؤد الى الفتح ولو كان بعد حين فلابد من الصبر وترك الجزع. ومنها ان تلك المرأة عرفت الحال فتابت الى الله المتعال واختارت القوت والقناعة ولازمت العبادة والطاعة فان من اعرض عن الحق بعد ظهور البرهان فقد خان نفسه وأهان ألا ترى ان قوم ابراهيم بعد ما استبان لهم الحق رجعوا الى الكفر والإصرار وعبادة الأصنام من الخشب والأحجار فاهلكهم الله تعالى بالبعوض الصغار: وفى المثنوى

هست دنيا قهر خانه كردكار قهر بين چون قهر كردى اختيار «١»
استخوان وموى مقهوران نكر تيغ قهر افكنده اندر بحر وبر
قالُوا حَرِّقُوهُ اى قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وهكذا ديدن المبطل المحجوج
(١) در اواسط دفتر ششم در بيان قصه فقير روزى طلب بى كسب ودعاى او مستجاب شدن [.....]

صفحة رقم 496

إذا قرعت شبهته بالحجة القاطعة وافتضح لا يبقى له مفزع الا المناصبة واتفقت كلمتهم على إحراقه لانه أشد العقوبات وقال ابن عمر رضى الله عنهما ان الذي أشار بإحراقه رجل من اعراب العجم يعنى من الأكراد ولعمرى انهم لفى فسادهم وجفائهم وغلوهم فى تعذيب الناس بعد يقدمون ولا ينفكون عن ذلك ما ترى للاسلام الذي هو دين ابراهيم الخليل عليهم اثرا فى خلق ولا عمل خلقهم نهب اموال المسلمين وعلمهم ظلم وسرقة وقتل وقطع الطريق والله ما هؤلاء باهل الملة الغراء لاكثر الله فى الناس مثل هؤلاء إياك والمصاحبة باصلحهم والمرور ببلادهم وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بالانتقام لها إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ امرا فى إهلاكه يعنى ان الإحراق هو المعتد به فى هذا الباب وقصته انه لما اجتمع نمرود وقومه لاحراقه عليه السلام حبسوه فى بيت بنو اله حائطا كالحظيرة ارتفاعه ستون ذراعا وذلك فى جنب جبل كوثى وهى بالضم قرية بالعراق ثم جمعوا له الحطب الكثير حتى ان الرجل المريض كان يوصى بشراء الحطب والقائه فيها وكانت المرأة لو مرضت قالت ان عافانى الله لاجمعن حطبا لابراهيم وكانت تنذر فى بعض ما تطلب لئن أصابته لتحتطبن فى نار ابراهيم وتغزل وتشترى الحطب بغزلها فتلقيه فى ذلك البنيان احتسابا فى دينها وكانت امرأة عجوز نذرت ان تحمل الحطب الى نار ابراهيم فحملت حزمة حطب وذهبت بها الى موضع النار فاعترضها ملك فى الطريق وقال اين تذهبين يا عجوز فقالت أريد نار ابراهيم فقال طول الله طريقك وقصر خطاك فاقامت تسير والحطب فوق رأسها وهى جيعانة عطشانة حتى ماتت لعنها الله تعالى قيل جمعوا له اصناف الحطب من انواع الخشب على ظهر الدواب أربعين يوما قال الكاشفى [وروغن فراوان برهيمه ريختند] يقال ان جميع الدواب امتنعت من حمل الحطب الا البغال فعاقبها الله ان أعقمها كما فى القصص وذكر فى فضائل القدس عن سعيد بن عبد العزيز انه قال فى زمن بنى إسرائيل فى بنت المقدس عند عين سلوان وعين سلوان فى القدس الشريف كزمزم فى مكة وكانت المرأة إذا قذفت أتوا بها فسقوها من ماء هذه العين فان كانت بريئة لم يضرها وان كانت سقيمة ماتت فلما حملت مريم أم عيسى عليه السلام أتوا بها وحملوها على بغلة فعثرت بها فدعت الله تعالى ان يعقم رحمها فعقمت من ذلك اليوم فلما أتتها شربت منها فلم تزد إلا خيرا فدعت الله تعالى ان لا يفضح امرأة مؤمنة فغارت انتهى ثم اوقدوا الحطب سبعة ايام فلما اشتعلت النار صار الهواء بحيث لو مر الطير فى أقصى الجو لاحترق من شدة وهجها اى شدة حرها- روى- انهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها لعدم تأتى القرب منها فجاء إبليس فى صورة شيخ وعلمهم عمل المنجنيق قال فى انسان العيون أول من وضع المنجنيق إبليس فانه لما جعلوا فى الحطب النار ووصلت النار الى رأس الجدار المرتفع المبنى جنب الجبل لم يدروا كيف يلقون ابراهيم فتمثل لهم إبليس فى صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على رأس الجبل ووضعوه فيه والقوه فى تلك النار وأول من رمى به فى الجاهلية جذيمة الأبرش وهو أول من أوقد الشمع انتهى وقيل صنعه لهم رجل من الأكراد وكان أول من صنع المنجنيق فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها الى يوم القيامة ثم عمدوا الى ابراهيم فوضعوه فى كفة المنجنيق مقيدا مغلولا فصاحت السماء والأرض ومن فيهما من الملائكة الا الثقلين

صفحة رقم 497

صيحة واحدة اى ربنا ما فى أرضك أحد يعبدك غير ابراهيم وانه يحرق فيك فائذن لنا فى نصرته فقال تعالى ان استغاث بأحد منكم لينصره فقد أذنت له فى ذلك فان لم يدع غيرى فانا اعلم به وانا وليه فخلوا بينى وبينه فانه خليلى ليس لى خليل غيره وانا الهه ليس له اله غيرى فلما أرادوا إلقاءه فى النار أتاه خازن الرياح فقال ان شئت طيرت النار فى الهواء وأتاه خازن المياه فقال ان أردت أخمدت النار فقال ابراهيم لا حاجة لى إليكم ثم رفع رأسه الى السماء فقال اللهم أنت الواحد فى السماء وانا الواحد فى الأرض ليس فى الأرض من يعبدك غيرى حسبى الله ونعم الوكيل وأقبلت الملائكة فلزموا كفة المنجنيق فرفعه أعوان النمرود فلم يرتفع فقال لهم إبليس أتحبون ان يرتفع قالوا نعم قال ائتوني بعشر نسوة فأتوه بهن فامرهن بكشف رؤسهن ونشر شعورهن ففعلوا ذلك فمدت الأعوان المنجنيق وذهبت الملائكة فارتفع ابراهيم فى الهواء كما فى القصص وذلك ان الملك لا يرى الرأس المكشوف من المرأة بخلاف الجنى ولذا لما رأى نبينا عليه السلام الملك فى بدء الوحى فزع منه فاجلسته خديجة رضى الله عنها فى حجرها والقت حمارها وهو ما يعطى به الرأس ثم قالت هل تراه قال لا قالت يا ابن عم اثبت وابشر فو الله انه لملك ما هذا بشيطان وحين القى فى النار قال لا اله الا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك لا شريك لك قال فى التأويلات النجمية إذا أراد الله تعالى ان يكمل عبدا من عباده المخلصين يفديه بخلق عظيم كما انه تعالى إذا أراد استكمال حوت فى البحر يفديه بكثير من الحيتان الصغار فلما أراد تخليص إبريز الخلة من غش البشرية جعل النمرود وقومه فداء لابراهيم حتى اجمعوا على تحريقه بعد ان علموا انهم ظالمون فوضعوه فى المنجنيق ورموه الى النار فانقطع رجاؤه عن الخلق بالكلية متوجها الى الله تعالى مستسلما نفسه اليه حتى ان جبريل عليه السلام أدركه فى الهواء فامتحنه بقوله هل لك من حاجة وما كان فيه من الوجود ما تتعلق به الحاجة فقال اما إليك فلا قال له جبريل سل ربك امتحانا له فاخفى سره عن جبريل غيرة على حاله فقال حسبى من سؤالى علمه بحالي وما اظهر عليه حاله فادركته العناية الازلية بقوله قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ البرد خلاف الحر والسلام التعري من الآفات اى كونى ذات برد من حرك وسلامة من بردك فزال ما فيها من الحرارة والإحراق وبقي ما فيها من الاضاءة والاشراق واختاره المحققون لدلالة الظاهر عليه وهذا كما ترى من أبدع المعجزات فان انقلاب النار هواء طيبا وان لم يكن بدعا من قدرة الله لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة مما يخرق العادات وقيل كانت النار بحالها الا انه تعالى خلق فى جسم ابراهيم كيفية مانعة من وصول أذى النار اليه كخزنة جهنم فى الآخرة وكما انه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة المحماة وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث فى النار كما يشعر به ظاهر قوله على ابراهيم قيل فبردت نار الدنيا يومئذ ولم ينتفع بها أحد من أهلها ولو لم يقل على ابراهيم لبقيت ذات برد ابدا على كافة الخلق بل على جميع الأنبياء ولو لم يقل سلاما بعد قوله بردا لمات ابراهيم من بردها قال فى الكبير اما كونها سلاما عليه فلان البرد المفرط مهلك كالحر بل لا بد من الاعتدال وهو اما بان يقدر الله بردها بمقدار لا يؤثر او بان يصير بعض النار بردا ويبقى بعضها على حرارته

صفحة رقم 498

او بان يزيد فى حرارة جسمه حتى لا يتأثر ببردها قيل جعل كل شىء يطفئ عنه النار الا الوزغة فانها كانت تنفخ النار ولذا امر النبي عليه السلام بقتلها قيل لما القى فى النار كان فيها أربعين يوما او خمسين وقال ما كنت أطيب عيشا زمانا من الأيام التي كنت فيها فى النار كما قال بعض العارفين فى جبل لبنان وكان يأكل اصول النبات وأوراق الشجر ظننت ان حالى أطيب من حال اهل الجنة: قال الحافظ

عاشقانرا كر در آتش مينشاند مهر دوست تنك چشمم كر نظر در چشمه كوثر كونم
قيل لما رموه فى النار أخذت الملائكة بضبعي ابراهيم وأقعدوه فى الأرض فاذا عين ماء عذب وورد احمر ونرجس قال الكاشفى
[چون ابراهيم بميدان آتش فرود آمد فى الحال غل وبند او بسوخت] فبعث الله تعالى ملك الظل فى صورة ابراهيم فجاء فقعد الى جنب ابراهيم يؤنسه وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة فالبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال يا ابراهيم ان ربك يقول أما علمت ان النار لا تضر أحبابي ثم نظر النمرود من صرح له واشرف على ابراهيم فرآه جالسا فى روضة مؤنقة ومعه جليس على احسن ما يكون من الهيئة والنار محيطة به فناداه يا ابراهيم هل تستطيع ان تخرج منها قال نعم قال قم فاخرج فقام يمشى حتى خرج فاستقبله النمرود وعظمه وقال من الرجل الذي رأيته معك فى صورتك قال ذلك ملك الظل أرسله ربى ليؤنسنى فيها فقال له النمرود انى مقرب الى إلهك قربانا لما رأيته من قدرته وعزته فيما صنع بك وانى ذابح له اربعة آلاف بقرة فقال ابراهيم لا يقبل الله منك ما كنت على دينك هذا قال النمرود لا أستطيع ترك ملكى وملتى لكن سوف اذبحها له ثم ذبحها وكف عن ابراهيم وفى القصص قال له النمرود اى بعد الخروج ما اعجب سحرك يا ابراهيم قال ليس هذا سحر ولكن الله جعل النار على بردا وسلاما وألبسني ثوب العز والبهاء فقال له النمرود فمن ذلك الرجل الذي كان جالسا عن يمينك والرجال الذين كانوا حولك فقال له ابراهيم فمن ملائكة ربى بعثهم الى يؤنسوننى ويبشروننى بان الله قد اتخذني خليلا فتحير النمرود ولم يدر ما يصنع بإبراهيم فحدثته نفسه بالجنون وقال لأصعدن الى السماء واقتل إلهك فامر ان يصنع له تابوت وثيق كما سبق فى اواخر سورة ابراهيم- وروى- انهم لما رأوه سالما لم يحترق منه سوى وثاقه قال هاران ابو لوط عليه السلام ان النار لا تحرقه لانه سحر النار لكن اجعلوه على شىء واوقدوا تحته فان الدخان يقتله ففعلوا فطارت شرارة الى لحية ابى لوط فاحرقتها- روى- ان ابراهيم القى فى النار وهو ابن ست عشرة سنة فان قلت هل وجد القول من الله تعالى حيث قال قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً او هو تمثيل قلت جعل الله النار باردة من غير ان يكون هناك قول وخطاب لقوله تعالى أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وذهب بعضهم الى ان ذلك القول قد وجد والقائل هو الله او جبريل قال باوامر الله قال ابن عطاء سلام ابراهيم من النار بسلامة صدره لما حكى الله عنه إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ اى خال من جميع الأسباب والعوارض وبردت عليه النار لصحة توكله ويقينه مع ان نار العشق غالبة على كل شىء: وفى المثنوى
عشق آن شعله است كو چون بر فروخت هر چهـ جز معشوق باقى جمله سوخت «١»
(١) در أوائل دفتر پنجم در بيان آنكه ثواب عمل عاشق هم از حق است

صفحة رقم 499
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية