
قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (٥٤) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعِبِينَ (٥٥) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (٥٦) وَتَاللهِ لأكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨)
شرح الكلمات:
رشده: أي هداه بمعرفة ربّه والإيمان به ووجوب ط٣اعته والتقرب إليه.
التماثيل: جمع تمثال وهو الصورة المصنوعة على شبه إنسان أو حيوان.
التي أنتم لها عاكفون: أي مقبلون عليها ملازمون لها تعبداً.
أم أنت من اللاعبين: أي الهازلين غير الجادين فيما يقولون أو يفعلون.
ربكم رب السموات: أي المستحق للعبادة مالك السموات والأرض.
الذي فطرهن: أي أنشأهن خلقاً وإيجاداً على غير مثال سابق.
لأكيدن أصنامكم: أي لأحتالن على كسر أصنامكم وتحطيمها.
جذاذاً: فتاتاً وقطعاً صغيرة.
إلا كبيراً لهم: إلا أكبر صنم لهم فإنه لم يكسره.
لعلهم إليه يرجعون: كي يرجعوا إليه فيؤمنوا بالله ويوحّدوه بعد أن يظهر لهم عجز آلهتهم.
معنى الآيات:
على ذكر ما منّ به تعالى على موسى وهارون ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إيتائه إياهم التوراة والقرآن ذكر أنه امتن قبل ذلك على إبراهيم فآتاه رشده في صباه فعرفه به وبجلاله وكماله ووجوب

الإيمان به تعالى وعبادته وحده، وإن عبادة من سواه باطلة، فقال تعالى: ﴿ولقد آتينا إبراهيم رشده من١ قبل﴾ وقوله: ﴿وكنا به عالمين٢﴾ أي بأهليته للدعوة والقيام بها لما علمناه ﴿إذ قال﴾ أي في الوقت الذي قال لأبيه أي آزر، وقومه منكراً عليهم عبادة غير الله ﴿ما هذه٣ التماثيل التي أنتم لها عاكفون﴾ أي مقبلون عليها ملازمون لها فأجابوه بما أخبر تعالى به عنهم في قوله: ﴿قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين﴾ فأعلنوا عن جهلهم إذ لم يذكروا برهاناً على صحة أو فائدة عبادتها واكتفوا بالتقليد الأعمى وشأنهم في هذا شأن سائر من يعبد غير الله تعالى فإنه لا برهان له على صحة عبادة من يعبد إلا التقليد لمن رآه يعبده.
فرد عليهم إبراهيم بما أخبر تعالى عنه في قوله ﴿قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم﴾ أي الذين قلدتموهم في عبادة الأصنام ﴿في ضلال﴾ أي عن الهدى الذي يجب أن تكونوا عليه ﴿مبين﴾ لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، وردوا على إبراهيم قوله هذا فقالوا بما أخبر تعالى به عنهم ﴿قالوا أجئتنا بالحق٤﴾ أي فيما قلت لنا من أنَّا وآباءنا في ضلال مبين ﴿أم أنت من اللاعبين﴾ أي في قولك الذي قلت لنا فلم تكن جاداً فيما تقول وإنما أنت لاعب لا غير ورد إبراهيم عليهم بما أخبر تعالى به عنه في قوله: ﴿قال بل٥ ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين﴾ أي ليس ربكم تلك التماثيل بل ربكم الحق الذي يستحق عبادتكم الذي فطر السموات والأرض فأنشأهن خلقاً عجيباً من غير مثال سابق وأنا على كون ربكم رب السموات والأرض من الشاهدين إذ لا رب لكم غيره، ولا إله حق لكم سواه. ﴿وتالله﴾ قسماً به تعالى ﴿لأكيدن أصنامكم﴾ أي لأحتالن٦ عليها فأكسرها ﴿بعد أن تولوا مدبرين٧﴾ أي بعد أن ترجعوا عنها وتتركوها وحدها.
٢ أي: باهليته لإيتاء الرشد وصالح للنبوة، وجائز أن يكون عالمين به في الوقت الذي قال لأبيه وقومه: ﴿ما هذه التماثيل﴾ والظرف متعلق باذكر.
٣ ظاهر السؤال أنه سؤال استعلام فلذا أجابوه بحسبه فقالوا: ﴿وجدنا آباءنا لها عابدين﴾، وضمّن (عاكفون) معنى العبادة فعُدّي باللام.
٤ الاستفهام للاستعلام أي: جئتنا بالحق في اعتقادك أم أنت مازح فيما تقول؟
٥ أي: لست بلاعب ولا مازح ﴿بل ربكم ربّ السموات..﴾ الخ.
٦ أقسم لهم بالله على أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان وإنما سيكيد أصنامهم فيكسرها وذلك لوثوقه بربه تعالى، ولتوطينه نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن دين الله والتاء في تالله تختص بالقسم بالله وحده، والواو تختص بكل اسم ظاهر والباء بكل مضمر ومظهر.
٧ ﴿مدبرين﴾ حال مؤكدة لعاملها.