
وقال ابن كيسان: قليل (١).
وقال ابن جريج: نصيب (٢). من قولهم: نفحه من ماله إذا أعطاه.
وقال غيره: أي الدفعة اليسيرة (٣).
ومعنى الآية: لئن أصابهم طرف من العذاب؛ لأيقنوا (٤) بالهلاك، ودعوا على أنفسهم بالويل، مع الإقرار بأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك وتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ القسط معناه في اللغة: العدل (٥). وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿أَلَّا تُقْسِطُوا﴾ [النساء: ٣].
قال الفراء: ﴿الْقِسْطَ﴾ من صفة الموازين وإن كان موحدًا، وهو كقوله (٦) للقوم: أنتم رضًا وعدل (٧).
وقال (٨) أبو إسحاق: وقِسْط مثل عدل مصدر يوصف به، تقول:
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٣٠ أ، والقرطبي ١١/ ٢٩٣.
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أ، والبغوي ٥/ ٣٢١، والقرطبي ١١/ ٢٩٣، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٦.
(٣) ذكره القرطبي ١١/ ٢٩٣ من غير نسبة لأحد. والأقوال المذكورة في تفسيره "نفحة" لا يعارض بعضها بعضًا فهي اختلاف تنوع لا تضاد.
(٤) في (د)، (ع): (لا يعر)، مهملة.
(٥) انظر: (قسط) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٣٨٨، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٥٢، "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٣٧٧.
(٦) عند الفراء ٢/ ٢٠٥: كقولك.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥.
(٨) في (أ): (قال).

ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط، والمعنى: ذوات قسط (١)
واختلفوا في ﴿الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ فقال الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان (٢).
وروي أحاديث كثيرة في الميزان الذي يوزن به الأعمال (٣)، وذكرنا الكلام في الموازين عند قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٨].
وقال مجاهد: هذا مَثَلٌ وإنّما أراد بالميزان العدل (٤).
ونحو هذا روى عن قتادة والضحاك (٥).
قال أبو إسحاق: وهذا سائغ في باب اللغة، إلا أنّ الأولى أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح (٦).
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٣/ ٤١٨ وعزاه لابن المنذر واللالكائي.
(٣) ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التوحيد - باب "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" ١٣/ ٥٣٧ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". وما رواه الحاكم في "مستدركه" ٤/ ٥٨٦ من حديث سلمان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لو سعت.. " الحديث. وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٢/ ٦٥٦.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أبهذا اللفظ. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٨، والطبري ١٧/ ٣٣.
(٥) ذكره عن قتادة والضحاك الرازي ٢٢/ ١٧٦، والقرطبي ١٤/ ٢٩٣، وأبو حيان في البحر ٦/ ٣١٦.
وذكره عن الضحاك أيضًا: الزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٣١٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٣٩١ عند قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ الآية (٨) من سورة الأعراف. قال القشيري (كما في تفسير القرطبي =

وقوله تعالى: ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ قال الفراء: في يوم القيامة (١).
﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ لا ينقص من إحسان محسن (٢)، ولا يزاد في إساءة مسيء.
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ قال الزَّجَّاج: وإن كان العمل مثقال حبة (٣).
وقال أبو علي: وإن كان الظلامة مثقال حبة. قال: وهذا حسن لتقدم
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥. وحكى أبو حيان هذا القول عن الكوفيين، قال: ووافقهم عليه ابن قتيبة من المتقدّمين، وابن مالك من أصحابنا المتأخرين. اهـ. وعلى هذا فاللام بمعنى "في" فيكون المعنى: ونضع الموازين القسط في يوم القيامة. وفي اللّام وجهان آخران:
أحدهما: قال الزمخشري: مثلها: جئتك لخمس ليال خلون من الشهر.
فعلى هذه القول تكون اللام للتوقيت بمعنى "عند"، فيكون معنى الآية: ونضع الموازين القسط عند يوم القيامة.
ثانيهما: أنها على بابها من التعليل، ولكن على حذف مضاف، أي: لأهل يوم القيامة، أو: لحساب يوم القيامة وبه قال الطبري وابن عطية وغير واحد. انظر: "الطبري" ١٧/ ٣٣، "المحرر" لابن عطية ١٠/ ١٥٨، "الكشاف" للزمخشري ٢/ ٥٧٤، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣١٦، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٦٤ - ١٦٥، "التحرير والتنوير" لابن عاشور ١٧/ ٨٤، "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ٥٨٥ - ٥٨٦.
(٢) في (ع): (مسيء)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.

قوله: ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ وإذا (١) ذكر (تُظلم) فكأنَّه ذكر الظلامة، كقولهم: من كذب كان شرًا له (٢).
وقرأ نافع: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ رفعًا (٣) على إسناد الفعل إلى المثقال (٤).
ومثقال الشيء ميزانه من مثله (٥)، والمعنى: وإن كان قدر مما يزن ﴿حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾.
﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ قال أبو إسحاق: أي: جئنا بها (٦). يعني أحضرناها للمجازاة بها.
﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ قال ابن عباس: أي عالمين حافظين (٧) (٨).
والكلام في الباء التي في (٩) ﴿بِنَا﴾ (١٠) ذكرناه مستقصى (١١).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦.
(٣) وقرأ الباقون: "مثقال" نصبًا. "السبعة" ص ٤٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٣، "التيسير" ص ١٥٥.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦. فمن رفع "مثقال" جعل "كان" تامّة لا تحتاج إلى خبر، وتكون بمعنى: حصل ووجد ووقع. ويكون "مثقال" فاعل لـ"كان" والمعنى: وإن حصل للعبد مثقال.. "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٠٧، "إعراب القراءات السبع" وعللها ٢/ ٦١ - ٦٢، "الكشف" لمكي ٢/ ١١١.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٨٠ (ثقل).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.
(٧) (حافظين): ساقطة من (د)، (ع).
(٨) ذكره البغوي ٥/ ٣٢٢. ومثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٢.
(٩) (في): ساقطة من (أ).
(١٠) في (د)، (ع): (البناء).
(١١) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦]