آيات من القرآن الكريم

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

وقال ابن كيسان: قليل (١).
وقال ابن جريج: نصيب (٢). من قولهم: نفحه من ماله إذا أعطاه.
وقال غيره: أي الدفعة اليسيرة (٣).
ومعنى الآية: لئن أصابهم طرف من العذاب؛ لأيقنوا (٤) بالهلاك، ودعوا على أنفسهم بالويل، مع الإقرار بأنهم ظلموا أنفسهم بالشرك وتكذيب محمد -صلى الله عليه وسلم-.
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ القسط معناه في اللغة: العدل (٥). وذكرنا الكلام فيه عند قوله: ﴿أَلَّا تُقْسِطُوا﴾ [النساء: ٣].
قال الفراء: ﴿الْقِسْطَ﴾ من صفة الموازين وإن كان موحدًا، وهو كقوله (٦) للقوم: أنتم رضًا وعدل (٧).
وقال (٨) أبو إسحاق: وقِسْط مثل عدل مصدر يوصف به، تقول:

= الجوزي ٥/ ٣٥٤، والقرطبي ١١/ ٢٩٣، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٦.
(١) ذكره عنه الثعلبي ٣/ ٣٠ أ، والقرطبي ١١/ ٢٩٣.
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أ، والبغوي ٥/ ٣٢١، والقرطبي ١١/ ٢٩٣، وأبو حيان في "البحر" ٦/ ٣١٦.
(٣) ذكره القرطبي ١١/ ٢٩٣ من غير نسبة لأحد. والأقوال المذكورة في تفسيره "نفحة" لا يعارض بعضها بعضًا فهي اختلاف تنوع لا تضاد.
(٤) في (د)، (ع): (لا يعر)، مهملة.
(٥) انظر: (قسط) في "تهذيب اللغة" للأزهري ٨/ ٣٨٨، "الصحاح" للجوهري ٣/ ١١٥٢، "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٣٧٧.
(٦) عند الفراء ٢/ ٢٠٥: كقولك.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥.
(٨) في (أ): (قال).

صفحة رقم 93

ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط، والمعنى: ذوات قسط (١)
واختلفوا في ﴿الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ فقال الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان (٢).
وروي أحاديث كثيرة في الميزان الذي يوزن به الأعمال (٣)، وذكرنا الكلام في الموازين عند قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [الأعراف: ٨].
وقال مجاهد: هذا مَثَلٌ وإنّما أراد بالميزان العدل (٤).
ونحو هذا روى عن قتادة والضحاك (٥).
قال أبو إسحاق: وهذا سائغ في باب اللغة، إلا أنّ الأولى أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح (٦).

(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤ مع تصرف يسير.
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٣/ ٤١٨ وعزاه لابن المنذر واللالكائي.
(٣) ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري في "صحيحه" كتاب: التوحيد - باب "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة" ١٣/ ٥٣٧ من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". وما رواه الحاكم في "مستدركه" ٤/ ٥٨٦ من حديث سلمان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوضع الميزان يوم القيامة، فلو وزن فيه السموات والأرض لو سعت.. " الحديث. وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ٢/ ٦٥٦.
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٠ أبهذا اللفظ. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٨، والطبري ١٧/ ٣٣.
(٥) ذكره عن قتادة والضحاك الرازي ٢٢/ ١٧٦، والقرطبي ١٤/ ٢٩٣، وأبو حيان في البحر ٦/ ٣١٦.
وذكره عن الضحاك أيضًا: الزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٣١٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٣٩١ عند قوله تعالى: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ الآية (٨) من سورة الأعراف. قال القشيري (كما في تفسير القرطبي =

صفحة رقم 94

وقوله تعالى: ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ قال الفراء: في يوم القيامة (١).
﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ لا ينقص من إحسان محسن (٢)، ولا يزاد في إساءة مسيء.
﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ قال الزَّجَّاج: وإن كان العمل مثقال حبة (٣).
وقال أبو علي: وإن كان الظلامة مثقال حبة. قال: وهذا حسن لتقدم

= ٧/ ١٦٥) -معلقًا على قول الزجاج-: وقد أحسن فيما قال إذ لو حمل الميزان على هذا فليحمل الصراط على الدين الحق، والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة، والملائكة على القوى المحمودة، وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل. وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا. اهـ.
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٠٥. وحكى أبو حيان هذا القول عن الكوفيين، قال: ووافقهم عليه ابن قتيبة من المتقدّمين، وابن مالك من أصحابنا المتأخرين. اهـ. وعلى هذا فاللام بمعنى "في" فيكون المعنى: ونضع الموازين القسط في يوم القيامة. وفي اللّام وجهان آخران:
أحدهما: قال الزمخشري: مثلها: جئتك لخمس ليال خلون من الشهر.
فعلى هذه القول تكون اللام للتوقيت بمعنى "عند"، فيكون معنى الآية: ونضع الموازين القسط عند يوم القيامة.
ثانيهما: أنها على بابها من التعليل، ولكن على حذف مضاف، أي: لأهل يوم القيامة، أو: لحساب يوم القيامة وبه قال الطبري وابن عطية وغير واحد. انظر: "الطبري" ١٧/ ٣٣، "المحرر" لابن عطية ١٠/ ١٥٨، "الكشاف" للزمخشري ٢/ ٥٧٤، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣١٦، "الدر المصون" للسمين الحلبي ٨/ ١٦٤ - ١٦٥، "التحرير والتنوير" لابن عاشور ١٧/ ٨٤، "أضواء البيان" للشنقيطي ٤/ ٥٨٥ - ٥٨٦.
(٢) في (ع): (مسيء)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.

صفحة رقم 95

قوله: ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ وإذا (١) ذكر (تُظلم) فكأنَّه ذكر الظلامة، كقولهم: من كذب كان شرًا له (٢).
وقرأ نافع: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ رفعًا (٣) على إسناد الفعل إلى المثقال (٤).
ومثقال الشيء ميزانه من مثله (٥)، والمعنى: وإن كان قدر مما يزن ﴿حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ﴾.
﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ قال أبو إسحاق: أي: جئنا بها (٦). يعني أحضرناها للمجازاة بها.
﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ قال ابن عباس: أي عالمين حافظين (٧) (٨).
والكلام في الباء التي في (٩) ﴿بِنَا﴾ (١٠) ذكرناه مستقصى (١١).

(١) في "الحجة": فإذا.
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦.
(٣) وقرأ الباقون: "مثقال" نصبًا. "السبعة" ص ٤٢٩، "التبصرة" ص ٢٦٣، "التيسير" ص ١٥٥.
(٤) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٥٦. فمن رفع "مثقال" جعل "كان" تامّة لا تحتاج إلى خبر، وتكون بمعنى: حصل ووجد ووقع. ويكون "مثقال" فاعل لـ"كان" والمعنى: وإن حصل للعبد مثقال.. "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٠٧، "إعراب القراءات السبع" وعللها ٢/ ٦١ - ٦٢، "الكشف" لمكي ٢/ ١١١.
(٥) "تهذيب اللغة" للأزهري ٩/ ٨٠ (ثقل).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٩٤.
(٧) (حافظين): ساقطة من (د)، (ع).
(٨) ذكره البغوي ٥/ ٣٢٢. ومثله في "تنوير المقباس" ص ٢٠٢.
(٩) (في): ساقطة من (أ).
(١٠) في (د)، (ع): (البناء).
(١١) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٦]

صفحة رقم 96
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية