آيات من القرآن الكريم

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ
ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

(ونضع الموازين القسط) العادلة (ليوم القيامة) أي لأهلها، وقيل اللام بمعنى في، أي في يوم القيامة، والموازين جمع ميزان، وهو يدل على أن هناك موازين، وممكن أن يراد ميزان عبر عنه بلفظ الجمع للتعظيم أو باعتبار أجزائه فإن الصحيح أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال.
وقد ورد في السنة في صفة الميزان ما فيه كفاية، وقد مضى في (الأعراف)، وفي (الكهف) في هذا ما يغني عن الإعادة، والقسط صفة للموازين وصف به مبالغة، قال الزجاج: قسط مصدر يوصف به، تقول: ميزان قسط، وموازين قسط؛ والمعنى ذوات قسط، والقسط العدل وصف به

صفحة رقم 333

الموازين، لأن الميزان قد يكون مستقيماً، وقد يكون غير مستقيم، فبين الله أن تلك الموازين تجري على حد العدل.
وقرئ القصط بالصاد والطاء، وأما ماهية جرمه من أي الجوهر، وأنه موجود الآن أو سيوجد فنمسك عن تعيينه ولا يكون الوزن في حق كل أحد، لأن من لا حساب عليه لا يوزن له كالأنبياء والملائكة، والوزن يكون للمكلفين من الجن والإنس، وقد يوزن العبد نفسه " كما ورد عن النبي (- ﷺ -) لرجل عبد الله بن مسعود في الميزان أثقل من جبل أحد " (١) " ومن مات له ولد يجعل ذلك الولد في الميزان " (٢) وكيفيته ثقلا وخفة مثلها في الدنيا.
(فلا تظلم نفس شيئاً) أي لا ينقص من إحسان محسن ولا يزاد في إساءة مسيء (وإن كان مثقال حبة من خردل) أي إن كان العمل المدلول عليه بوضع الموازين مثقال حبة، كذا قال الزجاج.
وقال أبو علي الفارسي: وإن كان الظلامة مثقال حبة، قال الواحدي: وهذا أحسن لتقدم قوله: فلا تظلم نفس شيئاً، وقرئ برفع (مثقال) على أن كان تامة أي إن وقع أو أن وجد مثقال حبة، ومثقال الشيء ميزانه أي وإن كان في غاية الخفة والقلة والحقارة، فإن حبة الخردل مثل في الصغر.
(أتينا بها) أي أحضرناها وجئنا بها أي بموزونها للمجازاة عليها، وقرئ آتينا بالمد على معنى جازينا بها يقال آتى يؤاتي مؤاتاة جازى (وكفى بنا حاسبين) أي مُحْصِين في كل شيء، والحسب في الأصل معناه: الْعَدّ، وقيل عالمين لأن من حسب شيئاً علمه وحفظه، وقيل مجازين على ما قدموه من خير وشر والغرض منه التحذير، فإن المحاسب إذا كان في العلم بحيث لا يمكن
_________
(١) الإمام أحمد ١/ ١١٤ - ١/ ٤٢١ - ٥/ ١٣١.
(٢) البخاري كتاب الجنائز باب ٦.

صفحة رقم 334

أن يشتبه عليه شيء، وفي القدرة بحيث لا يعجز عن شيء فحقيق بالعاقل أن يكون على أشد الخوف منه.
وقد أخرج أحمد والترمذي وابن جرير في تهذيبه والبيهقي وغيرهم عن عائشة أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله ﷺ " يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم كان فضلاً لك، وإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم كان كفافاً لا عليك ولا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم اقتص لهم منك الفضل " فجعل الرجل يبكي ويهتف، فقال رسول الله (- ﷺ -) " أما تقرأ كتاب الله (ونضع الموازين القسط) إلى قوله (حاسبين) " فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد لي ولهم خيراً من مفارقتهم أشهدك أنهم أحرار. (١) وفي معناه أحاديث، وروي عن الشبلي أنه رؤى في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال:
حاسبونا فدققوا... ثم منوا فأعتقوا
وكذا كل مالك... بالمماليك يرفق
ثمِ شرع الله سبحانه في تفصيل ما أجمله سابقاً بقوله (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم) وذكر عشر قصص، الأولى. قصة موسى، ثم إبراهيم ثم لوط ثم نوح ثم داود وسليمان ثم أيوب ثم إسماعيل وإدريس وذي الكفل، ثم يونس ثم زكريا ثم مريم وابنها عيسى فقال:
_________
(١) الترمذي تفسير سورة ٢١/ ٢ - الإمام أحمد ٦/ ٢٨٠.

صفحة رقم 335
فتح البيان في مقاصد القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي
راجعه
عبد الله بن إبراهيم الأنصاري
الناشر
المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
15
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية