
الحي الذي لا يموت.
ثم قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾.
أي: لو كان في السماوات والأرض آلهة غير والله. و " إلا " بمعنى: غير: فاعرب الاسم الذي بعد " إلا " كإعراب " غير " لو ظهرت فرفع.
هذا مذهب البصريين وسيبويه.
وقال الفراء: " إلا " بمعنى سوى. ومعنى الآية: لو كان المعبود آلهة أو إلهين لفسد التدبير، لأن أحدهما يريد ما لا يريد الآخر، فإذا تم ما أراد أحدهما، عجز الآخر. والعاجز لا يكون إلهاً. وإذا فسد وجود إلهين أو آلهة، ولم يكن بد من خالق مقدر للأشياء، يقدم المقدم منها، ويؤخر المؤخر منها، ويوجدها بعد عدمها، ثبت أنه واحد.
ثم قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي: فتنزيه لله تعالى وتبرئة له عما يفتري عليه هؤلاء المشركون من الكذب.
ثم قال تعالى: ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾.
أي: لا سائل يتعب عليه فيما يفعله بخلقه من حياة وموت وصحة ومرض، وغير ذلك وجميع الخلق. مسؤولون عن أفعالهم ومحاسبون عليها.
قوله تعالى: ﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
المعنى: اتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة تنفع وتضر، وتحيي وتميت. قل

لهم يا محمد هاتوا برهانكم إن كنتم تزعمون أنكم محقون في أقوالكم أي: هاتوا حجة ودليلاً على صدقكم.
وقيل: معناه: بل اتخذوا آلهة. وهو بعيد لقوله: " هم ينتشرون " لأنه يصير أنه أوجب ذلك لهم. وذلك لا يجوز.
ثم قال: ﴿هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾، أي: هذا الذي جئتكم به من القرآن خبر من معي مما لهم من ثواب الله على إيمانهم، وما عليهم من عقاب الله على معصيتهم إياه، وكفرهم به. " وذكر من قبلي " من الأمم التي سلفت قبلي. أي خبرهم، وما فعل الله بهم في الدنيا، وما هو فاعل بهم في الآخرة.
قال قتادة: " ذكر من معي " القرآن فيه الحلال والحرام. " وكذكر من قبلي " ذكر أعمال الأمم السالفة وما صنع الله بهم، وماهو صانع بهم وإلى ما صاروا.
وقال ابن جريج: معناه: هذا حديث من معي، وحديث من قبلي.
وقيلأ: المعنى: " وذكر من قبلي " يعني الكتب المتقدمة. أي: هذا القرآن وهذه الكتب المتقدمة لا يوجد في شيء منها. أن الله اتخذ ولداً، ولا كان معه إله. فالمعنى

على هذا أنه جواب ورد لقوله: ﴿أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾.
وقوله: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾ أي: هذا ذكر من معي وهو القرآن وذكر من قبلي وهو التوراة والإنجيل هل فيهما أن العبادة للآلهة أو فيهما أن الله تعالى أذن لأحد أن يتخذ إلهاً من دونه. ول فيهما إلا أن الله إله واحد. ودل على ذلك كله أيضاً قوله بعد ذلك: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون﴾.
وقرأ يحيى بن يعمر " هذا ذكر " من معي " وذكر " من قبلي بالتنوين وكسر الميم من " مِن " وتقديره: هذا ذكر مما أنزل إلى وذكر مما قبلي.
وأنكر أبو حاتم هذه القراءة، ولم يعرف لها وجهاً.
ثم قال: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق﴾ أي: لا يعلمون الصواب من الخطأ. فهم معرضون عن الحق جهلاً به.
وقال قتادة: " معناه: فهم معرضون عن كتا بالله.
وقرأ الحسن: " الحقُّ " بالرفع، على معنى: هذا الحق، أو هو الحق.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون﴾.
أي: ما أرسلنا الرسل من قبلك يا محمد إلا بالتوحيد وإلا بالعبادة لله

وحده، فهذا الأصل الذي لا بد منه/، والشرائع بعد ذلك تختلف، في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي القرآن شريعة.
كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾ [المائدة: ٤٨].
ثم قال تعالى: ﴿وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً﴾.
أي: قال الكافرون بربهم اتخذ الرحمان ولداً من ملائكته " سبحانه " ينزه نفسه وبيرؤها مما قالوا: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾.
أي: بل هم عباد مكرمون، أي: بل الملائكة الذين جعلوهم بنات الله عباد مكرمون.
وقيل: عهنى به، الملائكة وعيسى عليه السلام.
قال قتادة: " قالت اليهود إن الله جل ذكره صاهر الجن، فكانت منهم الملائكة، فقال الله تكذيباً لهم: " بل هم عباد مكرمون ".
وعنه أيضاً أنه قال: قالت اليهود وطوائف من الناس ذلك.
ثم قال: ﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول﴾.
أي: لا يتكلمون إلا بما أمرهم به قاله قتادة. ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ أي: لا يأمرون حتى يأمر.

وقيل: يعملون ما أمروا به.
ثم قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.
أي: يعلم ما بين أيدي ملائكته مما لم يبلغوه وهم قائلون وعاملون. ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي: وما مضى قبل اليوم مما خلفوه وراءهم من الأزمان والدهور وما عملوا فيه.
قال ابن عباس: معناه: " يعلم ما قدموا وما أضاعوا من أعمالهم ".
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾.
أي: لا يشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنهـ.
قال ابن عباس: " إلا لمن ارتضى " أي: ارتضى له بشهادة أن لا إله إلا الله وهذا من أبين الدلالة على جواز الشفاعة بشرط الرضا من الله تعالى وقال مجاهد: " لمن رضي علمه ".
ثم قال: ﴿وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾.
أي: من خوف الله وحذر عقابه حذرون خائفون.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾.
أي: من يقل نم الملائكة إن إله من دون الله فَثَوَابُهُ جهنم.
وقيل: عنى به إبليس، لأنه كان من الملائكة، ولم يقل ذلك أحد من الملائكة

غيره. قاله: ابن جريج وقتادة.
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين﴾.
أي: كذلك نجزي كل من عبد غير الله، أو ادعى ما لايجب من الألوهية.
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الذين كفروا أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا﴾.
أي: أو لم يعلم هؤلاء المشركون بقلوبهم فيعلمون أن السماوات والأرض كان كل واحد منهما لا صدع فيه. لا تمطر السماء ولا تنبت الأرض، ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾. أي: فصدعهما الله بالماء والنبات، فأنزل الله من السماء الماء، وأخرج من الأرض النبات. هذا معنى قول عكرمة. قال: " فتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات وهو قوله: ﴿والسمآء ذَاتِ الرجع * والأرض ذَاتِ الصدع﴾
[الطارق: ١١ - ١٢] وهو أيضاً قول عطية وابن زيد. وهذا القول اختيار الطبري، لأن بعده: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي: من الماء الذي فتقنا السماء به. ووحد رتقاً، لأنه مصدر. يقال: رتق فلان الفتق. إذا سده، فهو يرتقه رتقاً.
وقيل: معنى: الآية كانتا ملتصقتين ففصلنا بينهما بالهواء، قاله: الحسن وقتادة.

وقال مجاهد: " كانت السماء مرتتقة طبقة واحدة، ففتقها الله سبع سماوات وكذا الأرض. وهو قول أبي صالح والسدي.
وعن ابن عباس أن المعنى: " أن السماء والأرض كانتا ملتصقتين بالظلام لأن الليل خلق قبل النهار، ففتقهما الله تعالى بضوء النهار ".
وقوله: " إن السماوات " تدل على قول مجاهد.
وقد قيل: إنما قال السماوات يريد به السماء، لأن كل قطعة منها سماء.
وقيل: إنما قال: " السماوات " لأن املطر وري أنه ينزل من السماء السابعة. وروي أنه ينزل من الرابعة. وقد قالوا: ثوب أخلاق، فجمعوا لأن كل قطعة منه خلقة، فجمع لأن فيها قطع كثيرة.
وقوله: " كانتا "، ولم يقل " كنَّ "، فإنما كان ذلك لأنهما صنفان، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولاَ﴾ [فاطر: ٤١] وقيل: إنما كان ذلك لأن السماوات كانت سماء واحدة، فعبر على الأصل.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾.