بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ إضراب عن اتخاذ الولد وإرادته كأنه قيل لكنا لا نريده بل شأننا ان تغلب الحق الذي من جملته الجد والايمان والقرآن ونحوها على الباطل الذي من جملته اللهو والكفر والأباطيل الاخر قال الراغب القذف الرمي البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وبلدة قذوف طروح بعيدة والباطل نقيض الحق وهو الذي لا ثبات له عند الفحص عنه فَيَدْمَغُهُ فيهلكه ويعدمه قال اهل التفسير انما استعار لذلك اى للتعليب والتسليط وإيراد الحق على الباطل القذف وهو الرمي الشديد المستلزم لصلابة المرمى ولمحوه واعدامه الباطل وهو كسر الشيء الرخو الأجوف وهو الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدى الى زهوق الروح تصويرا لابطاله به فشبه الحق بجرم صلب كالماس او الياقوت مثلا قذف به على جرم رخو أجوف من قزاز او تراب فمحقه وأعدمه قال صاحب المفتاح اصل استعمال القذف والدمغ فى الأجسام ثم استعير القذف لا يراد الحق على الباطل والدمغ لا ذهاب الباطل ومحوه فالمستعار منه حسى والمستعار له عقلى اى ففيه تشبيه المعقول بالمحسوس عبر عن الصورة المعقولة بما يدل على الهيئة المحسوسة لتتمكن تلك الهيئة المعقولة فى ذهن السامع فضل تمكن فَإِذا هُوَ [پس آنجا او] زاهِقٌ اى ذاهب بالكلية والزهوق ذهاب الروح ويقال زهقت نفسه خرجت من الأسف وفى إذا المفاجأة والجملة الاسمية من الدلالة على كمال المسارعة فى الذهاب والبطلان ما لا يخفى فكأنه زاهق من الأصل وذكره لترشيح المجاز فان ذهاب الروح انما يلائم المستعار منه اى المعنى الأصلي للدمغ فان الدماغ مجمع الحواس وإذا بلغت الشجة اليه يموت الحيوان وفى التأويلات النجمية للحق ثلاث مراتب وكذا للباطل مرتبة افعال الحق ومرتبة صفات الحق ومرتبة ذات الحق تعالى فاما افعال الحق فهى ما امره الله به العباد فبها يدمغ باطل ما نهى الله عنه واما صفات الحق فبتجليها يدمغ باطل صفات العبد واما ذات الحق فاذا تجلى الله بذاته يدمغ باطل جميع الذوات كما قال تعالى كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ويدل عليه وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ولعل من قال انا الحق انما قال عند تجلى ذات الحق او صفة حقيته لذاته الباطل إذ زهق باطل ذاته عند مجيئ الحق فاخبر الحق عن ذاته بلسان اتصف بصفة الحق فقال انا الحق: قال المغربي قدس سره
ناصر ومنصور ميكويد انا الحق المبين
بشنو از ناصر كه آن كفتار از منصور نيست
وقال الخجندي قدس سره
هر كه بدار فنا جبه هستى بسوخت
رمز سوى الله بخواند سر انا الحق شنود
وقال
اسرار انا الحق سخن نيك بلندست
معنى چنين جز بسر دار نيابى
وَلَكُمُ الْوَيْلُ قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل فى التحسر وويس استصغار وويح ترحم ومن قال ويل واد فى جهنم فانه لم يرد ان ويلا فى اللغة هو موضوع لهذا وانما أراد ان من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت ذلك له. والمعنى استقر لكم الهلاك ايها المشركون مِمَّا تَصِفُونَ من تعليلية متعلقة بالاستقرار اى من أجل وصفكم له سبحانه
صفحة رقم 461
بما لا يليق بشأنه الجليل من المرأة والولد ووصف كلامه بانه سحر وأضغاث أحلام ونحو ذلك من الأباطيل وَلَهُ خاصة مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى جميع المخلوقات إيجادا واستعبادا وَمَنْ عِنْدَهُ من عطف الخاص على العام والمراد الملائكة المكرمون المنزلون لكرامتهم عليه منزلة المقربين عند الملوك على طريقة التمثيل والبيان لشرفهم وفضلهم على اكثر خلقه لا على الجميع كما زعم ابو بكر الباقلاني وجميع المعتزلة فالمراد بالعندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة وعند وان كان من الظروف المكانية الا انه شبه قرب المكانة والمنزلة بقرب المكان والمسافة فعبر عن المشبه بلفظ المشبه به، قال الكاشفى [يعنى فرشتكان كه مقربان دركاه الوهيت اند وشما ايشانرا مى پرستيد] لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ اى لا يتعظمون عنها ولا يعدون أنفسهم كبيرة بل يتفاخرون بعبوديته فالبشر مع نهاية ضعفهم اولى ان يطيعوه والجملة حال من قوله من عنده. وجعل المولى ابو السعود رحمه الله من عنده مبتدأ ولا يستكبرون خبره وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ولا يكلون ولا يعيون يقال حسرو استحسر إذا تعب وأعيى يعنى ان استفعل بمعنى فعل نحو قر واستقر قال فى المفردات الحسر كشف الملبس عما عليه يقال حسرت عن الذراع والحاسر من لا درع عليه ولا مغفر والناقة حسير حسر عنها اللحم والقوة والحاسر المعيى لانكشاف قواه ويقال للمعيى حاسر ومحسور اما الحاسر فتصور انه قد حسر بنفسه قواه واما المحسور فتصور ان التعب قد حسره والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه او انحسر قواه من فرط غم أدركه واعياه عن تدارك ما فرط منه يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ كأنه قيل كيف يعبدون فقيل يسبحون الليل والنهار اى ينزهونه فى جميع الأوقات عن وصمة الحدوث وعن الانداد ويعظمونه ويمجدونه دائما لا يَفْتُرُونَ لا يتخلل تسبيحهم فترة طرفة عين بفراغ منه او بشغل آخر لانهم يعيشون كما يعيش الإنسان بالنفس والحوت بالماء. يعنى ان التسبيح بالنسبة الى الملائكة كالتنفس بالنسبة إلينا فكما ان قيامنا وقعودنا وتكلمنا وغير ذلك من أفعالنا لا يشغلنا عن التنفس فكذلك الملائكة لا يشغلهم عن التسبيح شىء من أفعالهم كما قال عبد الله بن الحارث لكعب أليس انهم يؤدون الرسالة ويلعنون من لعنه الله كما قال جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وقال أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ فقال التسبيح لهم كالتنفس لنا فلا يمنعهم عن عمل فان قلت التسبيح واللعن من جنس الكلام فكيف لا يمنع أحدهما الآخر قلنا لا يبعد ان يخلق الله لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبحون وببعضها يلعنون. او المعنى لا يفترون عن العزم على ادائه فى أوقاته كما يقال فلان مواظب على الجماعة لا يفتر عنها فانه لا يراد به دوام الاشتغال بها وانما يراد العزم على أدائها فى أوقاتها كما فى الكبير وعن بعض ارباب الحقائق زالت مشقة التكاليف الشرعية عن اهل الله تعالى لفرط محبتهم إياه سبحانه ولتبدل مجاهدتهم بالحب الإلهي لانه ظهر شرف تلك التكاليف وبهر كونها تجليات الهية يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى قدس سره وهو يقول لا تتيسر حلاوة العبودية الا بعد المعرفة التامة بالله تعالى والشهود الكامل له وذلك لان لذة المناجاة مع السلطان لا يصل إليها السائس