آيات من القرآن الكريم

وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕ

ذِكْرُكُمْ»
شرفكم بين الأمم وشرعكم الشامل لهم ودينكم الذي تدينون فيه فهو أكبر النعم عليكم إذ جاء بلسانكم فلكم فيه الفخر على غيركم «أَفَلا تَعْقِلُونَ» ١٠ هذه النعم العظيمة وتعضوا عليها بالنواجذ وتعملوا بكتابكم هذا فتحلّوا حلاله وتحرموا حرامه
«وَكَمْ قَصَمْنا» قصفنا والقصم الكسر مع تفريق الأجزاء وإذهاب التئامها، والمعنى أنا عجلنا عقوبتهم لاشتداد غضبنا عليهم ولم نمهلهم لشدة إصرارهم، وقد جرت سنتنا أن لا نمهل ظالما «مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً» مصرة بل دككناها بما فيها وما عليها «وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ» ١١ فأسكناهم فيها بدلهم فتبعوا أثرهم بالفسق والطغيان قال:

ولا تتبع الماضي سؤالك لم مضى وعرّج على الباقي وسائله لم بقي
قال تعالى «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا» عذابنا وشاهدوه بحاسة بصرهم بعد أن أنذرناهم وحذرناهم «إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» ١٢، هربا من القرية كي لا يصل إليهم العذاب الذي رأوه أظلهم فقيل لهم «لا تَرْكُضُوا» يا قوم فليس بنافع جري إذا جاء القضاء بالعذاب وقد مر في الآية ١٣ من سورة ص في ج ١ أن الركض ضرب الأرض بالرجل أي بعقبها وجاء هنا بمعنى الجري على اللغة الدارجة لأن القرآن العظيم جاء فيه من كافة اللغات مما هو أحسنها «وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» من التنعم بالعيش والترف في اللباس والترفه في السكنى «وَمَساكِنِكُمْ» التي زخرفتموها في الدنيا أي تقول لهم الملائكة ذلك على طريق الاستهزاء والسخرية بهم «لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» ١٣ من قبل الغير عما جرى بكم من العذاب وعن السبب الذي أوقعكم فيه فتجزون به، قيل نزلت هذه في أهل (حصوه) قرية باليمن كان أهلها عربا حينما قتلوا نبيهم بعد أن كذبوه فسلط الله عليهم بختنصر فقتلهم وسباهم فصاروا يهربون منهم فأدركوهم وقد أخذتهم السيوف ونادى مناد من جو السماء بالثارات الأنبياء، ولما لم يروا بدا اعترفوا و «قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» ١٤ بتكذيب الرسل وقتلهم ولكن لم ينفعهم الندم بعد نزول العذاب «فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ» أي قولهم يا ويلنا وهم يقتلون ويذبحون متوالية «حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً» كالزرع المحصود

صفحة رقم 297

«خامِدِينَ» ١٥ لا حراك بهم، وفي هذه الآية تحذير لأهل مكة وتخويف عظيم وتهديد شديد بأنهم إذا لم يرجعوا عن غيهم يكون مصيرهم مثل مصيرهم، قال تعالى «وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما» وما فيهما من العجائب والبدائع «لاعِبِينَ» ١٦ لأن اللعب يروق ساعة أوله ولا ثبات له وإنما خلقناهما لفوائد كثيرة همها الاستطلاع على قدرتنا والتبصّر في باهر حكمتنا وأرسلنا الأنبياء ليكفروا الخلق فيها وإلا لما كان من حاجة لإرسالهم لو كان خلقها لمجرد اللهو، ثم نزّه ذاته المقدسة فقال «لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً» نلهو به من امرأة أو ولد أو خدم أو جنات أو أموال وأنعام «لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا» في الجنة من الحور والولدان لا من عندكم ولكنا لم نتخذ «إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ» ١٧ ما تنفوهون به وهذا ممتنع علينا لغنانا عنه واحتياج الكل إلينا، فالولد والزوجة لا يكونان إلا عند الأب والزوج لا يكونان عند غيره، وقال بعض المفسرين ان (إن) هنا نافيه أي (ما كنا فاعلين) وعليه يكون الوقف على (لدنا) لا على (فاعلين) والأول أي اعتبار إن شرطية محذوفة الجواب الدال عليه ما قبلها وهو (لا تخذناه) أولى بسبك العبارة والثاني أبلغ في النفي فقط تأمل، وفي هذه الآية رد وتقريع على من ينسب له تعالى الصاحبة والولد تبرأت ذاته المقدسة عنهما، ولذلك بقول بعض النصارى إن مريم صاحبة لله وعيسى ابنه، واليهود يقولون إن عزيزا ابنه، والعرب تقول الملائكة بناته، تعالى عن ذلك كله علوا كبيرا أي لكنا لنا ممن يفعل ذلك لاستحالته في حقنا، وإنما نفى اللهو جل جلاله عنه لأنه نقص وهو مستحيل في حقه تعالى فتركه واجب منه وهذا ليس من قبيل الوجوب عليه بل القول بالوجوب عنه وهو واجب علينا، ومن أنكر أن اللعب نقص كالكذب فقد كابر، ولا داعي لمن قال إن اللهو يراد به الجماع ويكنّى عنه به وعن المرأة واستشهد بقول امرئ القيس:

الا زعمت بسباسة القوم أنني كبرت وأن لا يحسن اللهو أمثالي
إذ لا حاجة لقلب الحقيقة إلى المجاز دون صارف. ثم أضرب جلّ اضرابه فقال «بَلْ نَقْذِفُ» نرمي ونطرح «بِالْحَقِّ» القرآن والإيمان به «عَلَى الْباطِلِ»

صفحة رقم 298
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية