(أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا)، أي أعتمد عليها في متابعتي للغنم، ومراقبتي لها عندما يحل بنا التعب، أو أعتمد عليها في كل الأحوال في مراقبتي لها، والأمر الثاني ذكره بقوله: (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي)، أي أخبط على رأسه خبطا خفيفا، لأبعده عن مواطن تضره، وذلك من هش الورق إذا خبطه خبطا يسيرا لينظمه، وفي ذلك دلالة على الرفق بهذا الحيوان الضعيف وتوجيهه بأقل ما يكون من توجيه من غير ضرب ولا زجر، ولذا كان النببون يُعَوَّدون الرفق برعاية الغنم، فهذا نبي الله موسى قبل أن يبعثه الله رسولا نزعه من قصور فرعون إلى رعاية الغنم، وهو القوي الذي وكز الرجل من آل فرعون فقضى عليه، فكان لابد أن يذوق الفقر ويتعود الرفق في رعي الغنم. والأمر
صفحة رقم 4713
الثالث الذي أشار إليه هو قوله (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) والمآرب جمع مأربة بضم الراء وكسرها وفتحها، وهي الحوائج والمنافع، وقال (أُخْرَى)؛ لأن جمع ما لا يعقل يكون بالمفرد المؤنث كقوله تعالى: (... يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ...)، فقد خوطبت الجبال بالمفرد المؤنث، وقد روي عن ابن عباس أنه عدَّ هذه المآرب فقال: " إذا انتهيت إلى رأس بئر فقصُر الرشا وَصَلْتُه بالعصا، وإذا أصابني حر الشمس غرزتها في الأرض، وألقيت عليها ما يظلني، وإذا خفت شيئا من هوام الأرض قتلته بها، وإذا مشيت ألقيتها على عاتقي، وعلقت عليها القوس والكنانة والمخلاة، وأقاتل بها السباع عن الغنم ".
وقد أفاض الرسول في الرد بعض الإفاضة باتجاهه إلى بيان منافعها فبدل أن يقول في ماهيتها: عود من شجرة، ليستأنس بكلام ربه فهو كلام العلي الأعلى.
وكانت هذه العصا بعد ذلك أداة ظاهرة للمعجزات فبها ضرب البحر فافترق، وكان كل فرق كالطود العظيم، وضرب الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا.
ذكر موسى لربه ما ينتفع به من العصا، فصَّل ما فصَّل، وأجمل ما أجمل، وقد نبهه الله تعالى إلى منفعة للعصا فوق كل ما ذكر؛ لأنها تكون ليست لغيره، وقد نبهه ربه إلى الإعجاز فيها فقال: