آيات من القرآن الكريم

قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ
ﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ

فى هاوية الخذلان والعصيان، وهذا الخطاب من وادي قولهم (إياك أعنى واسمعي يا جاره) فالمراد بمثل هذا الخطاب جميع المكلفين كما تقدم غير مرة.
وخلاصة ذلك- لا تتّبعوا سبل من كذّب بالساعة، وأقبل على لذاته فى دنياه، وعصى أمر ربه واتبع هواه، فإن من سلك سبيلهم خاب وخسر كما قال: «وما يغنى عنه ماله إذا تردى».
[سورة طه (٢٠) : الآيات ١٧ الى ٢١]
وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١)
تفسير المفردات
أتوكأ عليها: أعتمد عليها فى المشي والوقوف على رأس القطيع ونحو ذلك، وأهش بها: أي أخبط بها ورق الشجر، مآرب: أي منافع واحدها مأربة (مثلثة الراء) والحية: تطلق على الصغير والكبير والذكر والأنثى من هذا النوع، والثعبان: العظيم من الحيات، والجانّ: الصغير منها، سيرتها الأولى: أي حالها الأولى وهى كونها عصا، يقال لكل من كان على أمر فتركه وتحول عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه مناجاته لموسى حين رأى النار التي فى الشجرة واختياره نبيا وإيحاءه إليه أن لا إله إلا هو، وأمره بإقامة الصلاة لما فيها من ذكره، وتخصيصه

صفحة رقم 101

بالعبادة دون سواه، ثم إخباره بأن الساعة آتية لا محالة ليجزى المحسن بإحسانه، والمسيء بما دسّى به نفسه جزاء وفاقا.
قفّى على ذلك بذكر البرهانات التي آتاها موسى، دلالة على نبوته، وتصديقا له على رسالته، فبدأ بذكر العصا التي انقلبت حية تسعى حين ألقاها من يده، وكان قد سأله عنها استجماعا لقلبه، وتهدئة لروعه فى هذا المقام الرهيب، وإعلاما بما سيكون لها بعد من عظيم الشأن وجليل المنافع والمزايا التي لم تكن تدور بخلده عليه السلام.
الإيضاح
(وما تلك بيمينك يا موسى) سأله سبحانه عما فى يده وهو العليم به، ليبين له أنه سيجعل لتلك الخشبة التي ليس لها خطر كبير، ولا منفعة عظيمة- جليل المزايا والفوائد التي لم تكن تخطر له على بال، كانقلابها حية تسعى، وضرب البحر بها حتى ينفلق، وضرب الحجر حتى يتفجر منه الماء، ولينبهه بهذا الطريق إلى كمال قدرته، وبالغ عظمته، إذ أظهر لأحقر الأشياء هذه المنافع العظيمة- على سنن الناس فى تخاطبهم، إذا أراد أحدهم أن يظهر من الشيء الحقير شيئا شريفا، أن يأخذه ويعرضه على النظّارة ويقول لهم: ما هذا؟ فيقولون هو كذا، فيفيض فى شرح ما له من فائق المزايا، وجليل المنافع، التي لم تكن تدور بخلدهم، ولم تخطر ببالهم.
فأجابه موسى معدّدا ما لها من فوائد ومزايا بحسب ما وصلت إليه معرفة البشر.
(قال هى عصاى) وبهذا تم الجواب، ولكن موسى ذكر ما لها من فوائد، إذ أحب مكالمة ربه، فجعل ذلك كالوسيلة لهذا الغرض، فبين لها فائدتين على سبيل التفصيل، وواحدة على سبيل الإجمال فقال:
(١) (أتوكؤا عليها) أي أعتمد عليها إذا مشيت أو تعبت أو وقفت على رأس القطيع من الغنم.
(٢) (وأهش بها على غنمى) أي أخبط ورق الشجر بها، ليسقط على غنمى فتأكله.

صفحة رقم 102
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية