
الناس ومن هرم. لأن التأويل للأول هُوَ أسخى من الناس ومن هرم ثُمَّ إنه وصف المجوس فقال: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وذلك أن تحيتهم فيما بينهم: (زِهُ «١» هَزَارْ سَالْ). فهذا تفسيره: عش ألف «٢» سنة.
وأما قوله: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ،... (٩٧)
[يعنى القرآن] «٣» عَلى قَلْبِكَ [هذا أمر] «٤» أمر اللَّه به محمدا صلى الله عليه وسلّم فقال: قل لهم لما قالوا عدوّنا جبريل وأخبره اللَّه بذلك، فقال: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ يعني قلب مُحَمَّد صلى اللَّه عليه وسلم، فلو كان فِي هذا الموضع «على قلبي» وهو يعني محمدًا صلى اللَّه عليه وسلم لكان صوابا. ومثله فِي الكلام: لا تقل للقوم إن الخير عندي، وعندك أما عندك فجاز لأنه كالخطاب، وأما عندي فهو قول المتكلم بعينه. يأتي هذا من تأويل قوله:
«سَتُغْلَبُونَ» و «سَيَغْلِبُونَ» «٥» بالتاء والياء.
وقوله: وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ... (١٠٢)
(كما تقول فِي ملك سُلَيْمَان) «٦». تصلح «فِي» و «على» فِي مثل هذا الموضع تقول: أتيته فِي عهد سليمان وعلى عهده سواء.
(٢) فى تفسير الطبري: عن ابن عباس فى قوله «يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ» قال هو قول الأعاجم: سال زه نوروز مهرجان، وعن ابن جبير قال: هو قول أهل الشرك بعضهم لبعض إذا عطس:
زه هزار سال. [.....]
(٣) ساقط من أ.
(٤) ساقط من أ.
(٥) آية ١٢ سورة آل عمران، والقراءة بياء الغيبة أي بلغهم أنهم سيغلبون، وبتاء الخطاب أي قل لهم فى خطابك إياهم ستغلبون.
(٦) سقط ما بين القوسين فى أ.

وقوله: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ... (١٠٢)
القراء يقرءون «الْمَلَكَيْنِ» من الملائكة. وكان ابن عَبَّاس يقول:
«الْمَلَكَيْنِ» من الملوك.
وقوله: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ... (١٠٢)
أما السحر فِمن عمل الشياطين، فيتعلمون من الملكين كلاما إذا قيل أخذ «١» به الرجل عن امرأته. ثُمَّ قال: ومن قول الملكين إذا تعلم منهما ذلك: لا تكفر.
إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ، فَيَتَعَلَّمُونَ ليست بجواب لقوله: وَما يُعَلِّمانِ إنما هى مردودة على قوله: يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم فهذا وجه. ويكون «فَيَتَعَلَّمُونَ» متصلة بقوله: «إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ» فيأبون فيتعلمون ما يضرهم، وكأنه أجود الوجهين فِي العربية «٢». والله أعلم.
وقوله: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها... (١٠٦)
أو ننسئها- أَوْ نُنْسِها عامة القراء يجعلونه من النسيان، وفي قراءة عَبْد اللَّه: / «مَا ننسك من آية أو ننسخها نجىء بمثلها أو خير منها» وَفِي قراءة سالم مَوْلَى أبي حُذَيْفة: «ما ننسخ من آية أو ننسكها»، فهذا يقوي النسيان.
والنسخ أن يعمل بالآية ثُمَّ تنزل الأخرى فيعمل بها وتترك الأولى. والنسيان هاهنا على وجهين: أحدهما- على الترك نتركها فلا ننسخها كما قال اللَّه جل ذكره:
«نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» «٣» يريد تركوه فتركهم. والوجه الآخر- من النسيان الذي
(٢) لعل الوجه الأوّل هو ما أشار إليه المؤلف أوّلا، وهو عطف «فيتعلمون» على موضع «ما يعلمان» وقد أجازه بعضهم لأن قوله: «وما يعلمان» وإن دخلت عليه ما النافية فمضمنه الإيجاب فى التعليم. وهناك أعاريب أخرى.
(٣) آية ٦٧ سورة التوبة.

ينسى، كما قال اللَّه: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ» «١» وكان بعضهم يقرأ: «أَوْ نَنْسَأْهَا» يهمز يريد نؤخرها من النسيئة وكل حسن. حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: «٢» وَحَدَّثَنِي قَيْسٌ «٣» عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بإسناد برفعه إلى النبي ﷺ أنه سمع رجلا يَقْرَأُ فَقَالَ: (يَرْحَمُ اللَّهُ هَذَا، هَذَا أَذْكَرَنِي آيَاتٍ قَدْ كُنْتُ أُنِسِيتَهُنَّ).
وقوله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ... (١٠٢)
من فِي موضع رفع وهي جزاء «٤» لأن العرب «٥» إذا أحدثت على الجزاء هذه اللام صيّروا فعله على جهة فعل. ولا يكادون يجعلونه على يفعل كراهة أن يحدث على الجزاء حادث وهو مجزوم ألا ترى أنهم يقولون: سل عما شئت، وتقول: لا آتيك ما عشت، ولا يقولون ما تعش لأن «ما» فِي تأويل جزاء
(٢) فى ج، ش: «قال حدثنا قيس».
(٣) هو قيس ابن الربيع الأسدىّ الكوفىّ. مات سنة ١٦٥ هـ. وانظر الخلاصة والتهذيب وتاريخ بغداد.
(٤) «ولقد علموا لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» اللام للقسم و «من» اسم موصول مبتدأ وجملة «اشتراه» صلة الموصول، وجملة «ما له فى الآخرة من خلاق» مبتدأ وخبر، و «من» زائدة فى المبتدأ «خلاق» للتوكيد، و «فى الآخرة» متعلق بمحذوف حال منه، ولو أخر عنه لكان صفة له، وهذه الجملة فى محل رفع خبر المبتدأ «من» والجملة كلها «لمن اشتراه ما له فى الآخرة من خلاق» فى محل نصب سادة مسدّ مفعولى «علموا». هذا هو الظاهر عند النحويين وقال الفرّاء: إن «من» أداة شرط مبتدأ، واللام فى «لمن» موطئة للقسم.
والمشهور أن اللام الداخلة على «قد» فى مثل الآية إنما هى لام القسم، أما اللام الداخلة على أداة الشرط فهى للإيذان بأن الجواب بعدها مرتب على قسم قبلها لا على الشرط، ولذلك تسمى اللام المؤذنة، وتسمى الموطئة أيضا لأنها وطأت الجواب للقسم أي مهدته له. وحيث أغنى جواب القسم عن جواب الشرط لزم كون فعل الشرط ماضيا ولو معنى كالمضارع المنفي بلم غالبا- هذا- وقد يغنى عن القسم جوابه لدليل يدل عليه كما إذا وقع بعد «لقد» أو بعد «لئن» نحو «ولقد صدقكم الله وعده» و «لئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون». وراجع إعراب الآية فى تفسير الطبري.
(٥) فى ج، ش: «إلا أن العرب».

وقد وقع ما قبلها عليها، فصرفوا الفعل إلى فعل لأن الحزم لا يستبين فِي فعل، فصيروا حدوث اللام- وإن كانت لا تُعِّرب شيئًا- كالذي يُعَرِّب، ثُمَّ صيروا جواب الجزاء بما تُلْقي به اليمين- يريد تستقبل به- إما بلامٍ، وإما ب «لا»، وإما «إن» وإمّا ب «ما» فتقول فِي «ما» : لئن أتيتني ما ذلك لك بضائع، وفي «إن» : لئن أتيتني إن ذلك لمشكور لك- قال الفراء: لا يكتب لئن إلا بالياء ليفرق بينها وبين لأن «١» - وفي «لا» :«لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ» «٢» وفى اللام «وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ» «٣» وإنما صيروا جواب الجزاء كجواب اليمين لأن اللام التي دخلت فِي قوله: «وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ» وفي قوله:
«لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ» «٤» وفى قوله: «لَئِنْ أُخْرِجُوا» إنما هِيَ لام اليمين كان موضعها فِي آخر الكلام فلما صارت فِي أوله صارت كاليمين، فلقُيت بما يُلْقَى به اليمين، وإن أظهرت الفعل بعدها على يفعل جاز ذلك وجزمته فقلت: لئن تقم لا يقم إليك، وقال الشاعر «٥» :
لئن تَكُ قد ضاقْت عليكم بيوتُكم | ليعلم ربّى أنّ بيتي واسع |
(٢، ٣) آية ١٢ سورة الحشر. [.....]
(٤) آية ٨١ من سورة آل عمران: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ» اللام للابتداء وتوكيد معنى القسم الذي فى ضمن أخذ الميثاق، وجواب القسم جملة «لتؤمنن به» و «ما» جعلها الفراء شرطية، والأولى أن تكون موصولا مبتدأ خبره محذوف. وقال العكبري: وفى الخبر وجهان أحدهما أنه «من كتاب وحكمة» أي الذي أوتيتموه من الكتاب، والنكرة هنا كالمعرفة. والثاني أن الخبر جملة القسم المحذوف وجوابه الذي هو جملة «لتؤمنن به». وراجع السمين والزمخشري فى الآية.
(٥) البيت للكميت بن معروف، وهو شاعر مخضرم، والشاهد فيه أن فعل الشرط المحذوف جوابه قد جاء مضارعا فى ضرورة الشعر، والقياس «لئن كانت». وفيه شاهد آخر وهو أن المضارع الواقع جوابا للقسم إن كان للحال لا للمستقبل وجب الاكتفاء فيه باللام، وامتنع توكيده بالنون كما هنا فإن المعنى: ليعلم الآن ربى.

وأنشدني بعضُ «١» بني عقيل:
لئِن كَانَ ما حُدِّثْتُهُ اليومَ صادِقًا | أَصُمْ فِي نهار الْقَيْظِ للشَّمسِ بادِيَا |
وأَرْكَبْ حمارًا بين سرجٍ وفروةٍ | وأعْرِ من الخاتام صُغْرَى شماليا «٢» |
فَلا يَدْعُنِي قَوْمِي صَرِيحًا لِحُرَّةٍ | لئنْ كُنتُ مقتولا ويَسْلَمُ عامِرُ |
فَلئِنْ قومٌ أصابُوا غِرَّةً | وأَصَبْنا من زمانٍ رَقَقَا «٥» |
لَلَقدْ كانوا لدى أزماننا | لصنيعين لبأس وتقى «٦» |
(٢) الشاهد أنه جاء الفعل «أصم» جوابا مجزوما لإن الشرطية بعد تقدم القسم المشعر به اللام الموطئة، وهو قليل فى الشعر. وقيل إن اللام زائدة. و «ما» عبارة عن الكلام. والقيظ:
شدة الحر. والبادي: البارز. وركوب الحمار بين الفروة والسرج هيئة من يندد به ويفضح بين الناس.
وأعر: مضارع أعراه أي جعله عاريا. والخاتام لغة فى الخاتم. وصغرى الشمال خنصرها فإن الخاتم يكون زينة للشمال، واليمين لها فضيلة اليمين. يقول: إن كان ما نقل لك عنى من الحديث صحيحا فجعلنى الله صائما فى تلك الصفة الشاقة، وأركبنى حمارا للخزى والفضيحة وجعل شمالى عارية من حسنها وزينتها بقطعها.
(خزانة الأدب ج ٤: ٥٣٨).
(٣) قائله قيس بن زهير العبسي، وتقدير البيت: لئن قتلت و «عامر» سالم من القتل فلست بصريح النسب حر الأم وأراد عامر بن الطفيل. و «يسلم» على القطع والاستئناف، ولو نصب بإضمار «أن» لأن ما قبله من الشرط غير واجب لجاز. (هامش سيبويه ج ١: ٤٢٧).
وقال ابن مالك: وقد يستغنى بعد «لئن» عن جواب لتقدم ما يدل عليه فيحكم بأن اللام زائدة، فمن ذلك قول عمر بن أبى ربيعة:
ألمم بزينب إن البين قد أفدا | قل الثواء لئن كان الرحيل غدا |
(٥) «غرة» فى شعراء ابن قتيبة ١/ ٤٧:
«عزة». الرقق: رقة الطعام وقلته، وفى ماله رقق أي قلة، وذكره القراء بالنفي فقال: يقال ما فى ماله رقق، أي قلة.
(٦) كذا. والمعنى غير واضح. وقد يكون الأصل: للقد أ......

فأدخل على «لقد» لا ما أخرى لكثرة ما تلزم العرب اللام فِي «لقد» حَتَّى صارت كأنها منها. وأنشدني بعض بْني أسد:
لددتهم النصيحة كل لَدٍّ | فمجوا النصح ثُمَّ ثنوا فقاءوا |
فلا والله لا يلفى لما بي | ولا للمابهم أبدًا دَواءُ «١» |
كما ما امرؤ في معشر غير رهطه | ضعيف الكلام شخصه متضائل |
لَئِنْ مُنِيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعْرَكةٍ | لا تُلْفِنَا مِن دِماءِ القومِ نَنْتَفِلُ «٢» |
وما بهم من البلوى دواء وانظر الخزانة ١/ ٣٦٤.
(٢) منيت: أي بليت وقدر لك. و «عن غب معركة» «عن» بمعنى بعد، والغب: العاقبة.
وانتقل من الشيء: انتفى منه وتنضل. والشاهد فى البيت أن الشرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه، وهو قليل خاص بالشعر.
وقال ابن هشام: إن اللام فى «لئن» زائدة وليست موطئة كما زعم الفراء.
(٣). ١٢ آية سورة الحشر.
(٤) سقط فى أ.