آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۖ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ

الحق والرسالات الإلهية وأعداء القرآن وسائر الكتب السماوية، لأن معاداة أمين الوحي جبريل، ومعاداة محمد صلّى الله عليه وسلّم، ومعاداة الكتب السماوية، معاداة لكل الملائكة وسائر الأنبياء والكتب، إذ إن المقصد منها واحد، وهو هداية الناس، وإرشادهم إلى الخير، ولأن رسالة جميع الأنبياء واحدة، والغاية منها متحدة، فلا يصح التفريق بين الملائكة والرسل والكتب، وكلها من مصدر واحد، وتهدف خيرا مشتركا، وتدعو إلى توحيد الله، وعبادته، والالتزام بأصول الأخلاق والفضائل التي هي عنوان تقدم الفرد والجماعة.
كفرهم بالقرآن ونقضهم العهود
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٩ الى ١٠١]
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٠١)
الإعراب:
بَيِّناتٍ حال.
أَوَكُلَّما.. الهمزة استفهام بمعنى التوبيخ، والواو حرف عطف وكلما: نصب على الظرفية.
كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ الكاف حرف تشبيه، لا موضع لها من الإعراب، وموضع الجملة رفع وصف لفريق.

صفحة رقم 237

البلاغة:
رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ التنكير للتفخيم، ووصف الرسول بأنه آت من عند الله لإفادة مزيد التعظيم وَراءَ ظُهُورِهِمْ مثل يضرب للإعراض عن الشيء، فهو كناية عن الإعراض عن التوراة بالكلية.
المفردات اللغوية:
وَلَقَدْ اللام لام القسم بَيِّناتٍ واضحات الْفاسِقُونَ المتمردون من الكفرة، قال الحسن البصري: إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي، وقع على أعظم ذلك النوع من كفر وغيره. واللام في الْفاسِقُونَ للجنس، والأحسن- كما قال الزمخشري- أن تكون إشارة إلى أهل الكتاب.
عاهَدُوا عَهْداً على الإيمان بالنبي إن خرج، أو النبي ألا يعاونوا عليه المشركين.
نَبَذَهُ طرحه، والمراد نقضه، وهو جواب كلما، وهو محل الاستفهام الإنكاري بَلْ للانتقال.
وَراءَ ظُهُورِهِمْ أي لم يعملوا بما فيها من الإيمان بالرسول وغيره كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ما فيها من أنه نبي حق أو أنها كتاب الله.
سبب نزول الآية (٩٩) :
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن عبد الله بن صوريا قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم:
يا محمد، ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل الله عليك من آية بينة فأنزل الله في ذلك: وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ.
وسبب نزول الآية (١٠٠) :
أن مالك بن الصيف حين بعث رسول الله، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق، وما عهد إليهم في محمد قال: والله ما عهد إلينا في محمد، ولا أخذ علينا ميثاقا، فأنزل الله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا.. الآية.

صفحة رقم 238

المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ما جبل عليه اليهود من خبث النفس ونقض العهد، وتكذيب رسل الله، ومعاداة جبريل أمين الوحي عليه السلام، أعقب ذلك أن من عادة اليهود التكذيب بآيات الله، وعدم الوفاء بالعهود، وتكذيب الرسل، والإعراض عن القرآن. وفي ذلك تسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم حيث عارضوا دعوته، وأعرضوا عن القرآن الكريم.
التفسير والبيان:
والله لقد أنزلنا إليك يا محمد دلائل واضحات تدل على صدق رسالتك، تقترن أصولها الاعتقادية ببراهينها، وأحكامها العملية بوجوه منافعها وغاياتها المصلحية، فلا تحتاج إلى دليل آخر يوضحها، فهي كالنور يظهر الأشياء، وهو ظاهر بنفسه، ولا يكفر بها إلا المتمردون على آياتها وأحكامها من الكفرة، الذين استحبوا العمى على الهدى، حسدا لمن ظهر الحق على يديه، وعنادا ومكابرة منهم.
إنهم كفروا بالله، وكلما عاهدوا عهدا مع الله، أو مع رسول الله نقضه فريق منهم: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ، ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ [الأنفال ٨/ ٥٦] بل نقضه أكثرهم، ولم يوفوا به، فاليهود غادرون بمن ائتمنهم، خائنون الأمانة، ناقضون العهود أو العقود والمواثيق، وكم أخذ الله الميثاق منهم ومن آبائهم، فنقضوه، وأكثرهم لا يؤمنون بالتوراة، وليسوا من الدين في شيء، فلا يعدون نقض المواثيق ذنبا، ولا يبالون به، ولن يؤمنوا أيضا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن، كأنهم لا يعلمون أن التوراة كتاب الله، لا يدخلهم فيه شك، يعني أن علمهم بذلك رصين، ولكنهم كابروا وعاندوا ونبذوه وراء ظهورهم.
ولما جاءهم محمد صلّى الله عليه وسلّم بكتاب مصدق للتوراة في الأصول الدينية العامة،

صفحة رقم 239

كتوحيد الله وإثبات البعث، والتصديق بالرسل، ترك فريق من اليهود كتاب الله وراء ظهورهم- وهو تمثيل لتركهم وإعراضهم عنه، مثل أي شيء يرمى به وراء الظهر- استغناء عنه، وقلة التفات إليه، لأنهم لم ينفذوا بعض ما فيه، ولم يؤمنوا به إيمانا حقا كأنهم لا يعلمون أن من لم يؤمن بالقرآن الموافق للتوراة، لا يكون مؤمنا بكل منهما، وهو كناية عن الإعراض عن التوراة بالكلية.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذا سجل من قبائح اليهود أوضحه الله تعالى وهو من أخبار الغيب، التي لا يعلمها إلا علام الغيوب، وقد رصد فيه عيوب أربعة وهي:
١- التكذيب بآيات الله وبيناته وأدلته الواضحة القاطعة على وجوده ووحدانيته وربوبيته ولزوم عبادته وإطاعة أوامره واجتناب نواهيه.
٢- عدم الثقة بهم في أي شيء، لأنهم دأبوا على نقض العهود والغدر بالمعاهدين في كل زمان.
٣- انقطاع الأمل وسد باب الرجاء في إيمان أكثرهم، لأن الضلال قد استحوذ عليهم.
٤- لم ينبذ فريق منهم كتاب الله «التوراة» جملة وتفصيلا، بل نبذوا منه ما يبشر بالنبي صلّى الله عليه وسلّم ويبين صفاته وما يأمرهم بالإيمان به، فإن ما في كتابهم من البشارة بنبي يجيء من ولد إسماعيل لا ينطبق إلا على هذا النبي الكريم.

صفحة رقم 240
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية