
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ ملك يأتيك مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: «جِبْرِيلُ»، قَالَ: ذَلِكَ عَدُّونَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ كَانَ مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِكَ، إِنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْعَذَابِ وَالْقِتَالِ وَالشِّدَّةِ وإنه عادانا مرارا، كان أَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّنَا: أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَيُخَرَّبُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: بُخْتُنَصَّرُ، وَأَخْبَرَنَا بِالْحِينِ الَّذِي يُخَرَّبُ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُهُ بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ أَقْوِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَلَبِهِ ليقتله، فَانْطَلَقَ حَتَّى لَقِيَهُ بِبَابِلَ غُلَامًا مِسْكِينًا فَأَخَذَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَدَفَعَ عَنْهُ جِبْرِيلُ، وَكَبُرَ بُخْتُنَصَّرُ وَقَوِيَ وَغَزَانَا وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلِهَذَا نَتَّخِذُهُ عدوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ جِبْرِيلَ عدوّنا لأنه أمر أن يجعل النُّبُوَّةِ فِينَا فَجَعَلَهَا فِي غَيْرِنَا.
ع «٧١» وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضٌ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ، وَمَمَرُّهَا على مدراس الْيَهُودِ، فَكَانَ إِذَا أَتَى أَرْضَهُ يأتيهم ويسمع منهم، فَقَالُوا لَهُ: مَا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، إِنَّهُمْ يمرّون بنا [١] فَيُؤْذُونَنَا وَأَنْتَ لَا تُؤْذِينَا وَإِنَّا لِنَطْمَعُ فِيكَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا آتِيكُمْ لِحُبِّكُمْ وَلَا أَسْأَلُكُمْ لِأَنِّي شَاكٌّ فِي دِينِي وَإِنَّمَا أَدْخُلُ عَلَيْكُمْ لِأَزْدَادَ بَصِيرَةً فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَى آثَارَهُ فِي كِتَابِكُمْ [وَأَنْتُمْ تَكْتُمُونَهَا] [٢]، فَقَالُوا: مَنْ صَاحِبُ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَأْتِيهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قال: جبريل، فقالوا: ذاك عدوّنا يطلع محمدا على سرّنا، وَهُوَ صَاحِبُ كُلِّ عَذَابٍ وَخَسْفٍ وَسَنَةٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّ مِيكَائِيلَ إِذَا جاء، جاء بالخصب والسلم، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: تَعْرِفُونَ جِبْرِيلَ وَتُنْكِرُونَ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ مَنْزِلَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يساره، وميكائيل عدو لجبريل، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِمِيكَائِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لِمِيكَائِيلَ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِجِبْرِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا كَانَ اللَّهُ عَدُوًّا لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ جِبْرِيلَ قَدْ سَبَقَهُ بِالْوَحْيِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيات، فَقَالَ: «لَقَدْ وَافَقَكَ رَبُّكَ يَا عُمَرُ»، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي دِينِ اللَّهِ أَصْلَبَ مِنَ الْحَجَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ، نَزَّلَهُ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، كِنَايَةً عَنْ [٣] غَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلى قَلْبِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِإِذْنِ اللَّهِ: بِأَمْرِ اللَّهِ مُصَدِّقاً: مُوَافِقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، قوله عزّ وجلّ:
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٩٨ الى ١٠٠]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠٠)
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» (٤٠) والطبري ١٦١١ و١٦١٢ عن الشعبي عن عمر، وهذا منقطع الشعبي لم يلق عمر.
وهذه المراسيل لعلها تتأيد بمجموعها، اللهم إن لم يكن أخذ بعضهم عن بعض، فعند ذلك لا تتقوى لاتحاد مخارجها.
وأرجح شيء في هذا الباب ما أخرجه الطبري ١٦٠٨ و١٦٠٩ وهو أمثل شيء في الباب، فانظره، والله أعلم.
(١) في المطبوع «بها» وفي المخطوط «علينا» والمثبت عن الطبري.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «من». [.....]

مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ: خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ من جملة الملائكة مع دخولها فِي قَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ، تَفْضِيلًا وَتَخْصِيصًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) [الرَّحْمَنِ:
٦٨]، خَصَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي ذِكْرِ الفاكهة، [للتفضيل] [١]، وَالْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى «أَوْ»، يَعْنِي: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ [فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْكُلِّ] [٢]، لِأَنَّ الْكَافِرَ بِالْوَاحِدِ كَافِرٌ بِالْكُلِّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: جِبْرُ وميك [٣] وإسراف هنّ [٤] العبد بالسريانية، قال [٥] وَإِيلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُمَا: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «جَبْرِيلَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، بِوَزْنِ فَعْلِيلَ، قَالَ حَسَّانٌ:
وَجَبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا | وَرُوحُ الْقُدْسِ [٦] لَيْسَ لَهُ كَفَاءُ |
عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمحمد | وبجبرائيل وَكَذَّبُوا مِيكَالَا |
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ | فِيهِ مع نصر جبريل وميكال |
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ: وواضحات مُفَصَّلَاتٍ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ: الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ.
أَوَكُلَّما، وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، عاهَدُوا عَهْداً، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَاهَدُوا: لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم ليؤمنن [١١] به، فلما خرج [إليهم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [١٢] كَفَرُوا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا ذَكَّرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [مِنَ الْمِيثَاقِ] [١٣] وَعُهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: وَاللَّهِ مَا عُهِدَ إلينا عهدا في محمد، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ العطاردي «أو كلما عوهدوا» فَجَعَلَهُمْ مَفْعُولَيْنِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ: أَنْ لَا يُعَاوِنُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِهِ، فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ [الْأَنْفَالِ: ٥٦]، نَبَذَهُ: طَرَحَهُ ونقضه فَرِيقٌ: طوائف مِنْهُمْ، من الْيَهُودُ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع «جبير وميت».
(٤) في المطبوع «هي».
(٥) في المطبوع «وآل».
(٦) في المطبوع «القديس».
(٧) وقع في الأصل «بالهمة» والتصويب من النسخة «م».
(٨) سقط في المخطوط.
(٩) في المطبوع «ميكاعل» وفي- ط- «ميفاعل».
(١٠) زيادة عن المخطوط.
(١١) في المطبوع «لتؤمنن».
(١٢) زيد في المطبوع وحده.
(١٣) سقط من المخطوط.